كان السعيد بوتفليقة متحكماً في جميع أجهزة الدولة الجزائرية من خلال شبكات الإدارة ورجال الأعمال وعدد معتبر من إطارات سلك القضاء، حتى استقالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة يوم 2 نيسان/ أبريل الماضي، وفق شهادات سياسيين.
وسيقضي السعيد بوتفليقة الشقيق الأصغر للرئيس الجزائري المستقيل عبد العزيز بوتفليقة، 15 سنة من عمره في السجن العسكري، وهو الذي كان "الحاكم الفعلي" للبلاد في السنوات الأخيرة، مستغلا علاقته العائلية مع الرئيس ومنصبه كمستشار خاص له.
صدور حكم للقضاء العسكري، في حق السعيد بوتفليقة، رفقة قائدي جهاز المخابرات سابقا، محمد مدين (الشهير بتوفيق) وعثمان (بشير) طرطاق إلى جانب رئيسة حزب العمال لويزة حنون، يشكل نهاية مأساوية، للرجل الذي رشحته دوائر من النظام لوراثة أخيه في الحكم.
وقضت المحكمة العسكرية فجر الأربعاء، بالسجن 15 عاماً بحق المتهمين الأربعة لإدانتهم بـ"التآمر على سلطة الجيش والدولة".
وحتى استقالة الرئيس بوتفليقة يوم 2 أبريل/نيسان الماضي، كان السعيد، متحكما في جميع أجهزة الدولة، من خلال شبكات الإدارة ورجال الأعمال وعدد معتبر من إطارات سلك القضاء، وفق شهادات سياسيين.
وقبل سقوط حكم بوتفليقة، كان يصعب التأكد من مدى صحة الأخبار التي تتحدث، عن "القوة الهائلة" ونفوذ الشقيق الأصغر للرئيس.
اقرأ أيضا: محاكمات الجزائر.. خبايا تنكشف ومحامون يتفاجؤون بالأحكام
وحرص المقربون من السعيد من قادة الأحزاب السياسية الموالية، على نفي أي دور له في الحكم، مؤكدين أن الرئيس بوتفليقة، متحكم في زمام الدولة رغم وضعه الصحي المتردي.
ولد السعيد بوتفليقة عام 1957، بمنطقة ندرومة بمحافظة تلمسان، الواقعة على الحدود الجزائرية المغربية (أقصى غرب البلاد)، أي قبل استقلال البلاد عن فرنسا بخمسة سنوات.
هو أصغر إخوته التسعة، سمح انتقال عائلته إلى العاصمة، بمزاولة التعليم الأساسي بالأبيار أحد أرقى أحياء المدينة.
واصل تعليمه العالي بفرنسا، التي حصل على شهادة الدكتوراه في الإعلام الآلي من إحدى جامعاتها.
عاد السعيد إلى الجزائر، ليكون أستاذا جامعيا بجامعة هواري بومدين بباب الزوار بالعاصمة، وعرف فيها بكونه نقابيا نشيطا في نقابة الأساتذة الجامعيين.
عندما تولى عبد العزيز بوتفليقة رئاسة البلاد سنة 1999، في خضم أزمة أمنية واقتصادية خانقة، ترك السعيد، مهنة التدريس في الجامعة، وأسندت له مديرية شبكة الإعلام الآلي برئاسة الجمهورية.
سنوات قليلة، ارتقى الرجل ليصبح "المستشار الخاص" للرئيس بموجب مرسوم رئاسي غير منشور في الجريدة الرسمية.
وكان ظهور السعيد بوتفليقة إلى جانب شقيقه الرئيس يقتصر على الزيارات الرسمية، إذ يتولى مهام تنظيمية.
ولم يظهر للرأي العام كرجل نافذ وقوي، إلا بعد تدهور الوضع الصحي للرئيس بشكل كبير منذ منتصف 2011 إلى غاية إصابته بنوبة شلل نصفي في 27 نيسان/أبريل 2013، أرغمته على الجلوس في كرسي متحرك.
رغم نجاحه في تمرير مشروع أخيه عبد العزيز لقيادة الدولة لولاية رابعة سنة 2014، وهو في حالة صحية حرجة منعته حتى من استكمال مراسيم أداء اليمين الدستورية، لم تقدر الأوساط السياسية والرأي العام الحجم الحقيقي لنفوذ السعيد بوتفليقة آنذاك.
ظل الاعتقاد السائد أن أحزاب المولاة والمنظمات الجماهيرية هي من ساندت الرئيس ليتولى قيادة البلاد لعهدة رابعة.
وأكدت تصريحات مسؤولين في الدولة وسياسيين، أنه ومنذ إصابة الرئيس بجلطة دماغية، تحول السعيد بوتفليقة إلى الرئيس الفعلي للبلاد، إذ تولى تنسيق شؤون الدولة مع كافة المؤسسات الحكومية السامية.
اقرأ أيضا: السجن 15 عاما لسعيد بوتفليقة ومسؤولين أمنيين بالجزائر
واستطاع السعيد نسج علاقات وطيدة مع رجال الأعمال وبالأخص منتدى رؤساء المؤسسات (أكبر تجمع لرجل الأعمال)، الذي تولى تمويل ودعم بوتفليقة في العهدة الرابعة.
في أغسطس 2017، ظهرت قوة السعيد بوتفليقة إلى العلن، حينما انحاز إلى رجال الأعمال وبالأخص رئيس منتدى رؤساء المؤسسات علي حداد (مسجون حاليا) في صراعهم مع رئيس الوزراء آنذاك عبد المجيد تبون.
وأظهرت صور من جنازة رئيس الوزراء الأسبق رضا مالك، كيف رمق السعيد بوتفليقة تبون بنظرات تهديد ووعيد وخَلَفَه علي حداد.
ولم تمض أيام قليلة حتى تمت إقالة تبون من منصب رئيس الوزراء وتعيين أحمد أويحيى خلفاً له.
تأكد الرأي العام يومها، أن السعيد مسيطر على مقاليد الحكم، وأنه الآمر الناهي، وترددت إشاعات قوية مفادها سيطرته على ختم رئيس الجمهورية الذي يتيح له إقالة من يشاء وتعويضه بمن يشاء.
أواخر 2018، ترددت أنباء واسعة عن إمكانية توريث حكم عبد العزيز لأخيه الأصغر، وتولت جمعيات التسويق لصورته كرجل إنجازات، مثلما فعلت جمعية رياضية تدعى "لاراديوز".
كان التصميم على ولاية خامسة، مشروعاً انتحارياً لنظام بوتفليقة، وانتحاراً سياسياً لأخيه الأصغر السعيد الذي تمسك بالسلطة إلى آخر رمق.
ومع بداية المسيرات السلمية في 22 فبراير/شباط الماضي، سقط حاجز الخوف لدى الجميع وبالأخص السياسيين، الذين صرحوا بأن "البلاد تحكمها قوى غير دستورية بقيادة شقيق الرئيس"، مثلما صرح القيادي في حزب التجمع الوطني الديمقراطي (موالاة) الصديق شهاب.
وقال الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني (الحاكم سابقا)، محمد جميعي، في تصريحات لقناة الشروق (خاصة) إن "السعيد بوتفليقة هو من كان يسير الحزب بالهاتف".
وتسارع انهيار السعيد، بعد صدامه مع المؤسسة العسكرية، التي انحازت للمطالب الشعبية بضرورة رحيل الرئيس عبد العزيز بوتفليقة.
ورفضت قيادة الجيش خارطة طريق السعيد وشقيقه الرئيس المتمثلة في تأجيل الانتخابات وعقد ندوة وطنية، وتطبيق حالة الطوارئ لمنع المسيرات الشعبية.
وأحبطت قيادة الأركان مخطط السعيد رفقة رئيس جهاز المخابرات سابقا محمد مدين (توفيق)، وكان يهدف إلى تنحية قائد الجيش أحمد قايد صالح، وتنصيب رئيس انتقالي للبلاد وحل البرلمان.
وحوكم الرجلان رفقة قائد المخابرات اللواء بشير طرطاق والأمينة العامة لحزب العمال لويزة حنون، بتهمة التآمر على "سلطتي الجيش والدولة"، وأدينوا بـ 15 سنة سجنا نافذا بعد أشهر من اعتقالهم في مايو/آيار الماضي والزج بهم في الحبس المؤقت.
إعلان هيئة الانتخابات بالجزائر.. هذه التحديات أمامها
خطوات متسارعة نحو الانتخابات الرئاسية تثير حفيظة الجزائريين
هل تلقى الدعوة الجديدة للانتخابات في الجزائر مصير سابقاتها؟