ما زالت ردود الفعل متواصلة عن أسباب صمت قضاة مصر على التعديلات الدستورية المزمع الانتهاء منها خلال أقل من شهرين، بما ينهي على مبدأ استقلالية القضاء المصري، سواء من الناحية الإدارية، أو من حيث الموازنة الخاصة بهم.
وحسب تعبير الكاتب والروائي المصري علاء الأسواني، فإن قضاة مصر سوف يتحولون جميعا لموظفين عند رئيس نظام الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي، وسيتم القضاء تماما على مبدأ الفصل بين السلطات ومبدأ استقلال القضاء.
وأضاف الأسواني عبر صفحته على فيسبوك قائلا: "إن مصر ستكون أعجوبة بين الأمم، فعندما يرأس السيسي السلطتين التنفيذية والقضائية معا، سيكون معنى ذلك إما أن مصر ليست سوى أمة من جهلاء لا يعرفون معنى الفصل بين السلطات، وإما أن مصر تحولت من جمهورية لسلطنة يحكمها السلطان السيسي وفقا لمشيئته وهواه".
ويؤكد الأسواني أن النظام القضائي المصري بوضعه الحالي ليس مستقلا طبقا للمعايير الدولية، لأن إدارة التفتيش القضائي خاضعة لوزير العدل الذي يعينه الرئيس، ورغم ذلك كثيرا ما كان يخرج بعض القضاة الشرفاء عن النص، ويصدرون أحكاما ضد إرادة الديكتاتور، مثل أحكام مصرية جزيرتي تيران وصنافير.
ما عبر عنه الأسواني ترجمته التعديلات الدستورية التي يتم مناقشتها الآن داخل البرلمان المصري قبل طرحها للاستفتاء في نيسان/ أبريل المقبل، والتي تمنح السيسي حق تعيين رؤساء الهيئات القضائية، والنائب العام، ورئيس المحكمة الدستورية، وتشكيل مجلس أعلى للهيئات القضائية برئاسته أو من ينيبه.
اقرأ أيضا: نيويورك تايمز: هل يفهم المصريون التعديلات الدستورية؟
سيطرة قديمة
وحسب وصف الخبير الدستوري أحمد الكومي لـ"عربي21"، فإنه بالرغم من أن التعديلات تمثل تغييرا جوهريا في الفلسفة التي قامت عليها الدساتير المصرية منذ دستور 1923، بالفصل بين سلطات الدولة الثلاث (التنفيذية والتشريعية والقضائية)، إلا أن النظام المصري سيطر عليها بعدة إجراءات، كانت سببا في الصمت المخزي لقضاة مصر.
ويضيف الكومي أن نظام مبارك جعل القضاة أحد أركان الدولة العميقة، عندما تعامل معهم بسياسة العصا والجزرة، ولذلك اهتم أن تكون مكونات قطاع القضاة تحت سيطرته الدائمة، بالتوسع في تعيين ضباط الشرطة بالهيئات القضائية، خاصة الذين عملوا بأمن الدولة، حتى يستطيع أن يتحكم في مفاصل العدالة.
ويشير الكومي إلى أن الخطوة الثانية كانت بغض الطرف عن توريث القضاء، والذي جعل الحصول على فرصة للعمل بهذا القطاع من غير الفئتين السابقتين أمرا في غاية الصعوبة، إن لم يكن مستحيلا، خاصة أن هذه التوليفة كانت تمثل ما لا يقل عن 90% من قوام السلك القضائي، بما فيها النيابة العامة.
وحسب توصيف الخبير الدستوري، فإن هذا القوام كان سببا في تحدي القضاة للرئيس محمد مرسي عندما عزل النائب العام عبد المجيد محمود، وعين بدلا منه المستشار طلعت عبد الله، وكذلك تحديهم لمرسي عندما قرر إعادة العمل لبرلمان الثورة الذي قامت المحكمة الدستورية بحله.
ويوضح الكومي أن المجموعة "النشاز" التي خرجت عن هذه المنظومة الفاسدة تمثلت في قضاة تيار الاستقلال، الذين كانوا في طليعة الذين تخلص منهم السيسي بالأيام الأولى لانقلابه، وبالتالي فإن عموم القضاة هم أبناء للنظام الحاكم وجزء من فساده، ومكون أساسي بدولته العميقة، ولأن شعارهم الأساسي هو "عض قلبي ولا تعض رغيفي"، فإن توقع أي رد فعل منهم ضد التعديلات مستحيل.
تنمر ضد للثورة
ويتفق الباحث السياسي أسامة أمجد مع الرأي السابق، مضيفا لـ"عربي21" أن الخلاف الذي دار قبل سنوات بين قضاة تيار الاستقلال وقضاة النظام كان بسبب الرشوة المقننة التي كان يقدمها نظام مبارك كل فترة للقضاة، بمد سن بلوغهم للمعاش، والموافقة على استمرار ندبهم كمستشارين في الهيئات والوزارات، وهو التوجه ذاته الذي سار عليه السيسي بعد ذلك ولكن بطريقته الخاصة.
ووفقا للباحث السياسي، فإن ملف القضاة من أهم الملفات التي طالب ثوار 25 يناير فتحها، وكان شعار "تطهير القضاء" أحد البنود العشرة التي اتفق عليها الثوار كدستور لهم في ميدان التحرير، وكانت عنوانا كذلك لإحدى المليونيات الأولى التي أعقبت رحيل مبارك، وهو ما أزعج القضاة، وجعلهم متنمرين ضد أي نظام جديد يمكن أن يُفعّل هذا الشعار بشكل حقيقي، ولذلك فإن تأييدهم للانقلاب العسكري، ودعمهم بعد ذلك للسيسي، كان أحد أسبابه بأن يظل ملف التطهير مغلقا.
ويري "أمجد" أن السيسي فاق مبارك عندما استطاع توريط السلطة القضائية كشريك في جرائمه ضد معارضيه، مستخدما سلاح ملفاتهم القذرة والسيئة، كوسيلة ضغط عليهم، إذا ما أرادوا أن يسيروا في عكس اتجاهه السياسي، وهو ما يبرر موافقتهم على عسكرة القضاء، عندما سمحوا بأن يشاركهم القضاء العسكري في محاكمة المدنيين أيا كان مسمي ذلك.
ويضيف أمجد أن القضاة تخلوا أيضا عن استقلالهم عندما وافقوا عن طيب خاطر بأن يكونوا "سكرتارية" تأتيها أحكام الإعدامات والمؤبدات من مكتب السيسي مباشرة، ليقوموا هم فقط بمنحها صك الشرعية والقانونية.
هل نجح الجيش المصري بسيناء بعد عام من عمليته العسكرية؟
هل الخيار الأوحد لمصر هو الثورة.. وهل لا ثورة دون الإخوان؟
نظام السيسي يحظر تداول "تعديلات الدستور" إعلاميا لإشعار آخر