شدد باحثون ومتخصصون في القانون الدولي على أن الضغط
الأمريكي والإسرائيلي على وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)؛
يندرج في إطار إنهاء حق العودة للاجئين.
جاء ذلك في سياق مؤتمر عُقد في الذكرى السبعين
لتأسيس الأونروا، نظمه بشكل مشترك كل من مركز العودة الفلسطيني ومركز الجزيرة
للدراسات، المركز الأوروبي للدراسات الفلسطينية في جامعة إكستر البريطانية. وعُقد
المؤتمر في المكتبة البريطانية بلندن.
وتضمن المؤتمر الذي عُقد على مدار يوم كامل، السبت،
عدة جلسات تناولت محاور؛ بينها العلاقة بين الأونروا واللاجئين الفلسطينيين، وإنهاء
المخيمات الفلسطينية، وقضية البحث عن العدالة للاجئين الفلسطينيين.
وقد شارك في المؤتمر شخصيات عديدة، بينها رئيس
البعثة الفلسطينية في لندن حسام زملط، ومديرة الأونروا السابقة كارين أبو زيد، ومديرة
الشؤون القانونية في الوكالة راشيل إيفرز، ورئيس المركز الأوروبي للدراسات
الفلسطينية في جامعة إكستر، البرفيسور إيلان بابي، والباحثة الفلسطينية غادة
الكرمي.
وقال مدير مركز العودة الفلسطيني، طارق حمود،
لـ"عربي21"، إن المؤتمر من خلال مناقشة قضية الأونروا "يسلط الضوء
على قضية اللاجئين الفلسطينيين"، مضيفا إن "الأونروا تمر في أزمة وجودية
أكثر منها مالية، فهي تعاني من أزمة مالية منذ تأسيسسها".
وأوضح أن هذا المؤتمر "مهم، لأنه يناقش قضيتين
أساسيتين: قضية الأونروا وقضية اللاجئين بما تمثله من حق العودة".
وقال السفير الفلسطيني في الجلسة الأولى للمؤتمر؛ إن "الحفاظ على الأونروا
واجب أخلاقي"، مشيرا إلى أن البيئة الدولية أصبحت "عدائية" حتى
بالنسبة للدور الإنساني الذي تقوم به الوكالة اليوم. وأشاد في المقابل؛ بمضاعفة
بعض الدول، مثل بريطانيا، دعمها للوكالة، بعد حجب الولايات المتحدة مشاركتها في
ميزانية الوكالة.
لكن زملط شدد على أن "حقوقنا ليست مرتبطة بالأونروا،
بل إن حقوقنا الوطنية والفردية محفوظة لأننا فلسطينيون ونحن فخورون لإبقاء ثقافتنا
وتراثنا حيين".
وأكد أن "الذي يمنع الحل (بين الفلسطينيين
والإسرائيليين) ليس إصرارنا على حقوقنا أو القانوني الدولي، بل إسرائيل التي تمنع
عودتنا".
وشبّه زملط مساعي الإدارة الأمريكية لإنهاء حق
العودة مقابل دفع تعويضات للاجئين؛ بأسلوب تاجر العقارات، "لكننا لسنا
للبيع". وانتقد في هذا السياق ورشة البحرين التي عُقدت بدعوة أمريكية، في
حزيران/ يونيو الماضي، للتأسيس للشق الاقتصادي للخطة الأمريكية التي تعرف باسم صفقة
القرن. ووصف زملط الورشة بـ"الأخطر" في هذا السياق.
وشدد زملط على أن ضمان حق العودة مرتبط بتطبيق حل
الدولتين، وقال إنهما "مطلبان لا يفترقان".
من جهتها، تحدثت كارين أبو زيد عن تجربتها عندما
كانت على رأس الوكالة، وخصوصا في مخيمات اللجوء في غزة، حيث يتحكم الاحتلال بكل
شيء، من حرية الحركة إلى ما يدخل من إمدادات غذائية ودوائية وتعليمية وغيرها.
وأكدت أبو زيد، التي تعمل حاليا بعثة الأمم المتحدة
الخاصة للتحقيق في سوريا، أن "اللاجئين الفلسطينيين حول العالم يريدون دولة
خاصة بهم، وهو حق قد حُرموا منه لعقود".
وفي سياق حديثها؛ أجابت أبو زيد عن سؤال قالت إنه
يوجه إليها باستمرار، وهو عن اسمها الأخير (أبو زيد)، قائلة إنه يعود لزوجها
السوداني.
من جانبها، رفضت مديرة الشؤون القانونية في الأونروا؛
القول بأن وجود الوكالة يعود لقضية اللاجئين، معتبرة أن "الحقيقية هي أن
وجودها بسبب غياب الحل السياسي".
ولفتت إيفرز إلى الظروف السيئة للاجئين الفلسطينيين،
مشيرة إلى أن بين نحو خمسة ملايين لاجئ مسجل لدى الوكالة؛ هناك نحو مليونين يعيشون
تحت خط الفقر، وبعضهم يواجه فقرا مدقعا.
وقالت إن الوكالة تسعى لوضع قضية اللاجئين ضمن
النظام العالم لحقوق الإنسان، لا سيما مع بروز معاناة جديدة أمامهم، مع تفجر أزمات
في البلدان التي يعيشون فيها، مثل سوريا ولبنان.
ونبهت إلى أن الوكالة تواجه أزمات مالية بسبب حجب
الدعم الأمريكي، محذرة من مستقبل أكثر مأساوية أمام اللاجئين الفلسطينيين. لكنها
أكدت في الوقت ذاته أن وجود الوكالة لا زال ضروريا "لأنها تعمل على الاستثمار
في الإنسان الفلسطيني، وصون كرامته وحقوقه".
وشددت إيفرز على أن حق العودة مكفول لجميع اللاجئين
بموجب قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وقال الخبير القانوني الكندي مايكل لينك، وهو محقق
خاص للأمم المتحدة في انتهاكات حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام
1967، إن "الحل الدائم (للقضية الفلسطينية) يجب أن يكون شاملا، بما في ذلك حق
العودة".
ولفت إلى أنه "سواء كان الحل بدولة واحدة أو
دولتين، وسواء كان بعودة اللاجئين أو بقائهم في الدول الحالية، أو الانتقال إلى
دولة ثالثة، فإن هذا يجب أن يكون برضى هؤلاء اللاجئين".
وأشار لينك إلى أن الأونروا تحولت لبنك للطعام، بدلا
من أن تتحمل إسرائيل مسؤولياتها بسبب احتلال الأراضي الفلسطينية، وكذلك المجتمع الدولي
لتخليه عن مسؤوليته في إيجاد حل سياسي.
من جهته، توقع أستاذ العلوم السياسية في جامعة
إكستر، مايكل دمبر، أن الوكالة لن تبقى كما هي، بانتظار تجديد التفويض من الجمعية
العامة عام 2022. وأشار إلى أن تخفيض الميزانية يضطرها لتقليص الخدمات، رغم إشارته
إلى أن قطع الدعم الأمريكي عن الوكالة قد يفسح المجال أمامها لوضع بناء جديد خاص
بها.
وأشار إلى أن الضغوط الإسرائيلية على السلطة
الفلسطينية قد تلقي بمزيد من الأعباء والخدمات على عاتق الأونروا. وقال إن
السيناريو الآخر أن يتم نقل خدمات لمؤسسات إسرائيلية، وخصوصا في الضفة الغربية، مع
إضعاف السلطة.
وقال إن التحديات ليست مالية، بل وجودية. وتحدث عن "استمرار
الصمت الدولي على انتهاك حقوق اللاجئين الفلسطينيين".
وفي إشارة أثارت ضجة في قاعة المؤتمر، ألمح دمبر إلى
أنه يضطر الفلسطينيون للمساومة حول استعادة ممتلكاتهم التي هجروها في فلسطين،
معتبرا أن طول الفترة الزمنية سيجعل المطالبة بها أمرا صعبا.
وألقى مدير مجموعة العمل لأجل فلسطينيي سوريا، أحمد
حسين، الضوء على معاناة اللاجئيين الفلسطينيين في سوريا، مشيرا إلى أنهم واجهوا
مختلف أنماط المعاناة، مثل القتل (نحو أربعة آلاف شخص) والاعتقال والتعذيب والموت
في السجون (1600 وفاة)، والموت نتيجة الحصار في مخيم اليرموك (حوالي 1600 حالة)،
إضافة إلى الدمار الكبير في المخيمات الفلسطينية في مختلف أنحاء سوريا. كما اضطر
عشرات الآلاف منهم للجوء لدول أخرى.
وفي الجلسة الأخيرة، تحدثت الباحثة الفلسطينية في
جامعة إكستر، غادة الكرمي، بأن "الأنروا ما كان يجب أن تكون بالأساس لولا
قبول الأمم المتحدة برفض إسرائيل عودة اللاجئين"، رغم قرار الجمعية العامة
عام 1948، والذي أنشئت بموجبه الأونروا.
وأوضحت أن تنفيذ حق العودة يلغي مشكلة اللاجئين،
وبالتالي ينهي الأونروا. لكن الكرمي طرحت حلا أثار أسئلة كثيرة ورفضا من عدد من الحاضرين
في القاعة، حيث أشارت إلى أن إسرائيل تحكم الفلسطينيين دون أن تمنحهم أي حقوق،
وبالتالي فقد طرحت فكرة أن يطالب الفلسطينيون في الأراضي الفلسطينية عام 1967 بأن
يصبحوا مواطنين إسرائيليين، وبالتالي يشاركون في الانتخابات والبرلمان، ويحصلون
على كامل حقوقهم بشكل متساو مع السكان اليهود، وهذا يضمن عودة اللاجئين إلى
أراضيهم، كما قالت.
واعترفت بأن هذا الحل سيواجه بالرفض، "لكنه
الحل الكفيل بالقضاء على الصهيونية"، كما قالت.
وشدد رئيس المركز الأوروبي للأبحاث الفلسطينية في
جامعة إكستر؛ على أن الفلسطينيين يواجه "نكبة (قالها بالعربية) جديدة"،
وذلك بمحاولة إزالة الصفة السياسية عن القضية الفلسطينية، وحصرها في الجانب
الاقتصادي أو الإنساني.
وأشار البروفيسور إيلان بابي إلى أن هذه هي الرسالة
من ورشة البحرين، حيث يتم الترويج بأنه يمكن حل القضية بضخ بعض المال، في ظل الضغط
الأمريكي، وفي ظل اختلال موازين القوة دوليا وإقليميا.
والبروفيسور بابي هو أكاديمي إسرائيلي يساري سابق في
جامعة حيفا، وكان قد أعلن دعمه لحملة مقاطعة إسرائيل، تعرض على إثرها لتهديدات
طالت أسرته أيضا، مع مطالبات بطرده من الجامعة، ما اضطره للمغادرة إلى بريطانيا
عام 2008. وله كتاب عن "التطهير العرقي في فلسطين".
وشدد بابي خلال المؤتمر؛ على أن القضية الفلسطينية
تتعلق بـ"الاستعمار الاستيطاني/ الإحلالي" (طرد السكان الأصليين وإحلال
آخرين مكانهم). وقال إن هذه المسألة تقلق كثيرين من اليهود حول العالم.
وقال إن إسرائيل ترفض حق العودة للفلسطينيين لأنها
"دولة عنصرية.. الصهيونية عنصرية".
وقال إن إسرائيل تسعى لإنهاء الأونروا في سياق
محاولتها لإنهاء قضية اللاجئين، لكنه استبعد أن يقبل اللاجئون الفلسطينيون بإلغاء
حق العودة. ونبه إلى ضرورة التمييز بين لاجئين يلجأون إلى دول أخرى بحثا عن حياة
أفضل، وآخرين موجودين لأنهم ينتظرون العودة إلى أراضيهم.
ورأت المحامية في القانون الدولي والمستشار السابقة
لدى الأونروا، ليلى هلال، أن عودة اللاجئين قضية معقدة؛ لأنها تتبعها أسئلة عدة،
مثل من سيعود وإلى أين سيعودون، وإثبات ملكية العقارات التي بات يشغلها آخرون
الآن.. إلخ.
واعتبرت أيضا أن تعقيد حق العودة يرتبط بـ"غياب
الإرادة السياسية في إسرائيل ولدى القيادة الفلسطينية بشأن إيجاد حل دائم، حيث
المسألة بالنسبة للقيادة الفلسطينية متعلقة بقضية السيادة" أولا. وأوضحت أنه
لا يمكن تنفيذ حق العودة دون مفاوضات للحل السياسي.
وتساءلت بأن "الفلسطينيين قد يرغبون بالعودة كمشروع
سياسي، لكن ماذا عن القدرة على العيش؟ فهم يريدون مستقبلا".
متطرفون إسرائيليون يعتدون على نائب عربي بالكنيست (شاهد)
خبير قانوني: الأبارتايد الإسرائيلي كفيل بعزل الاحتلال دوليا
الاحتلال يهدم منازل لأسرى فلسطينيين بالضفة الغربية (شاهد)