بينما كانت حشود المتظاهرين، تغزو "غار حراك" وهو الاسم الثوري الذي أصبح يطلق على طريق النفق الجامعي في قلب العاصمة الجزائرية، مساء أمس الجمعة، انبعثت على غير العادة، قذائف قوية من الغازات المسيلة للدموع، أحدثت تدافعا كبيرا وهلعا كاد أن يؤدي إلى الكارثة.
يروي مروان الوناس الصحفي الجزائري الذي كان شاهدا على هذه الواقعة، في تصريح لـ"عربي21" بأن النفق في ذلك الوقت كان مكتظا بالشباب وكبار السن وحتى الأطفال ككل يوم جمعة، وكان الحضور يصنعون أجواء رائعة بالأغاني والأهازيج التي كان يعطيها رجع الصدى داخل النفق نغمة خاصة.
فجأة، يضيف الوناس: "تراءت لنا عند مدخل النفق من جهة شارع محمد الخامس، حركة غير عادية، ليبدأ بعدها التدافع ثم الصراخ، لكن الأخطر من ذلك كان دخول الغازات المسيلة للدموع بكثافة وعشوائية إلى داخل النفق، ما أدى إلى حالات إغماء وفوضى شديدة بسبب انعدام التهوية داخله".
ويتابع: "في تلك الأجواء المشحونة، كنت شاهدا على سقوط فتاة وتعرضها لكسر، ولإضاعة آخرين لهواتفهم ووثائقهم الشخصية".
وانتهت مسيرات أمس، بعد هذه الأحداث، بمشادات بين قوات الأمن والمتظاهرين، أدت إلى حرق سيارة للشرطة ووقوع إصابات في الجانبين، في حين ذكرت قوات الأمن أنها اعتقلت نحو 180 من "عناصر الشغب" على حد وصفها.
المعالجة الأمنية
ويعتقد الوناس الذي شهد كل مسيرات الحراك الشعبي منذ بدايتها في 22 شباط/ فبراير، أن الجمعة الأخيرة شهدت تحولا لافتا في المعالجة الأمنية للمسيرات.
ولا يشك المتحدث في أن "ثمة تعليمات من السلطات العليا تم توجيهها لقمع المظاهرات، كما لو أن السلطة تريد القول إنها لا تنوي تلبية مطالب الحراك الشعبي، وأنها تنظر إليه على أنه تهديد للأمن العام".
وسبق للناطق الرسمي باسم الحكومة الجزائرية حسن رابحي، أن فنّد وجود تعليمات بمنع للتظاهر في أيام الأسبوع، لكن الممارسات في الواقع تشير إلى عكس ذلك.
اقرأ أيضا: من هي الأطراف التي يتهمها قايد صالح بـزعزعة الاستقرار؟
وفي الواقع، أصبح هذا التحول في معاملة نشطاء الحراك ملموسا منذ السبت الماضي، حيث تعرض صحفيون للتوقيف في ساحة البريد المركزي، كما تم اعتقال نقابيين من أمام مقر الاتحاد العام للعمال الجزائريين.
وبدا واضحا، أمس، أن الجموع الهائلة التي تتدفق على العاصمة بات غير مرغوب فيها، إذ تم اعتراض سبيل كل الوافدين إليها عبر المداخل الغربية والشرقية والجنوبية، من خلال حواجز للدرك.
وأدّى هذا الوضع، إلى تذمر كبير في أوساط الوافدين إلى العاصمة، واندلعت في بعض الحواجز مشادّات كلامية مع أعوان الدرك، بعد أن أُجبر مواطنون إلى العودة أدراجهم.
وأوضح الأمين العام للرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، نور الدين بن يسعد، بأن منع المواطنين من الوصول إلى عاصمة بلادهم هو إجراء غير دستوري.
وقال في تصريح لـ"عربي 21" إن اعتراض حرية التنقل، ومحاولات إعاقة المظاهرات في الشوارع الرئيسية هو عمل مدان لن يؤدي إلا لتفاقم الوضع وتعقيده، مشيرا إلى أن الوضع يتطلب معالجة سياسية وليس أمنية.
تغير اللهجة الرسمية
ومن الواضح أن لهجة رئيس أركان الجيش، قد تغيرت في الأسبوع الماضي، من الإشادة بسلمية الحراك وتنظيمه المحكم، إلى التحذير من وجود محاولات لاختراقه وتوجيهه نحو العنف، وهو ما طرح تساؤلات عما إذا كان الغرض من ذلك تبرير قمع المتظاهرين أم التنبيه إلى خطر حقيقي.
وفور انتهاء مسيرات أمس، نشرت المديرية العامة للأمن الوطني معلومات خطيرة تفيد بـ"توقيف مجموعة إرهابية خلال الأسابيع الماضية، مدججة بالأسلحة والذخيرة، كانت تخطط للقيام بأعمال إجرامية ضد المواطنين، مستغلة الكثافة البشرية الناجمة عن التعبئة".
اقرأ أيضا: شرطة الجزائر تعلن إحباط مخطط "إرهابي" لتفجير المظاهرات
وذكرت أيضا أنه تم "تحديد هوية أجانب، تم توقيفهم والكشف عن مخططاتهم، ممن جاؤوا خصيصا لإذكاء التوترات ودفع الشباب للجوء إلى أنماط متطرفة في التعبير".
وقوبل هذا البيان بانقسام في مواقع التواصل بين مصدق لما ورد فيه وساخر من معلوماته. ودعا بعض رواد "فيسبوك" مديرية الأمن إلى تقديم صور وأدلة مادية حول ما نشرته.
وتشير مصادر من جهاز الشرطة لـ"عربي21" إلى أن الأعوان المكلفين بتأمين مسيرات يوم الجمعة، أصبحوا تحت ضغط نفسي رهيب أدى بالعديد منهم إلى طلب إعفائهم لأسباب صحية.
وأوضحت المصادر أن الكثير من أحداث العنف تعود أسبابها إلى حوادث معزولة بعد حدوث الاحتكاك بين شرطي يفقد أعصابه وبين مواطنين.
جلسة مرتقبة لبرلمان الجزائر ومخاوف من إعادة انتاج النظام
ربوح: هكذا استطاع بوتفليقة توريط بعض المعارضة الجزائرية
MEE: ما هي الخطوة المقبلة في احتجاجات الجزائر؟