في مرات عديدة، كانت السلطة الفلسطينية تلوّح بإمكانية إنهاء التزاماتها الموقعة مع "إسرائيل" وإعلان وضع حد لا رجعة عنه للتنسيق الأمني معها، ولكن في كل مرة كانت التهديدات تُتبع بشيء من الصمت على الأرض دون تطبيق فعلي.
ومؤخرا أعلن رئيس الوزراء الفلسطيني الجديد محمد اشتية عن استعداد حكومته لتطبيق قرارات المجلسيْن المركزي والوطني الفلسطينييْن وتحديد طبيعة العلاقة مع الاحتلال، وذلك بالتزامن مع تصريحات مماثلة لنائب رئيس حركة فتح محمود العالول حول إمكانية توجه السلطة نحو سحب اعترافها بالاحتلال ووقف التنسيق الأمني في ظل استمرار "الوضع الراهن" .
اجتهادات
وأيا كان هدف تلك التصريحات، سواء تهديدات، أم وعودا فعلية؛ فإنها قد تصطدم برزمة من الأمور التي تعيق تطبيق ذلك على أرض الواقع، حيث أن السلطة ومنذ تأسيسها عام 1993 ارتبطت فعليا مع الاحتلال في التزامات عدة، بينما يرى المراقبون بأن التطبيق العملي لهذه التهديدات تنقصه الجرأة.
ويرى حسن خريشة النائب الثاني لرئيس المجلس التشريعي الفلسطيني بأن الحكومة ليست الجهة التي تنفذ قرارات المجلس الوطني، بل الذي يجب أن يقوم بذلك هي اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية.
ويقول في تصريح لـ"عربي21": "من الممكن على أرض الواقع أن يطبق هذا القرار كرد على ممارسات الاحتلال ونية الإدارة الأمريكية تنفيذ ما يسمى بصفقة القرن، ولكن الأصل أن يكون ذلك بقرار من اللجنة باعتبار أنها الجهة التنفيذية، أما غير ذلك فهي مجرد اجتهادات من الدكتور محمد اشتية حيث أن الحكومة وُضعت فقط لتسيير الشأن الداخلي الفلسطيني".
اقرأ أيضا: حكومة اشتية: مستعدون لتنفيذ قرار "تحديد العلاقة مع إسرائيل"
وحول إمكانية أن يصدر هذا القرار عن اللجنة التنفيذية يؤكد خريشة بأن ذلك ممكن في أي وقت؛ "ولكنه يعتبر أنه من غير المعقول الحديث عن وقف التنسيق الأمني مثلا في ظل تصريحات وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي حول استعداد رئيس السلطة محمود عباس أن يجلس مع رئيس حكومة الاحتلال في أي مكان، وهو ما يعني عمليا العودة للمفاوضات دون شروط".
ويضيف: "خطاب الرئيس أمام وزراء الخارجية العرب مؤخرا يؤكد وجود علاقات أمنية بين السلطة والاحتلال ليست بصدد التخلي عنها الآن، أي أن كل التصريحات هذه ما زالت غير جدية ولا تعبر عن رغبة حقيقية في تحديد العلاقة مع الاحتلال".
ويشدد خريشة على ضرورة وضع خطة استراتيجية وطنية بهذا الشأن، لأن بعض قرارات المجلسين المركزي والوطني حتى الآن بانتظار التنفيذ، معربا عن اعتقاده بأن "أحداً لا يجرؤ على اتخاذ مثل هذا القرار".
اتفاقية أوسلو
ولا يغفل الكثير من المراقبين في حديثهم التحليلي لتصريحات رئيس الحكومة الفلسطينية، اتفاقية أوسلو التي وقعتها السلطة مع الاحتلال، حيث أنها ما تزال تشكل رابطاً في العلاقة بين الطرفين وإن لم يلتزم الأخير بواجباته فيها، كما أنها فرضت أمورا على أرض الواقع تحتاج إلى رزمة من التغييرات كي تُزال أشكالها.
ويرى المحلل السياسي الفلسطيني جهاد حرب بأن هذا الأمر -إعادة تحديد العلاقة مع الاحتلال- يحتاج لتفكيك العلاقة المرتبطة باتفاقية أوسلو الموقعة بين السلطة والاحتلال منذ عام 1993، وذلك لأن العلاقة معه تتمحور حول ثلاث قضايا رئيسية.
ويقول لـ"عربي21" بأن هذه القضايا هي الأمن والاقتصاد والقضايا المدنية؛ وهي ملفات مترابطة مع بعضها، مبينا بأنه إذا أراد الفلسطينيون التحلل مثلا من العلاقة الاقتصادية مع الاحتلال فعليهم التحلل من اتفاق أوسلو بمجمله حتى يتمكنوا من اتخاذ خطوات من هذا القبيل.
ويردف قائلا: "لا أعتقد أن السلطة لديها في الوقت الحالي القدرة أو الرغبة في اتخاذ إجراء مماثل في ظل وجود اتفاقية أوسلو".
اقرأ أيضا: عباس: سنتخذ قرارات مناسبة حول علاقتنا بأمريكا وإسرائيل
ويشير حرب إلى أن السلطة تحتاج إلى اتخاذ قرار بإنهاء اتفاقية أوسلو وهو الأمر الصعب، في ظل الظروف الحالية؛ حيث ارتبطت الحياة الفلسطينية بعلاقة مع الاحتلال الذي يسيطر على كافة أشكالها.
ويتابع: "أي تغيير في هذا الشأن يحتاج لمسار مختلف كليا عن مسار اتفاقية أوسلو وما نجم عنها من آليات عمل مشتركة واتفاقيات ثانوية".
وبين التهديد والوعيد من جهة، والواقع المرير والأفق المسدود من جهة أخرى؛ تبقى آمال الشعب الفلسطيني وتوقعاته تزحف متسارعة نحو حقيقة باتت متجذرة في ثقافته أكثر من أي وقت مضى، تسأل عنها صغيرهم وكبيرهم فترتسم الإجابة في ملامحهم حول آمالهم بالتخلص من الاحتلال وأشكاله.
"بمعاول القهر".. لماذا يهدم المقدسيون منازلهم بأيديهم؟
"أيهم وعمر وأحمد".. أطفال فلسطينيون يواجهون "المؤبد"
إضراب الأسرى يتواصل لليوم الثالث.. وجهود لتحقيق مطالبهم