انطلقت، السبت، في الجزائر عملية تنصيب الوزراء المعينين حديثا في مهامهم
الجديدة، وسط نظرات متباينة لمدى قدرة الحكومة الجديدة على حل الأزمات متعددة الأبعاد
التي تعرفها البلاد منذ سنوات.
ويغلب على الوزراء الجدد الخلفية الأكاديمية والتقنية، إذ إن الكثير
منهم أساتذة بالجامعات لم يخوضوا في حياتهم أي تجربة سياسية، ومنهم من هو معروف فقط من خلال تحليلاته على بلاطوهات التلفزيونات
المحلية.
واحتفظ الرئيس الجديد عبد المجيد تبون، فيما يتعلق بالوزارات السيادية،
بوجوه من الفترة السابقة مثل وزير العدل بلقاسم زغماتي ووزير المالية عبد الرحمن راوية
ووزير الخارجية صبري بوقادوم ووزير الداخلية عبد الكريم بلجود.
وطغى على الحكومة الجديدة التي يقودها عبد العزيز جراد، كثرة الحقائب
الوزارية التي بلغ عددها 39، حيث تم تقسيم العديد من الوزارات إلى 2 أو 3، كما حدث
مع وزارة الثقافة والتجارة والصناعة.
الملف الاقتصادي
وتشير نظرة أولية إلى كيفية توزيع الوزارات، إلى أن ثمة اهتماما خاصا
بالقطاع الاقتصادي، من خلال إنشاء وزارات خاصة بحاضنات الأعمال وأخرى بالمؤسسات الناشئة، وأخرى بتطوير التجارة الخارجية.
وتعاني الجزائر أزمة اقتصادية بفعل تهاوي احتياطياتها من الصرف التي
لن تعد تكفي سوى لسنة ونصف من الاستيراد، واختلال ميزانها التجاري، واستمر تبعيتها المفرطة
للمحروقات التي تمثل 98 بالمئة من صادراتها.
وأُسندت وزارة الصناعة إلى الخبير الاقتصادي فرحات آيت علي، الذي اشتهر
بنقده الشديد للسياسات الاقتصادية المنتهجة في عهد الرئيس بوتفليقة، ونبّه في وقت سابق
إلى أن استمرارها سيؤدي بالبلاد إلى الإفلاس.
وظهر وزير الصناعة الجديد السبت، أثناء استلامه مهامه رسميا، متفائلا
بإمكانية تعويض تأخر الجزائر في المجال الصناعي، وشدّد على أن البلاد بحاجة اليوم إلى
استراتيجية صناعية حقيقية تحقق الإقلاع الاقتصادي.
وأبرز آيت علي في تصريحاته، أن التحدي الأكبر يكمن في تطوير منتجات صناعية بنسب إدماج عالية،
لتفادي الإنفاق الكبير على المدخلات الصناعية في السلع التي يتم تصنيعها أو تركيبها
حاليا في الجزائر.
"حكومة
لـ 9 أشهر"
وما يعاب على الحكومة الجديدة، وفق نائب رئيس حزب جيل جديد إسماعيل
سعيداني، افتقادها لوزارة تُعنى بالتخطيط الذي هو أكثر ما تحتاجه الجزائر حاليا لرسم
استراتيجية تتيح لها الخروج من الاعتماد المطلق على المحروقات.
وأوضح سعيداني، في تصريح لـ"عربي 21"، أن المعيار المعتمد في
اختيار الكثير من الوزراء كان الظهور التلفزيوني، في حين تحتاج الجزائر إلى "أصحاب
الخبرات الحقيقية في التسيير وليس المحللين".
واستغرب سعيداني إسناد وزارة التجارة "التي تنتظرها مفاوضات عسيرة
مع الاتحاد الأوربي، لأستاذ جامعي لم يسبق له الممارسة، لا التقنية ولا الإدارية ولا
السياسية".
ويعتقد المتحدث أن عمر هذه الحكومة لن يطول كثيرا، إذ ستستمر "لمدة
أقصاها 9 أشهر من أجل القيام بالإصلاحات التي وعد بها الرئيس قبل الذهاب إلى الانتخابات
التشريعية المقبلة".
اقرأ أيضا: الإفراج عن معتقلي الرأي.. هل قرر تبون تلبية مطالب الحراك؟
وستكون نهاية هذه الحكومة، "بعد إنهاء عملية تعديل الدستور وتغيير
القوانين الخاصة بالانتخابات والأحزاب، وتنظيم الانتخابات التشريعية التي تفرز برلمانا
جديدا"، وفق سعيداني.
ويُنتظر أن ينص الدستور الجديد على أن الحكومة الجديدة تنبثق من الأغلبية
البرلمانية، وهو ما سيُعيد الروح إلى جسد البرلمان، من خلال جعله مؤثرا في عملية تشكيل
الحكومة، عكس الفترة السابقة التي كان يوصف فيها بـ"غرفة تسجيل القوانين"؛ نظرا لهيمنة السلطة التنفيذية على كل صلاحياته.
وقال ناصر حمدادوش القيادي بحركة مجتمع السلم، في تصريح لـ"عربي
21"، إن الحكومة التي يمكن القياس عليها هي التي تأتي بعد الانتخابات التشريعية
"كونها ستكون معبرة عن الأوزان السياسية الحقيقية في الساحة".
لكن الحكومة الحالية، "ستكون وفق المعطيات الأولية ذات أولويات
اقتصادية واجتماعية، في حين ستتكفل الرئاسة بحل الأزمة السياسية، عبر تنظيم حوار مع
الطبقة السياسية والفاعلين في الحراك الشعبي"، على حد قول حمدادوش.
الرئاسة تتفرغ للملف السياسي
وكان الوزير الأول السابق أحمد بن بيتور، الوحيد الذي استقبله الرئيس
تبون من المعارضة في الأسبوع الأخير، وقد أبدى استعداده للتعاون من أجل حلّ الأزمة
السياسية والاقتصادية، وفق الأصداء التي رشحت من اللقاء.
وقالت زوبيدة عسول، رئيسة حزب الاتحاد من أجل الرقي والتغيير، إنه من
السابق للأوان الحكم على الحكومة الجديدة قبل رؤية مخطط عملها الذي سيعرض على البرلمان،
"إلا أن ذلك لا يمنع من تقديم العديد من الملاحظات على طريقة تشكيلها وأعضائها".
لكن عسول استغربت في حديثها مع "عربي 21" الاستعانة من جديد
بوزراء من عهد الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، خاصة في الفترة الأخيرة لحكمه، التي
شهدت "عملية فساد ممنهج كان هؤلاء شركاء فيها".
واعتبرت عسول أن الواجب اليوم على الرئيس، هو المسارعة إلى "اتخاذ
إجراءات تهدئة لامتصاص غضب الشارع، ثم الذهاب إلى حوار جاد لحل الأزمة السياسية، مع
ترك الحكومة تتفرغ للمسائل الاقتصادية والاجتماعية".
وترى المتحدثة أن الجزائر اليوم "بحاجة إلى دستور جديد يتضمن فصلا
حقيقيا بين السلطات وتعزيز استقلالية العدالة والحقوق والحريات، وهي عملية معقدة تحتاج
إلى توافقات بين كل مكونات الساحة السياسية".
وحذرت من الذهاب إلى "تعديل الدستور عبر الطرق السابقة، التي كان
فيها الرئيس بوتفليقة يقوم في الظاهر باستشارات سياسية، لكنه يضمن في الوثيقة النهائية
تصوره للحكم".
هل تدخل الجزائر على خط الدعم العسكري لحكومة الوفاق الليبية؟
هل يمكن لتبون أن يحدث تحولا ديمقراطيا في الجزائر؟
هل تشارك الجزائر في تحالف عسكري مع تركيا في ليبيا؟