ثلاثةَ عشرَ مطلباً أو شرطاً، كانت دول
الحصار قد ألقتها على طاولة دولة
قطر لتنفيذها، من أجل أن تعود الأمور إلى نِصابها الأول. ومن بين جملة الشروط هذه، شرطٌ فيه نبرةٌ ساديّةٌ متسلّطة، فأمام دولة قطر عشرة أيام لتنفيذ
مطالب دول الحصار، وإلّا سوف تجد نفسها على قارعة الطريق، خارج الحضن
الخليجي، وبالتالي لا بد من الانصياع لهذه القرارات..
ولو اطلعنا على تلك الشروط لوجدنا أنّ من بينها شروطاً سياسية، كخفض مستوى التمثيل الدبلوماسي مع إيران،
وشروطاً اقتصادية، كالشرط القائل بعدم إقامة أية عمليات نشاط تجاري مع إيران، وشروطاً عسكرية، كعدم إنشاء قواعد عسكرية تركية في أراضي قطر، حتى الإعلام طالته يد السادية آنذاك، إذ طُلِب من قطر إغلاق قناة الجزيرة، وقنوات ومواقع أخرى، مثل "
عربي21" والعربي الجديد.. الخ.
وحين تقع الدولة بين فكي كماشة، فإنها تكون في موضع لا تُحسَد عليه، فالوقت أمام قطر كان قصيراً، ولا يوجد هناك مهل كافية لإعادة ترتيب الأوراق، وبالتالي فإنّ المُتتبّعين لعالم السياسة آنذاك، ترقبوا رخاوةً قطرية أو مستقبلاً محفوفاً بالمخاطر على كافة المستويات والأطر..
واليوم
وبعد مرور أكثر من سنة ونصف على الأزمة الخليجية، وهي مدة كافية لكشف ملابسات الحوادث السياسية، نجد أنّ قطر تمكنت من الخروج خارج نطاق فكّي الكماشة، لتخوض تجربة بلادها وحيدةً وخارج الحضن الخليجي، وبإنجازات جيدة قياساً مع إنجازات دولة قليلة الجغرافية محاصرة من قبل ثلاث دول جارة، ودولة رابعة جارة في كل شيء إلا في الحدود. فالشروط المطروحة لم تُلَبَّ، بل ربما لم يُلَبّ واحدٌ منها، بل وربما أيضاً لم يُنصَت إليها..
فالعلاقات الخارجية التي طُلِبَ من قطر أن تقطعها أو تحدّ منها ما تزال على أشدّها هناك، وحجم التبادل التجاري المطلوب من قطر إلغاؤه فوراً هو في نشاطٍ متزايد. فقد قال مساعد رئيس الموانئ الإيرانية هادي حق شناس أنّ قطر بإمكانها الاستفادة من ميناء بوشهر لتصدير واستيراد البضائع، وأنه يتم نقل جزء من الإنتاج الزراعي من ميناء بوشهر إلى ميناء حمد القطري، مشيراً إلى إمكانية نقل البضائع العابرة من تركيا والدول المجاورة إلى موانئ قطر باستخدام خطوط الشحن المناسبة من ميناء بوشهر..
وفي ما يتعلق بإنشاء القاعدة العسكرية التركية في قطر، فقد وصلت طلائع القوات التركية إلى قطر في أول حضور عسكري تركي في الشرق الأوسط، وسط استياءٍ كبير من قبل دول الخليج التي قاطعت قطر، وفي مقدمتها المملكة العربية
السعودية التي تقود هذا الحصار. وقد قُدّر عدد العسكريين الأتراك المتواجدين فيها بحوالي ثلاثة آلاف جندي، وقد يصل العدد إلى خمسة آلاف وفق الاتفاق المبرم بين الجانبين. ومهمة هؤلاء ليست فقط الحضور والتأسيس، بل تدريب القوات القطرية، وقد يتطور هذا الاتفاق ليشمل السفن والمقاتلات الحربية في القاعدة، أو تحويل القاعدة إلى مركز دعم لوجيستي بحرياً وجويّاً، وبالتالي فإننا يمكننا القول أنّ الرياض وأبو ظبي كانتا تسعيان إلى إنهاء الوجود التركي في قطر، وتطالبان بعدم إنشاء هذه القاعدة، فإذا بالحضور التركي هناك يتواجد فوق توقعاتهم، وبدون أيّ اكتراث قطري بورقة المطالب، والاكتفاء من قبل دولة قطر بالتعبير عن استعدادها للجلوس على طاولة الحوار مع الأشقاء في الخليج لإنهاء الأزمة، والترحيب بأي وافد يقصد إنهاء الخلاف..
وأمام الشروط الإعلامية المتعلقة بإغلاق قناة الجزيرة، فقد تجاوزتها قطر واعتبرتها خطاً أحمر لا يمكن حتى التفكير به لأنه تدخل سافر في الشؤون القطرية الداخلية. فقناة الجزيرة ما تزال عاملة، ومراسلوها موجودون في الميدان، ولم يُغلَق أي مكتب لها خارج دول الحصار، وتمكن العاملون فيها من تجاوز المحنة..
وفي منطق السياسة، هناك من يعتقد أنّ أي دولة تتعرض للحصار فإنّ نشاطها السياسي يتقلص إقليمياً، حتى مسؤولوها يحدّون من زياراتهم الخارجية، وهذا ما هو مألوف على مر الأزمات السياسية، لكنّ هذا الأمر لم يكن مرئيّاً ولا ملموساً في الأزمة الخليجية، بل انقلبت الأمور على أعقابها هناك، فخصوم المملكة العربية السعودية في ازديادٍ مستمر، حتى حلفاؤها السابقون توترت علاقاتهم معها، ولعل في أزمتها الأخيرة مع المغرب خيرَ دليلٍ على صحة هذا القول، أضف إلى ذلك خسارتها الجزئية لحليفها التركي الذي كان من أكبر الحلفاء في المنطقة، وخسارتها أيضاً للشعبية الجماهيرية في الوطن العربي بعد ضلوعها في مشروع التطبيع العربي مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، في حين نجد أنّ قطر ما تزال في نفق العلاقات الطيبة مع حلفائها في المنطقة، بغض النظر عن بعض الترهلات هنا وهناك، لكن على العموم تبقى المواقف القطرية حتى اللحظة ثابتة دون أي تغيير جوهري، وهذا الأمر واضح في كافة أزمات المنطقة، كما أنّ أمير قطر يجري زياراته الخارجية على أوسع نطاق وكأنّ شيئاً لم يكن..
وفي خضمّ هذه الأزمة تبرز للعلن مواقف إيجابية توحي بوجود بوادر لإنهاء هذا الخلاف، في حين نرى بعض المسؤولين هناك يحاولون إعادة الخلاف إلى أَوْجِهِ الأول من خلال تغريدةٍ هنا وتغريدةٍ هناك، وبالرغم من مرور هذه الفترة المديدة على حصار قطر، إلا أنها ما تزال تحتفظ بميزة ليست بالقليلة لا سيّما أنها على مستوى العالم لا على مستوىً ضيّق. وهذه الميزة كانت التوقعات تشي بأنها ربما تتضعضع بفعل الحصار، إلا أنها ما تزال محافظة على وجودها رغم ضراوة الحصار، وهي أنّ المواطن القطري هو صاحب الدخل الأعلى في هذا الكوكب..
فماذا بَقِيَ من حصار قطر؟!