نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا، تقول فيه إنه في الوقت الذي وجد فيه البعض أن الغارة الأمريكية التي قتلت صباح الجمعة القائد العسكري الإيراني قاسم سليماني كانت مبررة لمنع هجمات مستقبلية، فإن البعض الآخر داخل إدارة دونالد ترامب عبروا عن شكهم في المنطق الذي دفع لعملية القتل.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن القادة العسكريين الأمريكيين وضعوا في الأيام الفوضوية التي سبقت مقتله خيار اغتياله على أجندة الرئيس دونالد ترامب، وهو ما عدوه الخيار الأكثر تطرفا للرد على العنف الذي قادته إيران في العراق.
وتستدرك الصحيفة بأن العسكريين لم يكونوا يتوقعون موافقة الرئيس على هذا الخيار، خاصة أنهم ومنذ 11 أيلول/ سبتمبر 2001 قدموا خيارات غير محتملة لجعل الاحتمالات الأخرى أكثر قبولا له.
ويلفت التقرير إلى أنه بعد رفضه خيار قتل سليماني، وأمر بدلا من ذلك بتوجيه غارات في 28 كانون الأول/ ديسمبر على مواقع مليشيا شيعية، راقب الرئيس بغضب التقارير التلفازية التي نقلت هجمات الجماعات الشيعية التي تدعمها إيران على السفارة الأمريكية في العراق.
وتورد الصحيفة نقلا عن مسؤولين في وزارة الدفاع والإدارة، قولهم إن الرئيس قرر بحلول ليلة الخميس تبني الخيار المتطرف، وهو ما صعقهم، مشيرين إلى أن ترامب اتخذ قراره رغم الخلاف داخل الإدارة حول أهمية المعلومات الأمنية التي حذرت من تهديدات جديدة ضد السفارات والقنصليات والجنود الأمريكيين في العراق وسوريا.
وينقل التقرير عن مسؤولين، قولهم إن الجنرال قاسم سليماني أتم جولة بين جنوده في العراق وسوريا ولبنان، ويخطط لهجمات قد تؤدي إلى مقتل مئات الأشخاص.
وتورد الصحيفة نقلا عن قائد هيئة الأركان المشتركة الجنرال مايك مايلي، قوله إن هذه الهجمات كانت ستتم "في أيام أو أسابيع"، وذلك في رده على أسئلة الصحافيين يوم الجمعة حول المدى الزمني لحدوثها، لكنه لم يقدم معلومات أو تفاصيل عن الخطط التي وصفها "بالواضحة ولا غبار عليها".
وينوه التقرير إلى أن بعض المسؤولين عبروا عن شكهم من المنطق الذي دفع الرئيس لقتل سليماني، الذي كان مسؤولا عن قتل مئات الأمريكيين خلال السنوات الماضية، مشيرا إلى أنه بحسب مسؤول استخباراتي، فإن المعلومات الاستخباراتية أشارت إلى "يوم عادي في الشرق الأوسط -30 كانون الأول/ ديسمبر- وأن سفر سليماني كان مواصلة (لعمله المعتاد)".
وتفيد الصحيفة بأن المسؤول وصف المعلومات الأمنية بأنها ليست قوية، وأن هجوم الجنرال سليماني لم يكون وشيكا؛ لأن الاتصالات التي حصلت عليها الولايات المتحدة بين الجنرال والمرشد الأعلى آية الله علي خامنئي كشفت عن أنه لم يوافق على أي من الخطط، مشيرة إلى أن المرشد دعا الجنرال للحضور إلى طهران لمتابعة النقاش، وذلك قبل أسبوع من مقتله.
وينقل التقرير عن المسؤولين، قولهم إن وزير الخارجية مايك بومبيو ونائب الريس مايك بنس كانا من أشد الأصوات تطرفا في النقاش حول إيران، مشيرا إلى أن مكتب بنس ساعد على إدارة عدد من اللقاءات عبر الفيديو في أثناء الغارة.
وتشير الصحيفة إلى أنه في الوقت الذي رفض فبه وزير الدفاع مارك إسبر والجنرال ميلي التعليق على تقريرها، فإن المتحدث باسم ميلي العقيد ديدي هالفنيل قال دون تقديم توضيحات إن "بعض الأوصاف التي أكدتها مصادر أخرى غير صحيحة".
ويؤكد التقرير أن تداعيات القتل المستهدف الذي أمر به ترامب تتوالى، ففي العراق وضعت القوات الأمريكية هناك جنودها في حالة تأهب، حيث زحفت عشرات الآلاف من المقاتلين الموالين لإيران في شوارع بغداد، وسط دعوات لطرد الأمريكيين من البلاد، وقالت القيادة المركزية التي تشرف على العمليات في الشرق الأوسط، إن صاروخين سقطا قرب قواعد عراقية يعمل فيها جنود أمريكيون، لكن لم يصب أحد بأذى، مشيرا إلى أنه في إيران تعهد آيات الله هناك بالانتقام القوي، في الوقت الذي أحيت فيه البلاد أيام عزاء لمقتل الجنرال.
وتذكر الصحيفة أن الرئيس ترامب رد بتغريدة من منتجعه في بالم بتيش في فلوريدا، بأن أمريكا حددت 52 هدفا بعدد الرهائن الأمريكيين الذين احتجزوا في السفارة الأمريكية في عام 1979 لو قامت طهران باستهداف المصالح الأمريكية، وقال إن بعض المواقع حيوية ومهمة جدا لإيران وللثقافة الإيرانية، وسيتم ضرب هذه الأهداف بقوة وسريعا.
ويلفت التقرير إلى أن الرئيس أًصدر هذه التهديدات بعد رصد المخابرات الامريكية وضع أنظمة الصواريخ الباليستية في حالة تأهب، فيما قال مسؤولون أمريكيون إنه ليس من الواضح قيام إيران بتوزيع صواريخها الباليستية لتجنب هجمات أمريكية، أو أنها قامت بعمليات تعبئة واسعة للقيام بهجمات ضد أهداف أمريكية في المنطقة انتقاما على مقتل سليماني.
وتفيد الصحيفة بأنه في الكونغرس عبر الديمقراطيون عن شكهم في المعلومات الأمنية التي قادت إلى القتل، مشيرة إلى أن البيت الأبيض قام بإخبار الكونغرس بشكل رسمي حول القرار، فقالت الإدارة إنه مبرر قانونيا بموجب قانون سلطة الحرب.
وينوه التقرير إلى أن 3500 جندي في قاعدة فورت براغ يحضرون للانتشار في الشرق الأوسط، مشيرا إلى أن الجنرال سليماني، الذي تأتي أهميته بعد أهمية المرشد، كان مسؤولا في حكومة ذات سيادة.
وتشير الصحيفة إلى أن آخر مرة قتلت فيها الولايات المتحدة مسؤولا حكوميا كانت في أثناء الحرب العالمية الثانية، عندما أسقطت القوات الأمريكية طائرة الأدميرال الياباني إيسوروكو ياماماتو.
ويستدرك التقرير بأن المسؤولين الأمريكيين يحاولون التقليل من أهمية سليماني الرسمية وبصفته جزءا من الحكومة الإيرانية، قائلين إن موقعه كان مجرد غطاء للقيام بنشاطاته الإرهابية، مشيرا إلى أنه منذ مقتله حاول المسؤولون الأمريكيون تصوير الغارة على سليماني بأنها تشبه الغارة التي نفذتها قوات أمريكية خاصة وقتلت فيها زعيم تنظيم الدولة أبا بكر البغدادي، مع ان كلا من الرئيسين باراك أوباما وجورج دبليو بوش رفضا قتل الجنرال الإيراني؛ لأن ذلك سيكون استفزازا ومدعاة للمواجهة.
وتقول الصحيفة إن سليماني كان في مدى أهداف ترامب منذ وصوله إلى البيت الأبيض، إلا أن مقتل المتعهد الأمريكي في قاعدة قرب كركوك يوم 27 كانون الأول/ ديسمبر، كان هو السبب الذي قاد إلى نهاية الجنرال، مشيرة إلى أن كلا من إسبر وميلي سافرا إلى منتجع مار- إي- لاغو يوم الأحد؛ لتقديم مجموعة من الخيارات للرئيس، والتعامل مع التصعيد في العراق.
ويكشف التقرير عن أن قائمة الخيارات ضمت تنفيذ هجمات على السفن الإيرانية أو المنشآت الصاروخية أو الجماعات الشيعية التي تدعمها إيران في العراق، وبالإضافة إلى خيار قتل الجنرال سليماني لتبدو الخيارات معقولة، وقرر ترامب القيام بغارات ضد الجماعات الشيعية، وفي يوم الأحد أعلنت البنتاغون عن شن غارات على مواقع كتائب حزب الله قرب الحدود العراقية السورية وقتل 24 من أفرادها.
وتورد الصحيفة نقلا عن المتحدث باسم البنتاغون جوناثان هوفمان، قوله إن الغارات شملت ضرب مخازن أسلحة ومواقع تحكم وقيادة استخدمت لإطلاق صواريخ على القوات الأمريكية وشركائها، فيما أكد ميلي يوم الجمعة أن الغارات تمت على مواقع بعيدة دون التسبب بأضرار جانبية.
ويفيد التقرير بأن الإيرانيين عدوا الضربة غير متناسبة، وردوا بتظاهرات حاشدة ومداهمة السفارة الأمريكية في بغداد، إلا أن ترامب عبر عن الغضب، خاصة أن ما حدث في قنصلية أمريكا في بنغازي ظل حاضرا في ذهنه، وشعر مساعدوه أن عدم الرد سيجعل الرئيس يبدو ضعيفا، خاصة بعد سلسلة من التهديدات.
وتبين الصحيفة أنه عندما اختار ترامب قتل سليماني فإن المسؤولين دهشوا، وعبر بعضهم عن مخاوفه من عمليات إيرانية انتقامية، لافتة إلى أنه ليس من الواضح فيما إن اعترض كلا من إسبر وميلي، أو حاولا إقناع الرئيس بتغيير رأيه.
وبحسب التقرير، فإن قوات العمليات الخاصة بدأت في البحث عن فرصة لضرب الجنرال سليماني، الذي كان يتحرك علنا ويقابل بصفته نجما في بعض الأماكن، مشيرا إلى قول المخابرات الأمريكية والجيش إن تحديد مكانه قام على معلومات من عملاء سريين، وعمليات تنصت إلكتروني، ومعلومات جمعتها طائرة استطلاع ومصادر أخرى.
وتلفت الصحيفة إلى أن "خيار القتل اعتمد على من سيستقبل سليماني في المطار، فلو كان في استقباله مسؤول عراقي من الحكومة المتحالفة مع أمريكا فإنه سيتم إلغاء الغارة، لكن من استقبله كان (هدفا واضحا) أي عناصر من كتائب حزب الله وزعيمها أبا مهدي المهندس".
وتختم "نيويورك تايمز" تقريرها بالإشارة إلى أن ترامب أصدر قرار القتل في الساعة الخامسة من مساء الخميس، وفي يوم الجمعة ضربت صواريخ أطلقت من طائرة مسيرة "أم كيو- 9 ريبر" فجرت موكب سليماني عندما غادر مطار بغداد.
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)
إنترسبت: كيف يخدم اغتيال سليماني طموحات إسرائيل والسعودية؟
أوبزيرفر: إيران سترد بقوة على قتل سليماني وهذه خياراتها
MEE: هذه دوافع ترامب الحقيقية لاغتيال قاسم سليماني