محاسبة من يقصف مستشفيات سوريا ويحاصر غزة ويضطهد مسلمي الروهينغا ويقتل المدنيين في اليمن؛ هذه العبارات ليست أحلاما لشاب خيم الظلم حوله أو شعارات يرفعها خطيب جمعة في مسجد أدمنت جدرانه على تكرار صدى حروفها؛ وإنّما جزء من البيان الانتخابي لحزب العمال البريطاني تحت قيادة اليساري المعروف بمواقفه التاريخية مع فلسطين والرافضة لغزو العراق الموظف السابق في منظمة العفو الدولية جيرمي كوربين.
ليس هذا فحسب بل تعهد كوربين حال فوزه - كما جاء في بيانه الانتخابي - بمراجعة الإرث الاستعماري لبريطانيا وتأثيره على ديناميكيات العنف وانعدام الأمن في المناطق المستعمرة سابقا.
لم تتوقف تعهدات كوربين وفريقه عند تلك المضامين في السياسة الخارجية بل رافقتها وعود غير عادية على المستوى الداخلي تضمنت تخصيص 26 مليار جنيه لنظام التأمين الصحي الحكومي و بناء مئة وخمسين ألف مسكن في السنة و انفاق مبالغ ضخمة في البنية التحتية.
مع زيادة بنسبة 5% لرواتب موظفي القطاع العام وزيادة الميزانية المخصصة للتعليم يرافقها إلغاء للرسوم الجامعية التي أرهقت كاهل الطلبة وذويهم رغم وجود صندوق إقراض شبه رسمي للطلبة ولكن الطالب يبقى مدينًا له سنين طويلة من عمره.
وعودة للسياسة الخارجية أجد نفسي مضطرًا لأؤكد للمرة الألف أنّ كوربين برفضه التدخل العسكري في سوريا لا يدعم بشار الأسد ولا يؤيده بل وللتاريخ فإن كوربين تحدث صراحة عن ضرورة رحيل بشار على وسائل إعلام محلية قبل سنوات.
لا شك أَن اليسار في الغرب يسمع كما يقال رواية مبتورة عما يجري في كثير من دولنا العربية بسبب أجندات وحسابات رفاقه في النضال في الشرق والذين يقدم بعضهم الرواية التي يريدون لهم كما يقول أنس التكريتي رئيس مؤسسة قرطبة لحوار الثقافات في بريطانيا.
ولكن هذا لا يعني أن عيون كوربين و رفاقه عمياء عن تلك المجازر الهمجية بحق النساء و الأطفال والمدنيين ولذلك كان بيانهم الانتخابي صريحا حول ملاحقة ومحاسبة من يستهدف المستشفيات في سوريا.
بالمناسبة أكثر ما أخشاه ممن يتطرفون بمواقفهم ضد كوربين أنهم شاؤوا أم أبوا في أي موقف يتخذونه ضده حتى لو بامتناعهم عن التصويت يخدمون جونسون والذي ما زال حتى اليوم يرفض الاعتذار عن إساءته البالغة للمنقبات وهو المعروف برفضه لوقف تسليح دولة الاحتلال والذي يُخشى منه أيضا أن يشرعن تجريم المقاطعة ويتماهى مع صنوه ترامب في دعمه المطلق لـ"إسرائيل".
ناهيك أن المحافظين لم يقدموا لا في عهد جونسون ولا سابقته تيريزا ماي او كاميرون من قبلهما أي موقف يسجل لهم لوقف الدم النازف لأهلنا في سوريا أو اليمن فضلا عن فلسطين.
وفي المقابل فقد عارض كوربين بشكل صريح غزو العراق كما أسلفت و حرب أفغانستان و دخول حلف شمال الأطلسي ليبيا عسكريا والضربات العسكرية ضد بشار الأسد وكل تدخل عسكري خارجي في منطقة الشرق الأوسط.
هذا الموقف ينطلق من كون كوربين لا يرى في الحروب سبيلا لحل الصراعات و أَن العنف برأيه لا يجر سوى مزيد من العنف و سفك الدماء و هو قد شغل منصب رئيس التحالف الأهلي الدولي المعروف باسم "أوقفوا الحرب".
وعندما سئل متى يمكن أن تشن حربًا قال: "أنا متأكد من أن هناك بعض الظروف ولكن لا يمكنني أن أفكر في أي منها في هذه اللحظة." وقد دعا إلى التحقيق مع توني بلير المتهم بارتكاب جرائم حرب خلال غزو العراق.
الخلاصة نحن أمام لحظة تاريخية يمكنها أن تشكل علامة فارقة في السياسة الغربية باقتراب شخص مثل جيرمي كوربين المعروف بعدائه الشديد لكل قيم الغرب الرأسمالية ليكون قاب قوسين أو أدنى من منصب رئيس وزراء دولة بحجم ومكانة بريطانيا.
وكل من له صوت فاعل أو فرصة للتأثير ولو بشخص واحد يمكنه المشاركة بالتصويت في الانتخابات التشريعية البريطانية يوم 12/12 معني بدعم كوربين وفريقه وإلا فستكون ضريبة فوز غريمه كبيرة وعالية، ولا ينفع حينها الندم.
أولويات المسلمين في الانتخابات البريطانية