على وقع التطور الخطير الذي مثله مقتل قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني، في عملية عسكرية أمريكية بجوار مطار بغداد فجر الجمعة الماضية، تتجه الأنظار إلى الدور المحتمل الذي قد تسنده إيران لجماعة "أنصار الله" الحوثية في اليمن، في إطار المواجهة المحتملة مع واشنطن ومجالها الحيوي في المنطقة.
بيان المجلس السياسي لهذه الجماعة، على الرغم من أنه جاء أقل تشنجاً في مضمونه ومدلولاته السياسية، إلا أنه أظهر (ضمن هذا المستوى) إلى أى مدى أصبح الحوثيون الزيدية في اليمن جزءاً أصيلاً من المشروع السياسي والجيوسياسي الإيراني في المنطقة، إلى الحد الذي يصعب معه التكهن بالحصة التي ستقررها طهران على الحوثيين في مخطط الرد العسكري على مقتل الجنرال سليماني.
بيان المجلس السياسي لهذه الجماعة، على الرغم من أنه جاء أقل تشنجاً في مضمونه ومدلولاته السياسية، إلا أنه أظهر (ضمن هذا المستوى) إلى أى مدى أصبح الحوثيون الزيدية في اليمن جزءاً أصيلاً من المشروع السياسي والجيوسياسي الإيراني
خلال النصف الثاني العام 2019، خاضت إيران مواجهة خطيرة جداً مع المملكة العربية السعودية شهدت تنفيذ هجمات عدة على منشآت حيوية سعودية، توجت بمهاجمة اثنتين من أهم وأكبر المنشآت النفطية السعودية الواقعة شرق المملكة، وادعى الحوثيون حينها أنهم هم من نفذوا هذه الهجمات بواسطة الصواريخ والطائرات المسيرة، وهو ادعاء لم يصمد طويلاً أمام المعطيات التي أفادت بأن الهجمات جاءت من جهة الشمال، وسط تقديرات للمخابرات الأمريكية بأن إيران هي من يقف وراء هذه الهجمات.
ولأن إيران لم يكن بوسعها أن تكرر هجمات كارثية من بهذا القدر الهائل من التأثير على المقدرات السعودية، اضطر الحوثيون إلى إعلان الهدنة من طرف واحد. والآن فقط بوسع إيران أن تعيد الكرة وتدفع بالحوثيين إلى تبني الهجمات المقبلة التي قد تكون جزء من مخطط الرد العنيف والحاسم الذي توعدت إيران به الولايات المتحدة.
لكن يا ترى ما الثمن الذي قد يدفعه الحوثيون إن قرروا الاصطفاف الحربي في معركة العدو الأصيل والمباشر فيها هو أمريكا، حتى لو أضيفت دول أخرى إلى القائمة بصفتها حليفة لواشنطن؟ والأمر ينصرف هنا بدرجة أساسية إلى كل من السعودية والإمارات، إذ لطالما اعتبرت إيران هذه الدول تابعة للقرار الأمريكي.
ما الثمن الذي قد يدفعه الحوثيون إن قرروا الاصطفاف الحربي في معركة العدو الأصيل والمباشر فيها هو أمريكا، حتى لو أضيفت دول أخرى إلى القائمة بصفتها حليفة لواشنطن؟
أما لماذا يمكن أن تكون السعودية ساحة مواجهة في إطار الحرب مع أمريكا باستغلال الدور الحوثي؟ فلأن الرابط الوحيد بين هاتين الدولتين وهذا الحدث الإقليمي هي الحرب الدائرة حالياً في اليمن.
حتى هذه اللحظة يمثل الحوثيون أحد أطراف الصراع الرئيسية التي تحتفظ بقنوات اتصال نشطة مع الولايات المتحدة الأمريكية ومع بريطانيا، وقد تولى سفراء الدول الغربية طيلة السنوات الماضية الضغط على الحكومة الشرعية للقبول بشراكة سياسية للحوثيين بحصة كبيرة ومؤثرة في الدولة اليمنية، كثمن لإنهاء الصراع.
ولأول مرة سيجد الحوثيون أنفسهم مضطرين للاصطفاف كأداة إيرانية في المواجهة الحالية والمباشرة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، في ظل ما يمكن اعتباره تغيرا جذريا في قواعد اللعبة.
ففي ظل الوضعية الجديدة في المنطقة،
أصبحت طهران وأدواتها هدفاً عسكرياً بعد أن ظلت أحد الأطراف التي تدير مهمة تركيع الأغلبية السنية في المنطقة، تارة باسم مكافحة تنظيم القاعدة وتارة باسم مواجهة تنظيم داعش.
ردود الفعل الغربية، بما في ذلك قيادات أمريكية محسوبة على الحزب الديمقراطي، تعكس ارتباكاً واندهاشاً من خطوة الرئيس ترامب تصفية الجنرال قاسم سليماني، أحد أهم القيادات الإيرانية والمؤثر الأبرز في حروب قهر الأغلبية المطالبة بالحرية والديمقراطية، مما يعني أن الاصطفاف في مواجهة أمريكا قد يقوض الترتيبات الراسخة التي بدأت منذ عهد الرئيس أوباما، وقضت بتفويض إيران وأدواتها بهندسة المنطقة وإعادة تعيين مجال النفوذ واللاعبين الإقليميين وإبقاء القرار السياسي في دول المنطقة بيد هذا الحلف؛ الذي يتشكل كقوة عقائدية صلبة ومتوترة ومسكونة بحقد القرون. وهنا تكمن الإشكالية بالنسبة للحوثيين الذي ظلوا يقدمون أنفسهم لواشنطن باعتبارهم رأس حربة في المواجهة مع الإرهاب، كما يزعمون.