أوضاع مأساوية للمعتقلات بمصر والضغط الغربي الأمل الأخير

تعاني النساء والفتيات المعتقلات في السجون المصرية أوضاعا مأساوية وانتهاكات خطيرة، حسبما تؤكد تقارير حقوقية دولية ومحلية.

وفي هذا السياق، أوضح تقرير حقوقي صدر الجمعة الماضية عن المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، ومقره مدينة جنيف السويسرية، أن أعداد النساء المعتقلات في مصر بسبب توجهاتهن السياسية المعارضة لنظام عبد الفتاح السيسي بلغ 64 معتقلة، فيما لا تزال 5 سيدات أخريات قيد الإخفاء القسري.

وأكد المرصد أن هؤلاء المعتقلات يتعرضن لانتهاكات خطيرة داخل أماكن الاحتجاز التابعة للأجهزة الأمنية، مشيرا إلى أن غياب مبدأ المحاسبة وانتشار ثقافة الإفلات من العقاب يمنح القائمين على إدارة تلك الأماكن فرصة لارتكاب المخالفات بحرية، ويزيد من معدل الانتهاكات.

واستعرض التقرير الذي جاء تحت عنوان "اقتلوا فيها الأمل مرتين!"، أوضاع النساء المعتقلات وما يتعرضن له من سوء معاملة وخضوعهن لإجراءات أمنية مكثفة، مثل التفتيش الذاتي، بالإضافة إلى التعذيب والعنف، وسوء التغذية، وغياب الرعاية الصحية والنفسية، والتعنت في حقوق الزيارة.

"أخطر من أي وقت مضى"

وفي سياق متصل، قالت منظمة العفو الدولية، الخميس الماضي، إن وضع المعارضين داخل مصر الآن أصبح أخطر من أي وقت مضى في التاريخ الحديث للبلاد، مشيرة إلى أن السلطات المصرية تكثف من قمعها لكل من يعارضها بطريقة سلمية، حتى باتت البلاد في ظل إدارة عبد الفتاح السيسي أشبه بالسجن الكبير للمعارضين.

وخلال زيارته للقاهرة هذا الأسبوع، انتقد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أوضاع حقوق الإنسان في مصر، مؤكدا أنها في وضع أسوأ مما كانت عليه في عهد الرئيس السابق حسني مبارك، الذي أطاحت به ثورة كانون الثاني/ يناير 2011.

وأضاف ماكرون، في تصريحات صحفية: "لا أفهم كيف يمكنك التظاهر بضمان الاستقرار على المدى الطويل في هذا البلد الذي كان في قلب انتفاضات الربيع العربي وتذوق طعم الحرية، وتتصور أن بإمكانك الاستمرار في التشديد بما يتجاوز المقبول أو المبرر لأسباب أمنية"، متابعا: "أعتقد أن ذلك أمر متناقض ويضر مصر نفسها".

من جهتها، طالبت حركة "نساء ضد الانقلاب" بإنقاذ المرأة المصرية من جرائم النظام، مشيرة إلى أن "ما تتعرض له فتيات ونساء مصر من قتل واعتقال وانتهاكات طوال السنوات الماضية يجعل المرأة المصرية تعيش أسوأ فتراتها".

وقالت الحركة، في بيان لها الاثنين الماضي، إن "عدد المعتقلات في السجون المصرية ارتفع خلال عام 2018 ليصل إلى 70 معتقلة، بخلاف من تم إخلاء سبيلهن في وقت سابق"، مؤكدة أن "المعتقلات يعانين من أوضاع صعبة، من بينها الإهمال الطبي المتعمد وغياب مقومات الحياة الآدمية داخل المعتقل".

"لا سقف للقمع"

وقال الباحث الحقوقي أحمد الإمام إن "الانتهاكات الحقوقية تطال الجميع في مصر، ولم يعد النظام يفرق بين الرجال والنساء، كما كان يحدث قبل ثورة يناير 2011 حينما كانت الأنظمة المتعاقبة تحترم النساء ولا تعتدي عليهن أو تعتقلهن إلا في حالات نادرة تعد على أصابع اليد الواحدة، لكن السيسي خالف هذه القاعدة المستقرة منذ عقود طويلة".

وأضاف الإمام، في تصريحات لـ"عربي21"، أن "نظام السيسي منذ اليوم الأول وهو يتجاوز كل الخطوط الحمراء، ولا يعترف بسقف للقمع الذي بدأه بأكبر مجزرة مصرية في العصر الحديث، حينما قتل وأصاب الآلاف بدم بارد في اعتصام رابعة العدوية، منذ ذلك اليوم وهو يعتقل ويعذب عشرات الآلاف من الرجال والنساء دون خوف من محاسبة أو عقاب".

وتابع: "السيسي كان واضحا منذ البداية، وأرسل رسالة واضحة مفادها أنه لا أحد في مأمن عن القمع، وأن أجهزته الأمنية لن تراعي أي اعتبارات إنسانية أو اجتماعية، فالانتهاكات تطال الجميع دون استثناء".

"الضغط الغربي ينجح أحيانا"

من جانبه، قال الصحفي المتخصص في مجال حقوق الإنسان، خالد حماد، إنه "على الرغم من أن السيسي اشترى صمت الحكومات الغربية بالصفقات التجارية الضخمة أو بالتعهد بحفظ مصالحهم في المنطقة، إلا أن التحدث باستمرار عن قمع النظام وفظائعه يحرج الحكومات الغربية أمام شعوبها وأمام وسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني، والتي تجبرها على الضغط على السيسي للإفراج عن بعض المعتقلين أو تخفيف معاناتهم".

وأوضح حماد لـ"عربي21" أن "الوسيلة الوحيدة المتاحة أمام المدافعين عن حقوق الإنسان في مصر هي نشر انتهاكات النظام، وفضحه في وسائل الإعلام والمحافل الدولية؛ بهدف وضع مزيد من الضغط على السيسي وحكومته لتحسين هذا الملف"، وضرب مثلا بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي غير موقفه من القمع في مصر تحت تأثير الانتقادات الإعلامية والمنظمات الحقوقية، فبعد أن قال للسيسي أثناء زيارته لباريس العام الماضي "إنه لن يعطي دروسا للحكومة المصرية في أهمية مراعاة حقوق الإنسان"، عاد بنفسه هذا الأسبوع ووجه انتقادات حادة للنظام المصري من قلب القاهرة، وطالبه بالإفراج عن المعتقلين السياسيين، والسماح بحرية التعبير، واجتمع بعشرات الحقوقيين والصحفيين ليسمع آراءهم في الأوضاع الحقوقية بالبلاد".

وأشار إلى أن "الضغط الدولي هو الذي يؤثر على السيسي"، مشيرا إلى "وجود العديد من الحالات التي أثبتت هذا الواقع، من بينها إجبار النظام على تغيير قانون منظمات المجتمع المدني أو الإفراج عن بعض المعتقلين مثل محمد سلطان وآية حجازي وغيرهما"، متوقعا أن "تسفر زيارة ماكرون وضغوطه الأخيرة عن الإفراج عن بعض المعتقلين الذين تحدث عنهم مع المسؤولين المصريين في الغرف المغلقة".

اقرأ أيضا: ماكرون من القاهرة: حقوق الإنسان في مصر أسوأ من عهد مبارك