فاز مرشح حزب الشعب الجمهوري، أكرم إمام أوغلو، يوم الأحد في جولة الإعادة، برئاسة بلدية إسطنبول الكبرى، وحصل على حوالي 54 في المئة من أصوات الناخبين، في مقابل حصول منافسه، مرشح حزب العدالة والتنمية، بن علي يلدريم، على ما يقارب 45 في المئة من الأصوات.
هذه النتائج انتصار نظيف لإمام أوغلو، بعد أن شابت فوزه السابق، في انتخابات 31 آذار/ مارس الماضي، تجاوزات وخروقات جعلته انتصارا مشبوها غير نظيف. كما أن نتائج جولة الإعادة هزيمة واضحة ليلدريم، تدل على أن حزب العدالة والتنمية فشل في إقناع سكان محافظة إسطنبول بأن مرشحه هو الأفضل لهم ولمدينتهم العريقة.
الانتخابات المحلية التي أجريت في إسطنبول، أظهرت أن المعارضة يمكن أن تفوز في الانتخابات الرئاسية القادمة، إن لم يكن في الجولة الأولى ففي الجولة الثانية، كما فازت برئاسة بلدية إسطنبول الكبرى؛ لأن التنافس في جولة الإعادة بمحافظة إسطنبول كان بين يلدريم وإمام أوغلو، كجولة ثانية جرت بين مرشحين فقط، واستطاع هذا الأخير في 23 حزيران/ يونيو أن يحصل على نسبة من الأصوات التي أدلى بها الناخبون في 31 مارس / آذار الماضي، للمرشحين الآخرين غير مرشح حزب العدالة والتنمية. وهذا ما أدِّى إلى اتساع الفارق بين أصوات يلدريم وإمام أوغلو.
الانتخابات المحلية التي أجريت في إسطنبول، أظهرت أن المعارضة يمكن أن تفوز في الانتخابات الرئاسية القادمة
التصريحات التي صدرت عن العواصم الأوروبية والمسؤولين الغربيين بعد إعلان النتائج؛ أشادت بديمقراطية
تركيا ونزاهة الانتخابات، كما أثبت فوز مرشح حزب الشعب الجمهوري زيف الدعاية المغرضة التي كانت تتهم رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان بالدكتاتورية.
لا ينبغي الاغترار والفرح بهذه الإشادة، لأنها مزيفة. ولو كان الفائز في انتخابات إسطنبول غير الذي تدعمه تلك الدول لسمعنا تصريحات تشكك في نزاهة الانتخابات والديمقراطية في تركيا. ولأن هؤلاء الغربيين كشفوا مرارا أنهم يريدون ديمقراطية تتوافق مع معاييرهم المزدوجة، وإن جاءت بمن يؤيدونه أشادوا بها، وإلا شككوا فيها، بل ورحبوا باغتصاب الإرادة الشعبية والانقلاب عليها، كما رأينا في مصر. هذا أولا، وثانيا، أننا لا نحتاج إلى إشادتهم لمعرفة متانة الديمقراطية في تركيا وتجديد ثقتنا بها.
نتائج الانتخابات المعادة التي أجريت الأحد في محافظة إسطنبول أكدت أن الناخبين لم يعودوا ينظرون إلى المشاريع والخدمات فحسب خلال تقييمهم للمرشحين. ولو كان الناخبون حددوا لون أصواتهم نظرا للإنجازات والوعود فقط، لفاز يلدريم برئاسة بلدية إسطنبول الكبرى. ولكن هناك دوافع أخرى تلعب دورا في تحديد ذاك اللون، مثل الأيديولوجية والقومية والطائفية والأوضاع الاقتصادية والمشاكل الاجتماعية، بالإضافة إلى الرغبة في التغيير ورؤية وجوه جديدة في المعترك السياسي.
نتائج الانتخابات المعادة التي أجريت الأحد في محافظة إسطنبول أكدت أن الناخبين لم يعودوا ينظرون إلى المشاريع والخدمات فحسب خلال تقييمهم للمرشحين
حزب العدالة والتنمية حاول في آخر لحظة أن يستميل الناخبين المؤيدين لحزب السعادة من خلال زيارة يلدريم لصحيفة "مللي غازيته" الناطقة باسم الحزب، إلا أن نتائج الانتخابات المعادة تشير إلى أن التصريحات التي أدلى بها يلدريم خلال الزيارة لتخفيف التوتر بين حزب العدالة والتنمية وحزب السعادة أخفقت في إذابة الجليد، ولم يصوِّت المؤيدون لحزب السعادة لصالح يلدريم.
النتائج تشير أيضا إلى أن نسبة من المؤيدين لرئيس الجمهورية السابق، عبد الله غول، ورئيس الوزراء الأسبق،
أحمد داود أوغلو، لم يصوتوا لمرشح حزب العدالة والتنمية. ومن المؤكد أن هذا الانحياز لمرشح حزب الشعب الجمهوري على حساب مرشح حزب العدالة والتنمية؛ ستكون له تداعيات وانعكاسات على مستقبل حزب العدالة والتنمية.
هذه الهزيمة لم تأت في يوم وليلة، بل هي ثمرة أسباب متراكمة، منها ما يعود إلى أخطاء حزب العدالة والتنمية، ومنها ما يعود إلى عوامل أخرى
هذه الهزيمة لم تأت في يوم وليلة، بل هي ثمرة أسباب متراكمة، منها ما يعود إلى أخطاء حزب العدالة والتنمية، ومنها ما يعود إلى عوامل أخرى. وعلى حزب العدالة والتنمية أن يقوم بمراجعة شاملة لفهم الرسائل التي بعثها الناخبون عبر صناديق الاقتراع.
أردوغان، في أول كلمته بعد هزيمة إسطنبول، أعرب عن احترامه لنتائج الانتخابات، وقام بتهنئة إمام أوغلو، مشددا على أن مفهومه السياسي
خال من إلقاء اللوم على الشعب، وأضاف قائلا: "لدينا القدرة على محاسبة أنفسنا، وتصحيح أخطائنا". وتدل هذه التصريحات على استعداد حزب العدالة والتنمية لتلقي رسائل الناخبين وتقبلها برحابة صدر، إلا أن التحدي الأكبر الذي سيواجهه أردوغان وقادة حزب العدالة والتنمية هو العمل بموجب تلك الرسائل.