تبدو المناطق السورية الحدودية الواقعة إلى الشرق من نهر الفرات أمام فصل جديد مفتوح الاحتمالات، وذلك مع تأكيد تركيا أن تحركاتها في المنطقة باتت وشيكة.
وضمن أجواء التصعيد، أطلقت تركيا على
لسان وزير دفاعها، خلوصي أكار، تهديدا وصفه البعض بـ"التحول المهم"، قال
فيه إن "بلاده ستضطر لإنشاء منطقة آمنة في شمال شرقي سوريا بمفردها، حال عدم
التوصل لتفاهم مشترك مع الولايات المتحدة".
وأعقب ذلك تأكيد من "مجلس
الأمن القومي التركي" عزم تركيا بكامل قوتها على إقامة "ممر سلام بدلا
من الممر الإرهابي شمال سوريا"، على حد وصف بيان صدر الثلاثاء عن المجلس، في
إشارة إلى عملية وشيكة ضد وحدات الحماية الكردية، العمود الفقري لقوات سوريا
الديمقراطية "قسد".
وأمام هذه التطورات، تتبادر للأذهان
تساؤلات عدة أبرزها، هل ستقدم تركيا على التحرك دون موافقة الولايات المتحدة؟
وماذا تنتظر أنقرة للبدء فعليا بالتحرك؟
تركيا عازمة
الكاتب الصحفي التركي عبد الله
سليمان أوغلو، قال إنه "بحسب التصريحات التركية الأخيرة، تبدو أنقرة عازمة
على شن عمل عسكري، سواء كان بموافقة الولايات المتحدة التي ما زالت تتعنت، أو من دون
ذلك".
وأضاف سليمان أوغلو
لـ"عربي21": "في كل مرة تقترب فيها تركيا من الإعلان عن بدء
العملية العسكرية، تحاول الولايات المتحدة كبح هذه العملية وإيقافها، بإعطاء
تصريحات إيجابية حول تركيا أو بوعود تتملص منها فيما بعد، بإنشاء منطقة آمنة أو ما
شابه".
اقرأ أيضا: لهذا كثفت واشنطن دوريات على الحدود السورية التركية
لكن ووفق أوغلو، فإن التعزيزات
العسكرية التركية التي ما زالت تصل تباعا للمناطق الحدودية، تشي بأن تركيا لن
تلتفت إلى المواقف الأمريكية، حيث يبدو واضحا أن تركيا أدارت ظهرها للمحاذير
الأمريكية، وهي تبدو عازمة على التوغل لتأسيس منطقة آمنة بعمق ما زال محط خلاف، أو
لم يتفق عليه بشكل نهائي.
ويعني كل ذلك، بحسب أوغلو، أن الأيام
القليلة القادمة قد تشهد توافقا على البدء بإقامة المنطقة الآمنة، أو الإعلان
التركي المنفرد عن البدء بعمل عسكري.
مواقف جديدة
إلى ذلك، لفت الكاتب والباحث بالشأن
التركي، سعيد الحاج، إلى وجود مؤشرات كثيرة وقرائن عدة، تدلل على أن النبرة التركية
بخصوص عملية عسكرية في مناطق شرق الفرات السورية مختلفة هذه المرة عن التهديدات
السابقة، التي لم تتوقف تركيا عن التلويح بها، منذ إعلانها عن انتهاء عملية
"غصن الزيتون" في العام الماضي.
وفي مقال نشره على موقع "TRTعربي"،
واطلعت عليه "عربي21"، أشار الحاج إلى ثلاثة أمور جديدة في الموقف
التركي؛ الأول، التأكيد أكثر من مرة على استكمال الإعدادات للعملية العسكرية
المفترضة على صعيد الخطط والقوات واللوجستيات وغيرها.
والثاني، ارتفاع وتيرة التصريحات
الرسمية بخصوص العملية المفترضة بعد غيابها أو تراجعها لفترة، والثالث، إرسال
تعزيزات كبيرة إلى الحدود مع سوريا على مدى الأيام/ الأسابيع القليلة الماضية دون
ضجة إعلامية كبيرة، فضلا عن بعض الإجراءات الميدانية المتعلقة بالحدود مثل الجدار
المقام عليها.
ماذا تنتظر تركيا للبدء
ومجيبا على ذلك، اعتبر أستاذ العلوم
السياسية في جامعة "ماردين التركية"، وسام الدين العكلة، أن من أهم
الأسباب التي تستدعي التريث من الجانب التركي، المباحثات التركية- الأمريكية، حيث
تحاول أنقرة المضي إلى نهاية الخط من خلال الجهود الدبلوماسية.
وتابع العكلة في حديث
لـ"عربي21" بأن "الواضح أن سير المحادثات، وتحديدا العسكري المتعلق بالمنطقة
الآمنة، قد غرق تماما في التفاصيل (حجم المنطقة، القوة التي ستتولى إدارتها، مصير
الوحدات الكردية، مصير الأسلحة الثقيلة)".
ووفق العكلة، فإن كل تلك التفاصيل هي
المسؤولة عن عدم التوصل إلى اتفاق للآن.
ومهما كان الحال، فإن هناك إصرارا تركيا على المضي في التحرك، لإنهاء وجود القوات التي تعتبرها تركيا إرهابية على حدودها، ما يعني بحسب العكلة، أن تركيا في نهاية المطاف ستشن عملية عسكرية في حال رأت أن الموافقة الأمريكية على إنشاء منطقة "آمنة، أو عازلة"، ستطول.
اقرأ أيضا: تركيا تعلن مواصلة محادثاتها مع أمريكا بشأن المنطقة الآمنة
ومتفقا مع العكلة، اعتبر الباحث
بالشأن السوري التركي، فراس فحّام، أن تركيا تحاول تجنب الصدام المباشر مع
الولايات المتحدة.
وقال فحام لـ"عربي21"، إن
تركيا ما زالت تعول على التعهدات التي قطعها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عندما
طلب الأخير من أنقرة تأجيل عملياتها، إلى حين إقناع "قسد" بالاستعداد
لتطبيق حلول من شأنها حفظ الأمن القومي التركي.
وأضاف فحّام أن "الجهود
الأمريكية حتى الآن لم تكن مرضية لتركيا، وهذا ما عبرت عنه الأخيرة بشكل صريح،
حيث تحدثت مؤخرا عن عدم تلبية العروض الأمريكية لشرق الفرات لطموحات وتطلعات
ومطالبها المتعلقة بالأمن القومي".
ورأى أن "من شأن كل ذلك، أن
يعقد المشهد في الشمال السوري، ويجعل المنطقة مفتوحة على أكثر من سيناريو".
سيناريوهات "توغل محدود"
واستنادا إلى المشهد المعقد نتيجة
وجود أطراف دولية في الشمال السوري، بدا واضحا لمراقبين عسكريين أن التحركات
التركية ستكون على نطاق ضيق، وفي مناطق محددة.
وفي هذا الصدد، بدا الخبير العسكري
والاستراتيجي، العقيد عبد الأسعد، جازما بأن التحركات العسكرية التركية قادمة،
معتبرا في حديثه لـ"عربي21" أن عدم تحرك تركيا يفسح المجال أمام تطبيق
المخطط الدولي والإقليمي بإقامة كيان تديره الأحزاب الانفصالية، في شمال سوريا.
وذكر الأسعد أن "تركيا عازمة
على إجهاض هذا المخطط، رغم الدعم الأمريكي الغربي للوحدات الكردية".
اقرأ أيضا: أردوغان يهدد بشرق الفرات وببديل "أف35".. ويهاجم الاحتلال
وعلى وجه التحديد، لم يستبعد الأسعد
أن تقوم تركيا بتوغل عسكري مدروس الأبعاد في شمال سوريا، وذلك نتيجة وجود أطراف
دولية في الشمال السوري.
وعلى النسق نفسه، استبعد الكاتب سعيد
الحاج، أن تطلق تركيا عملية واسعة على غرار درع الفرات وغصن الزيتون، أي عملية
ممتدة زمنيا وجغرافيا، وبما يشمل توغلا بريا واسعا.
ورأى في مقال له أن "الأقرب هو
عمليات محدودة ومحسوبة في بعض البلدات الحدودية، مثل تل أبيض وعين العرب ورأس
العين وغيرها".
وأوضح أن "هذه المناطق ذات
أغلبية عربية لا كردية، وتُطلق من بعضها قذائف كل حين وآخر نحو الأراضي التركية،
وكان آخرها قبل أيام متسببة بإصابة أربعة مواطنين، بما يعني أن الغطاء السياسي والقانوني
متوفر من خلال مبدأَي الدفاع عن النفس ومكافحة الإرهاب".
عملية واسعة
أما الكاتب الصحفي التركي، عبد الله
سليمان أوغلو، فرأى أن لدى تركيا أهدافا كبيرة، قد لا يحققها التوغل المحدود.
وأوضح أن تركيا تريد إزاحة الوحدات
الكردية التابعة لحزب العمال الكردستاني عن كامل الشريط الحدودي، بمعنى ألّا
يكون هناك أي تواجد لمنظمات تشكل خطر دائم لتركيا انطلاقا من هذه الحدود.
وتابع أوغلو بأن تركيا تحاول تأمين
كامل مناطقها الحدودية من خطر الاستهداف من الجانب السوري، أو تسرب عناصر إرهابية
إلى أراضيها، وهذا الأمر يتطلب توغلا بريا وعملية واسعة، وليست محدودة بنقاط
معينة.
إلى جانب ذلك، تتطلع تركيا -وفق أوغلو- إلى إنشاء منطقة جغرافية كبيرة تضمن إعادة قسم من اللاجئين السوريين إليها، وهذا
الأمر يتطلب عملية واسعة، كما قال أوغلو.
لهذا كثفت واشنطن دوريات على الحدود السورية التركية
توافق أمريكي تركي حول "تحرير الشام" بسوريا.. إعادة تأهيل؟
هل تكبح أمريكا جماح "قسد" بمنبج السورية بالتوافق مع تركيا؟