تعددت مظاهر العنف في المجتمع التونسي، حتى أصبح الأمر يشغل الجميع. إذ لا يكاد يمر يوم أو أسبوع دون أن يستيقظ سكان هذه المنطقة على خبر اعتداء أو جريمة قتل بشعة، فهل هذه الظاهرة جديدة؟ وما هي دلالاتها؟ وهل بلغ الأمر درجة عالية من الخطورة؟
يعتبر العنف من أكثر الظواهر السوسيولوجية انتشارا في العالم، وهو من المواضيع الرئيسية التي تشغل الباحثين في اختصاصات متعددة، مثل علم الاجتماع وعلم النفس والعلوم السياسية. ففي أمريكا يحصل اعتداء في كل دقيقة، وقبل أيام تم قتل شاب تونسي في إحدى المدن الأمريكي على يد مراهق لا يتجاوز سنه 16 عاما. وعندما تسكن في أحد الفنادق بقلب نيويورك، تجد خلف الباب لائحة معلقة تتضمن جملة من التحذيرات والنصائح؛ من بينها إذا فكرت في الخروج لا تتجه نحو يمين الفندق أو يساره؛ بسبب وجود مكان خطير غير منصوح التوجه إليه بعد السابعة أو الثامنة مساء. كما يُطلب منك أن تغلق باب الغرفة بشكل جيد، وإذا ما استمعت إلى طرقات على بابك، فلا تفتح إلا بعد التأكد من هوية الطارق.
العنف من أكثر الظواهر السوسيولوجية انتشارا في العالم، وهو من المواضيع الرئيسية التي تشغل الباحثين في اختصاصات متعددة، مثل علم الاجتماع وعلم النفس والعلوم السياسية
يتبين من الأرقام أن ظاهرة العنف سابقة للثورة التي عاشتها تونس؛ لأن القمع يولد الخوف لدى السكان، ولكنه في الآن نفسه يراكم حالة الاحتقان لديهم، ويجعلهم مهيئين للانفجار عندما تصبح الدولة ضعيفة وغير قادرة على مواجهتهم في الأزمات. وهذا ما عرفه المجتمع التونسي بعد الثورة.. لقد ضعفت الدولة، ووجدت النخب الحاكمة الجديدة نفسها عاجزة عن معالجة المشاكل وغير قادرة على الوفاء بوعودها، فانتقلت بذلك المبادرة من السلطة إلى الأفراد والجماعات. وبما أن الديمقراطية مسار يتطلب الكثير من الوقت لإعادة بناء الوعي، فقد تفككت قليلا بعض البنى التقليدية التي كانت تحد من ظاهرة العنف الاجتماعي، مما سمع للبعض بأن يلجأوا إلى تبادل العنف في حالات التأزم وتراكم الخلافات. ولهذا، يلاحظ أن الوسط الريفي يتميز بدرجات عنف أقل مقارنة بالمناطق الحضرية التي تصل فيها نسبة العنف إلى 77 في المئة، وهو ما يثبت أن القيم والتماسك العائلي والتضامن الاجتماعي؛ لا تزال أعلى في الأرياف، مقارنة بالمدن الكبرى التي تعاني من الكثافة السكانية وتعدد الأحياء الساخنة، والخلط المجتمعي والنزعات الجهوية والتفكك التفكك الأسري.
ظاهرة العنف سابقة للثورة التي عاشتها تونس؛ لأن القمع يولد الخوف لدى السكان، ولكنه في الآن نفسه يراكم حالة الاحتقان لديهم، ويجعلهم مهيئين للانفجار عندما تصبح الدولة ضعيفة