منذ تسجيل أول إصابة بفيروس كورونا في الصين بشهر تشرين الثاني/نوفمبر 2019، ارتفعت أعداد الإصابات بالفيروس التاجي في جميع أنحاء العالم، ما دفع منظمة الصحة العالمية إلى الإعلان رسميا عن تفشي الوباء.
وإثر انتشار الوباء في البر الصيني،
قررت السلطات وضع الآلاف في الحجر الصحي، وعلى غرارها فرضت دول عدة بما في ذلك إيطاليا
وإسبانيا وبريطانيا والهند، الإغلاق وحظر التجول بإشراف قوات الشرطة.
ولم تكن هذه أول مرة يتم فيها فرض عزل صحي
وحظر نتيجة لانتشار وباء عالمي، فوفقا لتقرير نشره الصحفي الأمريكي "كريس يونغ"
في موقع "INTERESTING
ENGINEERING"
هناك 9 أمثلة على اتخاذ الدول تدابير صحية بما فيها العزل عبر التاريخ.
وهذه هي الأمثلة التي يعود تاريخ بعضها
إلى زمن الإغريق القدماء:
أمثلة سجلت في الإنجيل "العهدين القديم
والجديد"
غالبا ما تم ذكر الجذام في العهد القديم
والجديد من الكتاب المقدس، بأنه المرض الأول الذي يوجد له سجل مكتوب لحالات عزل المرضى.
وأشارت عدة آيات في العهد القديم إلى
الحاجة لعزل المرضى أو نفيهم في بعض الأحيان، وطوال معظم العصور الوسطى، كانت تدار
تجمعات "مستعمرات" خاصة من قبل الكنيسة الكاثوليكية لإبعاد المصابين بالجذام
عن بقية السكان.
اقرأ أيضا: 4 خطوات لتحافظ بها على سيارتك خلال فترة الحجر المنزلي
وتم نبذ المصابين بالجذام ونفيهم من المجتمع، بسبب الاعتقاد الخاطئ السائد في تلك الأوقات بأن هذا المرض شديد العدوى، في حين أن البكتيريا المسؤولة عنه "Mycobacterium leprae" والتي تم اكتشافها في عام 1873، تُسبب التشوه وكانت غير قابلة للشفاء في ذلك الوقت، إلا أنها لم تنتشر بسهولة كما كان يُعتقد سابقا.
العزل زمن الإغريق "اليونانيين"
رجح بعض المؤرخين أن فكرة الحجر الصحي نشأت
زمن الاغريق، حيث كان لدى الإغريق مبدأ ومعتقد يسمى "الأيام الحرجة"، ومفاده
أن أي مرض معد سيتطور في غضون 40 يوما من الإصابة به.
وعلى الرغم من أنهم لم يكونوا على علم ومعرفة
بجسم الإنسان، على المستوى الجزيئي الذي نعرفه اليوم، إلا أنهم كانوا معروفين بعلم
المراقبة الشديد، ويُعتقد أن مبدأ "الأيام الحرجة" قد أتى من فيثاغورس بسبب
ميله للأرقام.
"تشريع ترينتينو"
تفشى الطاعون الدبلي "الدُمّلي"
في عام 1348، وبدأ في الانتشار عبر مدن مثل البندقية وميلانو، وانتشرت الأوبئة
التي كانت سائدة بشكل خاص في المدن ذات الموانئ البحرية طوال القرن الرابع عشر.
وتُظهر الوثائق التاريخية أن مدينة رغوس
الايطالية الساحلية في البحر الأدرياتيكي، والمعروفة اليوم باسم دوبروفنيك، أصدرت تشريعا
في عام 1377 يشترط على السفن القادمة من مدن أخرى تعاني من انتشاء الوباء، أن تبقى
في المرسى لمدة 30 يوما قبل السماح لأي شخص بالنزول إلى اليابسة.
وقد تم تسمية فترة الثلاثين يوما المنصوص
عليها في أمر الحجر الصحي باسم "ترينتينو" والمشتقة من كلمة "30 يوما"
باللغة الإيطالية.
ويعتبر بعض مؤرخي الطب تشريع رغوس للحجر
الصحي أحد أكثر الإنجازات إثارة للإعجاب في طب العصور الوسطى، حيث أظهر فهما رائعا
لفترات حضانة الأمراض المعدية، في زمن لم يكن لدى الناس فيه فكرة عن البكتيريا أو الفيروسات.
نشأت كلمة "الحجر الصحي" في العصور
الوسطى
بدأت ممارسة الحجر الصحي كما نعرفها اليوم،
في القرن الرابع عشر كجزء من جهد متضافر لوقف انتشار أوبئة الطاعون عبر التجارة البحرية
والقوافل البرية.
اقرأ أيضا: Quiz | تعرف على نسبة التوتر لديك خلال الحجر الصحي (اختبار)
وجاءت كلمة الحجر الصحي باللغة الانجليزية "quarantine" من المصطلح الإيطالي "quaranta giorni" ويعني 40 يوما، وذلك بعد صياغة مرسوم "ترينتينو" في رغوس عام 1377، ويقول المؤرخون أن الأطباء والمسؤولين مُنحوا السلطة لفرض فترات عزل أقصر أو أطول.
العزل الصحي لمكافحة الطاعون الأسود
باتباع الإجراءات التي تم تبنيها لأول مرة
في المدن الإيطالية، بدأت العديد من المناطق الأخرى باستخدام نفس الطريقة، لعزل الأشخاص
المحتمل إصابتهم بالطاعون الأسود لمدة 40 يوما.
واشتهرت إحدى المدن في المملكة المتحدة وتسمى
"إيام" بطرق الحجر الصحي الصارمة، والتي فرضت ذاتيا في عام 1666 عندما انتشر
الطاعون "الموت الأسود" من لندن إلى شمال المملكة المتحدة، حيث قرر السكان
البقاء في المدينة بدلا من الفرار إلى المناطق المجاورة حيث يمكن أن ينشروا المرض،
الذي قتل 25 في المئة من سكان لندن.
اكتشف في النهاية أن خياطا من مدينة
"إيام" طلب قطعة قماش من لندن، والتي حملت بكتيريا "اليرسينيا الطاعونية"
والتي نقلت المرض للمدينة، ما أدى إلى وفاة ثلث سكانها البالغ عددهم 750 في ذلك الوقت،
ومن المحتمل أن يكون قرارهم بالحجر الذاتي قد أنقذ العديد من الآخرين.
تفشي الكوليرا في الولايات المتحدة
بعد تأسيس الولايات المتحدة، أدى تفشي عدة
حالات مصابة بالحمى الصفراء إلى تمرير الكونغرس تشريعا فيدراليا للحجر الصحي في عام
1878، والذي سمح بالتدخل الفيدرالي لفرض إجراءات الحجر الصارمة على مجموعات من الناس.
ثم تفشت الكوليرا عبر الركاب القادمين على
السفن من أوروبا، مما أدى إلى تغييرات في القانون في عام 1892، سمحت للحكومة الفيدرالية
بمزيد من السلطة، ثم تم في عام 1921 تأميم نظام الحجر الصحي بالكامل.
وحاليا يتم تنظيم تدابير الحجر الصحي في
الولايات المتحدة من قبل مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) منذ عام 1967.
ماري التيفوئيد
تُعد "ماري مالون" أحد الأمثلة
سيئة السمعة لفرد يتم عزله في التاريخ، وهي طاهية إيرلندية عُرفت فيما بعد باسم
"ماري التيفوئيد".
كانت "مالون" حاملة لأعراض حمى
التيفوئيد في بداية القرن العشرين، وعلى الرغم من أنها لم تشعر بالمرض أبدا، إلا أنها
نقلته إلى العائلات التي عملت لديها كطاهية.
تم عزل "مالون" من قبل المسؤولين
الأمريكيين في جزيرة نورث في نيويورك لمدة ثلاث سنوات، ثم تم إطلاق سراحها بعد أن وعدت
بعدم الطهي مرة أخرى، لكن بعد أن كسرت هذا التعهد، أعيدت إلى الجزيرة حيث عاشت لبقية
حياتها في عزلة.
أندرو سبيكر والسل المقاوم للأدوية
ومن الأمثلة الأكثر حداثة على شخص واحد تم
عزله هو المحامي "أندرو سبيكر"، والذي تم عزله في عام 2007 من قبل مسؤولي
الصحة العامة بسبب إصابته بعدوى السل المقاوم للأدوية.
اقرأ أيضا: كيف تعاملت الدولة العثمانية مع الأوبئة وتفشي الأمراض؟
كسر "سبيكر" الحجر الصحي وسافر إلى إيطاليا على الرغم من علمه أنه يمكن أن يصيب الآخرين بشكل محدد وخطير بعدوى السل التي يحملها، ولدى عودته إلى الولايات المتحدة، ألقت السلطات الفيدرالية القبض عليه، وتم عزله في مركز طبي في دنفر، وبعد العلاج، لم يُعد يعتبر معديا، على الرغم من أنه حصل على اهتمام عالمي سلبي واسع النطاق لكسره الحجر الصحي.
الإجراءات الحديثة لمكافحة الإيبولا والسارس
والإنفلونزا
وفي التاريخ الحديث، تم استخدام تدابير الحجر
للمساعدة في مكافحة انتشار الأمراض المعدية مثل الإيبولا والإنفلونزا والسارس، وعلى
الرغم من أنه قرار خطير يؤدي لتقييد حرية الفرد، فقد ثبت أنه فعال في منع انتشار
الأمراض على نطاق واسع في جميع أنحاء العالم، ولكنه ليس فعالا بنسبة 100 بالمئة كما
يتضح من الانتشار المستمر لـ SARS
COV-2،
مع ذلك فقد ثبتت فعاليته في بعض الأمراض.
بالنسبة للسارس على سبيل المثال، ثبت أن
الحجر الصحي فعال للغاية كطريقة لحماية العامة، حيث عادة ما كان هذا المرض ينتقل بشدة
بين المرضى بعد أن تبدأ الأعراض بالفعل، لكن تكمن مشكلته بأنه قابل للانتقال بدرجة
كبيرة حتى قبل أن تظهر على المريض أي أعراض، مما يعني أنه من الصعب احتواؤه.
هكذا بدت شوارع وأماكن حول العالم بسبب كورونا (شاهد)