حقوق وحريات

مقتل مصري بعد تعذيبه على طريقة "ريجيني" و"خالد سعيد"

الجريمة حلقة جديدة من حلقات مسلسل انتهاكات وزارة الداخلية ضد المواطنين- مواقع التواصل
على الرغم مما تعيشه مصر في أزمة تفشي فيروس كورونا؛ ارتكبت قوات أمن الانقلاب جريمة مروعة جديدة، أطاحت بحياة شاب مصري تحت وطأة التعذيب بمقار الاحتجاز، وبنفس طريقة مقتل المصريين "خالد سعيد"، و"سيد بلال"، والإيطالي "جوليو ريجيني"، وغيرهم العشرات.

وفي ظل انتهاكات حقوقية على مدار يومين بقسم شرطة الموسكي، أحد أحياء القاهرة الشعبية، قُتل الشاب وليد محمد فتحي (27 سنة)، والذي كان يعمل مديرا لشركة شحن بضائع، مُتأثرا بما وقع له من تعذيب، مساء الخميس الماضي، على يد ضباط القسم الذين احتجزوه دون تهمة محددة.

وأكد حقوقيون تحدثوا لـ"عربي21"، أن والد المجني عليه اتهم ضباط القسم أمام النيابة العامة بتعذيب وقتل ابنه، بالمحضر رقم (456) إداري قسم الموسكي، فيما أمرت النيابة بدفن الجثمان بعد استدعاء الطب الشرعي لتشريح الجثة.

ووفقا للتقرير الطبي الذي تداوله نشطاء، فإن الوفاة جاءت نتيجة نزيف بالمخ، والتهاب رئوي، وكسور بالضلوع، إلا أنه ورغم حظر تحرك المواطنين، والمخاوف من انتشار فيروس كورونا، تم تشييع جنازة وليد، إلى مثواه.



 ولأن الإعلام المصري لم يذكر أي شيء عن القصة قامت "عربي21"، بالتواصل مع والد المجني عليه، عبر الهاتف مرارا للكشف عن آخر التطورات، ونتائج تحقيقات النيابة، ولسؤاله: "هل جرت تحقيقات مع ضباط قسم الشرطة؟"، و"هل تعرض للتهديد والابتزاز؟"، إلا أنه لم يرد على الهاتف.

"تفاصيل مرعبة.. ومخاوف"

ولكن "عربي21"، تواصلت مع الحقوقي المصري الملم بتفاصيل القضية منذ بدايتها أحمد جمعة عنتر، الذي كشف عن حالة من الغضب الشعبي بمنطقة الموسكي، خاصة وأن "وليد تم القبض عليه أمام الأهالي الذين يعلمون القصة كاملة"، مشيرا إلى أنه "تم دفن وليد، الجمعة، بجنازة مهيبة رغم الحظر المفروض بسبب كورونا".

وقال بحديثه لـ"عربي21"، إن "تفاصيل ليلة وفاة وليد تحت التعذيب مرعبة"، موضحا أن "الضباط ساوموا والده مقابل الحصول على الجثة بأن يوقع على محضر كسر حظر تجوال لابنه ليجدوا مبررا لاعتقاله".

المدير التنفيذي لمركز "نضال للحقوق والحريات"، أكد أنه "بعد تدخل النيابة لم يحدث تهديد وابتزاز لأسرة وليد من أي نوع حتي الآن، خصوصا وأن هناك حالة تضامن شعبي من أهالي الموسكي وباب الشعرية معهم"، لافتا إلى أن "الصحفيين ومعدي البرامج ونواب البرلمان الذين تم التواصل معهم تهربوا جميعا".

وحول ما تم بالنيابة قال عنتر إن "النيابة استمعت لأقوال والد المتوفي، التي وجه فيها الاتهام لثلاثة ضباط هم أحمد قدري، ويوسف سيف، ومحمد يحيي، من قوة مباحث الموسكي، وصرحت بدفن الجثمان بعد انتهاء الطب الشرعي من عمله، وحتى الآن لم تطلب الضباط لسؤالهم".

وأعرب الحقوقي، الذي يعمل بمكتب الأمم المتحدة المعني بالجريمة، عن مخاوفه من "طمس الحقيقة كما حدث بوقائع سابقة عديدة"، مشيرا إلى أن "هذه خطة وزارة الداخلية لمواجهة هذه المواقف"، ومُذكّرا "بدس الشرطة لفافة بانجو للقتيل خالد سعيد، واتهام الإيطالي جوليو ريجيني بالتجسس".

وتابع: "ورغم مجهود النيابة وإصرار رئيس نيابة الموسكي على تحرير والد المجني عليه محضرا وتحريك دعوي جنائية ضد الضباط، وإحالة الجثة للمشرحة بدلا من التصريح بالدفن؛ إلا أن الخوف كل الخوف من طمس الحقائق بواسطة جهاز الشرطة لتعجيز النيابة عن الوصول للحقيقة".

وأكد عنتر، أنه "ولذلك فالأولوية القصوى هنا لإيقاف ضباط مباحث القسم الثلاثة عن عملهم، وإجراء تحقيق إداري داخلي من وزارة الداخلية، مع سرعة تحقيق النيابة العامة الجنائي حفاظا على الأدلة".

وأشار إلى أزمة "إلزام مباحث القسم والد الضحية بالإقرار بأنه تم توقيفه أثناء كسر حظر التجوال، وهو الأمر العاري تماما عن الصحة، حيث تم توقيفه أمام منزله وسط أهالي الموسكي".

"ثمن أخطاء الداخلية"

وقال المدير التنفيذي لمركز "نضال للحقوق والحريات"، إن "الجريمة حلقة من حلقات مسلسل انتهاكات الداخلية المستمرة ضد المواطنين، وليست أول حالة ولن تكون الأخيرة لتعذيب وقتل المواطنين والأجانب بأماكن الاحتجاز".

وأشار عنتر إلى أن "مصر تدفع ثمن أخطاء الداخلية ضد الأجانب وقتلهم، ورغم مجهودات الدولة والوزارات بمكافحة كورونا الآن، إلا أن الداخلية دائما وأبدا تثبت أنها تعمل منفردة وبمعزل عن السياسة العامة للحكومة".

وأكد عنتر أن "أخطائها دائما ما تطيح بالأنظمة وتضعها بمواقف قاسية، بدءا من قتل الشاب خالد سعيد، أحد أسباب ثورة يناير 2011، ومرورا بمحمد الجندي بالتعذيب في 2013، وقتل السائحين المكسيكيين بـ2015، والإيطالي جوليو ريجيني بداية 2016".

واستطرد قائلا إن "هناك المئات قتلتهم الداخلية بأماكن الاحتجاز لا يتسع المقام لذكرهم، الأمر الذي يستدعي إعادة هيكلة الوزارة وإدارتها وأجهزتها لتلتزم بالقانون وليس بالسلاح وآليات تعذيب القرون الوسطي".

"غياب الرقابة والمحاسبة"

وبتعليقه، قال الحقوقي المصري أحمد العطار: "ما حدث نتيجة طبيعية لتسلط السلطات التنفيذية المتمثلة بعناصر الداخلية، وغياب الرقابة والمحاسبة من السلطة النيابية والقضائية، ولاستمرار سياسة الشرطة القمعية وعدم اكتراثها بحياة المواطنين وحقوقهم الأساسية".

العطار، أضاف لـ"عربي21" أنه "دائما ما يسقط ضحايا تباعا نتيجة الانفلات الأخلاقي والسلوكي المتكرر وغير المبرر"، مشيرا إلى أن "ضحية قسم الموسكي تم توقيفه بدون مبرر وهو بكامل صحته، حسب شهادات أسرته، وتم تعذيبه بمحبسه حتى شارف الموت".

وأكد أن "وليد، وغيره من الذين قُتلوا، هم نموذج فاضح لسلوك ضباط وأفراد الداخلية المُشين"، مشيرا إلى أنه "منذ بداية 2020، سقط 5 ضحايا بفعل التعذيب بقسم الدخيلة بالإسكندرية، وبمحافظة الشرقية، وبئر العبد بسيناء، والصعيد، ما يؤكد منهجية السلطات باتخاذ التعذيب أسلوبا للتعامل مع المواطنين".

ولفت الباحث الحقوقي إلى أن "جرائم التعذيب لم تنتهِ بوفاة الضحايا، بل إنها تستمر لإجبار الأهالي توقيع تقارير الوفاة والطب الشرعي، والتي تأتي غالبا مخالفة للحقيقة ولتبرئة ضباط الداخلية، مقابل استلام الجثمان ودفنه".

وختم الحقوقي المصري بالقول: "طالما غابت رقابة النيابة على السجون والأقسام وأماكن الاحتجاز، لن يتوقف نزيف دماء المصريين بها".

"القضية بالأرقام"

وحتى كتابة هذه السطور لم تصدر الرواية الرسمية لوزارة الداخلية عن الواقعة، إلا أنها بمثل هذه الحالات تمنح أفرادها الحماية الكاملة، وخاصة منذ تصريحات رئيس الانقلاب عبدالفتاح السيسي عام 2013، بأنه لن يتم محاسبة الضباط بهذه الجرائم.

 

إلا أن وسائل إعلام مصرية نشرت نفي صحة وقائع التعذيب على لسان مصدر أمني الذي زعم أن هذه مجرد ادعاءات من قبل جماعة الإخوان، على حد قوله.

وفي مصر 60 سجنا، و320 مقر احتجاز بأقسام ومراكز الشرطة، إلى جانب مقار سرية لا يُعرف عددها.

وفي 2019، رصدت "المنظمة العربية لحقوق الإنسان"، وفاة 717 مصريا بمقار الاحتجاز، 122 منهم بالتعذيب، و480 للإهمال الطبي، و32 لسوء أوضاع الاحتجاز، و83 لفساد إدارات مقار الاحتجاز.

ووثقت منظمة "كوميتي فور جستس، وقوع 958 حالة وفاة بمقار الاحتجاز منذ منتصف العام 2013 وحتى 30 تشرين الثاني/ نوفمبر 2019.