حينما يأتي الفرج ويحصل أحد المعتقلين السياسيين في
مصر على قرار من
المحكمة بالإفراج عنه وبراءته من التهم الموجهة إليه، أو حتى إخلاء سبيله على ذمة
القضية، يفرح المعتقل وأقاربه، وينتظرون بفارغ الصبر خروجه من السجن ونيل حريته
بعد شهور طويلة، وربما سنوات قضاها بعيدا عنهم.
لكن رحلة المعتقل منذ سماع قرار إخلاء سبيله وحتى دخوله منزله وعودته
إلى أسرته ليست بالبساطة التي يتخيلها الكثيرون، بل غالبا ما تكون رحلة قاسية قد
تستغرق أياما أو أسابيع من المعاناة، والانتظار في قسم
الشرطة انتظارا
لموافقة
الأمن الوطني على إطلاق سراحه.
وتشهد أقسام الشرطة في مصر تكدسا هائلا، حيث يتم حشر عشرات المحتجزين
في زنزانة صغيرة، وغالبا ما يصبح النوم أو حتى الجلوس أمرا بالغ الصعوبة بسبب
الزحام الشديد، بحسب شهادات حصلت عليها "
عربي21" من معتقلين سابقين
وأقارب معتقلين ومحامين.
وتكون الغالبية العظمى من المحتجزين في الأقسام من المتهمين
الجنائيين الذين لا يتوقفون عن التدخين وتناول المخدرات والشجار فيما بينهم لفرض
السيطرة على الحجز، مستخدمين في ذلك الأسلحة البيضاء، ما يجعل البقاء معهم أمر "مأساويا".
"وضع غير قانوني"
وأوضح المحامي علي محمد، وهو اسم مستعار بناء على رغبته، أن المعمول
به في السجون والمحاكم المصرية عند حصول أي متهم على الإفراج أو إخلاء السبيل في
قضية ما، أنه لا يغادر المحكمة إلى بيته، بل يتم ترحيله إلى قسم الشرطة التابع له
لإنهاء إجراءات الإفراج، ومن بينها التحقق من أنه ليس مطلوبا على ذمة قضايا أخرى،
وفي حالة المعتقلين السياسيين يجب أن ينتظر المتهم ورود موافقة الأمن الوطني على
إخلاء سبيله، "وهنا تكمن المشكلة".
يضيف محمد لـ "
عربي21" أن هذه الخطوة "ليست قانونية"،
لافتا إلى أن المتهم قد يقبع في قسم الشرطة لفترات طويلة انتظارا لهذه الموافقة، التي تأتي عبر اتصال هاتفي من أحد ضباط الأمن الوطني لمأمور القسم، يخبره فيه
بإطلاق سراح أحد المعتقلين السياسيين، أو عبر الواتس آب حيث يرسل أحد الضباط أسماء
المتهمين المفرج عنهم لأحد الضباط بالقسم.
"وفي كثير من الحالات يتم ترحيل المتهمين من قسم الشرطة إلى أحد
مقرات الأمن الوطني لإعادة التحقيق معهم، قبل إعادتهم مجددا للقسم ومعهم قرار
بالإفراج عنهم أو إبقائهم قيد الانتظار لمدة غير محدودة"، وفق المحامي محمد.
"عشرة أيام من العذاب"
يقول المعتقل السابق أكرم حسين (اسم مستعار)، إنه قضى في أحد أقسام
الشرطة عشرة أيام انتظارا لموافقة الأمن الوطني على إخلاء سبيله، وكانت من أسوأ الأيام التي مرت عليه في حياته.
وأوضح أكرم لـ "
عربي21" أنه عندما نقل من سجن الأمن
المركزي بالجيزة إلى القسم التابع له مسكنه، وجد نفسه محشورا في زنزانة ضيقة يوجد
فيها أكثر من خمسين شخصا، حتى إنه لم يجد مكانا يكفي لوضع قدميه على الأرض، ما اضطره إلى
قضاء ليلة كاملة واقفا على قدم واحدة.
وتابع: "بعدها تعرفت على المتهم الجنائي المسيطر على الزنزانة،
وأعطيته نقودا حتى يوفر لي مساحة صغيرة تكفي لأن أجلس فيها فقط، ثم عرض علي أحد
أمناء الشرطة في القسم أن يأخذ مني 100 جنيه يوميا مقابل نقلي إلى زنزانة أخرى
مخصصة لكبار السن والمرضى، وليست مزدحمة تماما، وهناك كان الوضع أفضل نسبيا، وبقيت
هناك حتى جاء قرار الأمن الوطني وأطلق سراحي بعد 10 أيام من العذاب في القسم".
"
كابوس"
أما مصطفى بهاء الدين، فقال إن شقيق زوجته كان محبوسا على ذمة إحدى
القضايا الملفقة، وبعد أن حصل على إخلاء سبيل، تم نقله إلى القسم التابع له منذ ما
يزيد عن شهر، ولم يتم إطلاق سراحه حتى الآن بسبب رفض الأمن الوطني إخلاء سبيله.
وأضاف أن شقيق زوجته يتعرض لأوضاع بالغة السوء بسبب التكدس والمعاملة
السيئة، مشيرا إلى أن حالته النفسية والجسدية تدهورت بشدة بسبب حبسه مع الجنائيين
طوال هذه المدة الطويلة.
من جانبه قال أحمد عطالله،
وهو معتقل سابق تم إخلاء سبيله قبل نحو عام، ويخضع الآن للرقابة الشرطية، إن
الأسبوعين اللذين قضاهما في قسم الشرطة قبل ورود موافقة الأمن الوطني على إطلاق
سراحه، كانا بمنزلة كابوس بالنسبة له.
وأوضح عطالله لـ "
عربي21"، أنه لم ينقذه من سوء المعاملة
داخل الحجز سوى أحد جيرانه من تجار المخدرات، الذي تصادف حبسه معه في الزنزانة ذاتها،
وكانت له سطوة على باقي المحبوسين وأخبرهم أن "الشيخ أحمد ده تبعي"، حسب
وصفه، وبعدها تمكن من النوم لعدة ساعات يوميا وأداء الصلوات في وقتها، حتى غادر
القسم إلى بيته.
بدوره قال شعبان بسيوني (موظف)، إنه قضى في أحد الأقسام الشرطة ما
يقرب من شهرين انتظارا لإطلاق سراحه، وخلال هذه المدة تعرض للكثير من الابتزاز
المادي من أمناء الشرطة الذين كانوا يتقاضون منه أموالا مقابل أي خدمة بسيطة يقدمونها
له، مثل دخول الحمام أو الرد على استفسار قانوني أو السماح لأقاربه برؤيته أو إدخال الطعام له إلى الزنزانة.