أثار استثناء مدينة القامشلي من تسيير الدوريات المشتركة التركية- الروسية،
وفق اتفاق سوتشي بشأن المناطق الحدودية والمنطقة الآمنة، تساؤلات حول الأسباب التي
استدعت ذلك.
وكانت تركيا وروسيا قد اتفقتا على تسيير دوريات مشتركة غرب وشرق منطقة
عملية "نبع السلام" بعمق 10 كم، باستثناء مدينة القامشلي، وذلك عقب
انتهاء مهلة الـ 150 ساعة، التي حددها الاتفاق لانسحاب قوات سوريا الديمقراطية
"قسد"، مع أسلحتها حتى عمق 30 كيلومترا، عن الحدود السورية التركية.
وعزا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، استثناء القامشلي من الاتفاق إلى وجود
قوات للنظام السوري وروسيا بداخلها، وقال في وقت سابق: "لا نرغب، ولا يرغبون
في رؤية احتمال حدوث مواجهة مع القوات التركية هناك".
من جانبه أعلن المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم كالن، أن الدوريات
المشتركة الروسية التركية، ستبدأ في الـ29 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، حيث سيتم
تنفيذ دوريات تركية روسية مشتركة على امتداد ما يتبقى من حدود كانت خاضعة لسيطرة
الوحدات الكردية، وبعمق 10 كيلومترات، باستثناء "القامشلي".
اقرأ أيضا: اتهامات لترامب بالتخلي عن الأكراد في تجمع أمام البيت الأبيض
القامشلي
في الجانب السوري، بمحاذاة مدينة نصيبين بولاية ماردين التركية، تقع مدينة
القامشلي، على بعد أقل من كيلو متر واحد عن الحدود، وتتبع المدينة إداريا إلى
محافظة الحسكة، ويقطنها خليط من القوميات السورية (الكرد، والعرب، والسريان،
والأرمن، والآراميين، والكلدان، والأشوريين).
ويتقاسم النظام السوري ووحدات الحماية الكردية التي تقود "قسد"
السيطرة على مدينة القامشلي، حيث احتفظ النظام بسيطرة على مربع أمني داخل المدينة،
يضم مطار القامشلي المدني/العسكري، وثكنات عسكرية، بينما تسيطر "قسد"
على جزء من مركز المدينة، والمناطق التابعة لها (تل حميس، عامودا، القحطانية).
ويعمل جزء كبير من سكان مدينة القامشلي المقدرة أعدادهم بنحو 90 ألف نسمة،
في قطاع الزراعة، والتجارة، والنفط في الحقول القريبة من المنطقة.
وخلال الثورة السورية، بقيت المدينة بمنأى عن الصراع، بعد أن تحولت إلى
مركز دائم للتنسيق بين النظام السوري، والقوات الكردية.
خصوصية دينية
المسؤول الإعلامي في منصة "INT" الإخبارية، جوان رمّو، قال إن "استثناء القامشلي من
دخول الدوريات التركية المشتركة مع روسيا، يعود أولا إلى تجنب روسيا وتركيا أي
احتكاك مباشر بين القوات التركية وقوات جيش النظام السوري"، معقبا بقوله:
"وهذا كان التفسير المُعلن".
واستدرك في حديثه لـ"عربي21"، "السبب الأبرز هو وجود مكونات
من الأقليات السورية، وتحديدا من المسيحيين، الذين شهدت أعدادهم تناقصا كبيرا منذ
اندلاع الثورة السورية".
وأضاف "روجت قسد عبر وسائل إعلامها، بأن الجيش الوطني السوري هم من
بقايا تنظيم الدولة، وهذا الأمر أثار مخاوف الأهالي من الأقليات، من عمليات
انتقامية"، على حد قوله.
إيران
من جانب آخر، أشار رمّو إلى تواجد مليشيات تابعة لإيران في القامشلي،
وتحديدا من "الحرس الثوري" و"حزب الله" في مطار القامشلي وفي
الفوج "154 قوات خاصة" (فوج طرطب) جنوب القامشلي.
وقال: "إيران لها ثقل واضح في القامشلي، وتحديدا في المطار الدولي،
وبالتالي تم تحييد القامشلي، لتجنب إثارة انتقادات إيران، ومحاولتها تعطيل
الاتفاق".
اقرأ أيضا: خريطة.. هذه بنود الاتفاق التركي الروسي على الأرض (شاهد)
وسبق وأن تحدثت تقارير إعلامية عن خلافات كبيرة بين النظام السوري وإيران
على النفوذ في مدينة القامشلي، موضحة أن "الحرس الثوري الإيراني عزز تواجده
في مدينة القامشلي محاولا التقليص من دور وتواجد قوات النظام السوري، وزيادة قبضته
على المدينة، لا سيما في المربع الأمني في المدينة".
وأكدت أن المربع الأمني الواقع تحت سيطرة النظام السوري في مدينة القامشلي،
شهد مرارا مشاحنات وخلافات عميقة عصفت بين ضباط من الحرس الثوري الإيراني وضباط من
المخابرات السورية.
محطة حيادية
المتحدث باسم "مجلس القبائل والعشائر السورية" مضر حماد الأسعد،
أشار إلى رغبة كل من تركيا وروسيا بالحفاظ على الاستقرار الحالي في مدينة
القامشلي، وخصوصا أن المدينة تحوي عددا جيدا من المشافي والمراكز الصحية.
وقال لـ"عربي21" تم التوافق على جعل القامشلي منطقة محايدة،
ومحطة استقرار، خصوصا أنها تشهد اكتظاظا سكانيا كبيرا.
وأَضاف الأسعد، أن "وجود مدينة كبيرة، مجهزة بكل المرافق اللازمة
لخدمة الأهالي، نبه تركيا وروسيا إلى ضرورة إبقاء وضعها على ما هو عليه، وذلك
لمصلحة الأهالي"، وفق تقديره.
منطقة عمل منظمات دولية
ووفق مصادر متنوعة، تتخذ غالبية المنظمات الناشطة في منطقة الجزيرة من
مدينة القامشلي مركزا لها، مع فروع لبعضها في مناطق أخرى. ومنذ العام 2013، حيث
وصل عدد المنظمات العاملة في القامشلي، إلى أكثر من 80 منظمة، في منتصف العام
2017.
وهذا ما أكده مصدر من القامشلي لـ"عربي21"، مضيفا أن "هناك
خشية لدى روسيا وتركيا من أن يؤثر تعكير الأجواء في مدينة القامشلي على عمل هذه
المنظمات، التي تسهم في خدمة الأهالي، وتوفر فرص العمل للمئات من أبناء
المنطقة".
حسابات اقتصادية (النفط)
من جانبه تساءل الباحث بالشأن الاقتصادي يونس الكريم، وهو من مدينة
القامشلي، حول ما إذا كان الاستثناء يخص مركز القامشلي، أم المدينة وريفها، مؤكدا
أن "هذا التفصيل لا زال مبهما، ويحتاج إلى تفسير".
وقال لـ"عربي21" إن "استثناء المدينة وريفها يعني بقاء آبار
النفط تحت سيطرة "قسد" التي تربطها بالنظام السوري تفاهمات تنص على
حماية الآبار مقابل الحصول على نسبة من الإنتاج".
وحول الآبار النفطية التي تقع في منطقة القامشلي، أوضح الكريم، أن المنطقة تعتبر
من المناطق الغنية بالنفط، حيث يقع بالقرب منها حقل تشرين، وحقل العودة، بمعدل
إنتاجي يصل لحوالي15 ألف برميل يوميا، لافتا إلى أن شركات صينية كانت تستثمر فيها
سابقا.
ورأى أن "الخلاف الأكبر هو على الحقول النفطية الكبيرة، أي حقول
السويدية والرميلان، في ناحية المالكية التابعة لمدينة القامشلي".
اقرأ أيضا: مقتل 3 مدنيين بالقامشلي السورية.. وتنظيم الدولة يتبنى (شاهد)
وأضاف الكريم: "لا زالت الولايات المتحدة متواجدة في تلك المنطقة، وحتى الآن
من غير الواضح ما إذا كانت واشنطن ستبقي على تواجدها بالقرب من آبار النفط، أم
ستنسحب، وتترك النفط لروسيا التي تضع نصب عينيها السيطرة على نفط القامشلي".
وتعني سيطرة روسيا والنظام على آبار النفط، فقدان "الإدارة
الذاتية" لورقة ضغط كبيرة، وخسارتها لمورد اقتصادي كبير، وفقا للباحث
الاقتصادي، والذي أضاف "قد تكتفي قيادات حزب "الاتحاد الديمقراطي"
بالمكاسب الشخصية التي حققتها، على حساب قضية الشعب الكردي في سوريا".
والاثنين، كان وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر، أكد أن بعض القوات
الأمريكية ستبقى في البلدات القريبة من حقول النفط شمال شرق سوريا، مضيفا أن
"القوات الأميركية في البلدات القريبة من حقول النفط ليست في مرحلة انسحاب
حاليا".
فيما قال الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، إنه أجرى محادثة مع قائد "قسد"،
مظلوم عبدي، أبلغه فيها أن الوقت قد حان ربما للكرد كي يتوجهوا للمنطقة التي توجد
بها حقول النفط.
وأضاف ترامب في تغريدة، الخميس، أنه استمتع بحديثه من الجنرال مظلوم، مؤكدا
أن الأخير "ثمن ما قامت به الولايات المتحدة"، لافتا في تغريدة أخرى إلى
أن بلاده "لن تسمح أبدا لتنظيم داعش في حالة تشكله مجددا أن يستولي على حقول
النفط تلك".