لم تمرّ 3 أسابيع، حتى عادت رئيسة اللجنة الفرعية لحقوق الإنسان في البرلمان الأوروبي، ماريا أرينا، لتصريحاتها المثيرة للجدل بخصوص الوضع في الجزائر، بعد أن ذكرت بأنها تستعد لاستقبال ممثلين عن الحراك الشعبي في الجزائر و"تتضامن مع الجزائريين الرافضين لتنظيم الانتخابات الرئاسية".
وكانت أول إطلالة لهذه السيدة، يوم اعتقال الناشط السياسي كريم طابو، في 13 أيلول/ سبتمبر الماضي، حيث نددت بقوة بذلك الإجراء، واستعملت لأول مرة مصطلح "السجناء السياسيين" الذي ترفضه السلطات الجزائرية، ودعت إلى الإفراج الفوري عن كل السجناء.
غير أن التصريح الأخير، ذهب بعيدا بحسب ردود الفعل المستنكرة لأحزاب السلطة والمعارضة، والتي أجمعت على رفض هذا "التدخل السافر" في الشأن الجزائري.
هذا الأمر دفع بالاتحاد الأوروبي لإصدار موقف رسمي، يُحاول استدراك الوضع، أوضح فيه أنه يأمل أن تستجيب الانتخابات الرئاسية لتطلعات الشعب الجزائري، مُذكّرا بأن قضايا الحقوق والحريات هي في صلب اتفاق الشراكة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي.
ومع أن الاتحاد الأوربي، لم يشر صراحة إلى أنه يدعم انتخابات 12 كانون الأول/ ديسمبر وتحدث بشكل عام، إلا أن هذا التصريح خفّف قليلا من حدة التوتر الذي تسببت فيه النائبة الأوروبية.
أسباب تاريخية
ولم يكد ينته هذا الجدل حتى تم إحياؤه من جديد، بعد ظهور برلمانية فرنسية وسط المتظاهرين في ولاية بجاية ذات الأغلبية الأمازيغية، ما طرح علامات استفهام كثيرة عن سبب حضورها.
اقرأ أيضا: توقيف نائبة رئيس حزب فرنسي بالجزائر بعد مشاركتها في الحراك
وفي تفسيره لهذا الرفض الجزائري للتعليقات الخارجية على الوضع في البلاد، قال سفيان مالوفي، مدير مركز لقياس الرأي والاستشارات، إن ذلك يعود لأسباب تاريخية.
وأوضح مالوفي في حديثه مع "عربي 21"، أن الرأي العام الجزائري لا يزال يشعر بأن فرنسا بلد مستعمر إلى يومنا هذا، وهو يعتقد بأن تدخلات البرلمان الأوروبي في الشأن الجزائري تتحرك بإيعاز فرنسي.
وأبرز المتحدث أن تجربة الجزائريين الأليمة مع الاستعمار الفرنسي، جعلتهم غيورين بشدة على السيادة الوطنية، ما يجعل أي تعليق على الوضع الداخلي للجزائر بمثابة تدخل في شأن بلادهم الخاص.
عودة الاهتمام
لكن اللافت بغض النظر عن حادثة البرلمانية الأوروبية، هو عودة الاهتمام بتفاصيل الوضع الداخلي في الجزائر، والذي يمكن ملاحظته من خلال تصريحات وزير الخارجية الفرنسي المتكررة والتحركات الكثيفة بالسفراء الأجانب خاصة الأوربيون منهم في الجزائر، من خلال زيارة مقرات الأحزاب ولقاء مسؤوليها.
وتُفسر لويزة آيت حمدوش، أستاذة العلوم السياسية بجامعة الجزائر، هذا الاهتمام بوجود مخاوف لدى شركاء الجزائر الأجانب، من الانزلاق نحو حالة عدم الاستقرار، لأن التهديدات اليوم أصبحت عابرة الحدود ولا تستطيع الدول خاصة المجاورة منها التصدي لها بسهولة.
وأبرزت آيت حمداوش في تصريحها لـ"عربي 21"، بأن هناك مخاوف خاصة بالحالة الجزائرية تعود لوجود درجة عالية من الضبابية والغموض في ما يحدث داخل العلبة السوداء (الدائرة الضيقة لاتخاذ القرار) التي أنتجت قرارات متناقضة منذ بداية الحراك الشعبي.
ومن بين عوامل القلق الخارجي، أضافت آيت حمدوش، هشاشة الوضع الاقتصادي المرتبط بالطابع الريعي للاقتصاد إضافة إلى الفساد الذي تفشى.
وفي قراءة الأجانب للوضع في الجزائر، شددت المتحدثة على أن المثال المصري يبرز دائما كنموذج لما ستؤول إليه الأوضاع في الجزائر، فالوضع المصري، حسبها، كشف أن الأزمة السياسية كانت تتطلب إصلاحا سياسيا عميقا وليس مجرد دعم تسيير آني للأزمة يقوم على دعم المؤسسة العسكرية.
الهجرة والإرهاب والاقتصاد
وسبق لتقارير إعلامية فرنسية، أن كشفت بأن أكثر ما يؤرق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون هو الوضع في الجزائر، لأن أي انزلاق سيكون له تأثير مباشر على فرنسا، وفق ما تم ذكره.
اقرأ أيضا: قايد صالح يتحدث عن "العملاء" ويؤكد على المسار الانتخابي
وأكثر ما تخشاه فرنسا ودول الحوض الجنوبي للمتوسط، هو ارتفاع موجات الهجرة غير الشرعية في حال تدهور الأوضاع في الجزائر، وهو ما يجعل أوروبا المتضرر الأول.
وبحكم الموقع الجغرافي والمساحة الكبيرة للجزائر، فإن انزلاق الأوضاع بها سيؤدي وفق هذه التقارير، إلى عودة خطر الهجمات الإرهابية التي تستهدف أوروبا.
وتعدّ الجزائر من أكثر الدول تعاونا مع أوروبا في المجال الاستخباراتي ضد التنظيمات الإرهابية الناشطة في منطقة الساحل، وقد سمح هذا التنسيق بتحقيق نتائج هامة على الأرض في مجال مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة.
غير أن ثمة جانبا اقتصاديا في المسألة، فالجزائر بالنسبة للاتحاد الأوروبي، أهم شركاء القارة الإفريقية الذي لا يجب خسارته، إذ بلغ التبادل التجاري بينهم في الربع الأول من سنة 2019 ما يزيد على 17 مليار دولار.
وتبحث فرنسا تحديدا عن الاحتفاظ بنفوذها الاقتصادي في البلاد، إذ تمتلك حوالي 600 مؤسسة ناشطة في الجزائر، مع وجود أكثر من 6000 مؤسسة تجري مبادلات تجارية مع الجزائر.
السلطة والرئاسيات بالجزائر.. هل انتهى زمن "المرشح الوحيد"؟
السعيد بوتفليقة.. هكذا قاده طموحه السياسي إلى السجن
استقطاب حاد بالجزائر بين الداعين للرئاسيات والرافضين لها