عندما طلبت من الدكتور علاء الأسواني، أن يدلني على أحد من الإخوان ممن يعرف منهم شمت في سجن الناشط "أحمد دومة"، لم يذكر أحداً، ولعله فوجئ بالطلب الذي كان تعليقاً على منشور له هاجم فيه الإخوان لأنهم شمتوا في سجن الناشط المذكور. فدائما تحمّل التعليقات السلبية المسكونة بالشماتة على الإخوان، ليصبح اتهامهم بديهياً، دون أن يقف أحد ليسأل: هل هم من الإخوان حقا؟!
كثير ما يهاجمنا هؤلاء، فنقول أيضاً هم الإخوان الذين يكفرون العشير، لكن عندما يذهب الغضب، نقف على أنهم ليسوا أكثر من ذباب إلكتروني منتشر، ومن نعرف منهم ليسوا من الإخوان، وإن ادعوا وصلا بقضية الشرعية، فهل هم مخلصون أصلاً لهذه القضية؟!
في مقال سابق أطلقت عليهم "دراويش الشرعية"، وفي مقال تال وصفتهم بـ"شعب الله المختار"، أو هكذا يقدمون أنفسهم، بيد أن كثيرين منا كانوا يصفونهم بـ"طحالب الشرعية"، وظني الآن أنه الوصف الأكثر دقة، وإن لم يعبر بدقة عن حقيقتهم. والطحالب وإن كانت تنمو في المياه العذبة، إلا أنها نوع من النباتات التي تفتقد للجذور والأزهار والأوراق!
الخوارج حيث لا حكم إلا لله
وقد حصحص الحق، وتبين الرشد من الغي، بعد أن ذهبت السكرة وحلت الفكرة، فقد وقف كثيرون على أنهم نبت شيطاني، اخترق معسكر الشرعية ورفض الانقلاب، بهدف شيطنته من الداخل، لدرجة أنهم وإلى وقت قريب كانوا يشكلون لوبيا يعمل له ألف حساب، فلا يستطيع أحد أن يفكر خارج الصندوق في إنقاذ الوطن، وفي البحث عن وسائل لتغيير الوضع القائم، خوفاً منهم وهم يرفعون قضية عادلة، لكنهم كانوا دائماً كالخوارج الذين رفعوا المصاحف في وجه سيدنا علي، وهم يقولون: لا حكم إلا لله. وكان كرم الله وجهه يرد عليهم في أسي: إنها كلمة حق يراد بها باطل، فالقرآن لا ينطق بلسان!
ومهما كان الموقف من الخوارج، فقد اندفعوا في طريقهم مسكونين بحسن النية وسلامة الطوية، وكانوا في تشددهم يعتقدون أنهم يلتزمون بكتاب الله ويخلصون في الالتزام بنصوصه، فهل هؤلاء يخلصون فعلا لقضية الشرعية؟ وينحازون حقاً لمعسكر رفض الانقلاب؟!
هذه الظاهرة، تشكلت على يد مخلصين لقضية شرعية الرئيس المنتخب، ورافضي الانقلاب العسكري، وكانوا وهم يبحثون عن من يقوي مركزهم، لا يتخيرون نطفهم، ولا ينتبهون إلى أن العرق دساس، ومثلوا بإخلاصهم ثغرة تسرب منها من هم صنيعة الأجهزة الأمنية، ولم يكن من مثلوا ثغرة أصحاب خبرة حياتية في كشف الناس، والذين انخرطوا مبكراً في التنظيمات السياسية، ولهم سابق خبرة في النضال على الأرض، يعرفون أن الأعلى صوتاً، والأكثر تشدداً، والداعي للاشتباك مع رجال الأمن في كل مظاهرة، ليس دائما هو الذي يتمتع بالنقاء الثوري، ولكنه قد يكون من عملاء الأمن، وأنه مكلف بمهمة إحداث هذا الصدام لإعطاء الشرطة المسوغ القانوني والأخلاقي في البطش بالمتظاهرين، والقبض عليهم!
هذه الظاهرة، تشكلت على يد مخلصين لقضية شرعية الرئيس المنتخب، ورافضي الانقلاب العسكري، وكانوا وهم يبحثون عن من يقوي مركزهم
فالهدف هو تقديم خدمة للطرف المعادي، وهو في حالتنا يمثله الانقلاب العسكري، بكل حماته إقليميا ودوليا، وقد بالغوا في تبني قضية الشرعية ورفض الانقلاب، حتى يتصور المراقب لأول وهلة أنهم يعبرون عن الاستقامة الثورية، ولم نتوقف لنلتقط أنفاسنا لنسأل عن أمجادهم الثورية، فمنذ متى التحقوا بالثورة؟ وإذ حاورتُ بعضهم، فقد راعني أن أجد من بينهم من يعترف بأنه كان ضد ثورة يناير، لكنه خرج ضد الانقلاب، وانحيازاً لشرعية الرئيس المنتخب. إنهم إذن حمل خارج الرحم الثوري!
مثلي يتفهم أن من بين البسطاء، الذين ليس لديهم دراية بالسياسة وتفاصيلها، وممن تعاملوا مع الانقلاب بيقين العوام، قد رأوا أن كل ما سبق من محاولات إحداث الفوضى وإظهار فشل الرئيس مرسي وتأكيده هو للوصول لنقطة عزله، ولهذا امتلأ بهم ميدان رابعة، دون أن يكونوا مشغولين بالثورة وموضوعها، أو بالشرعية وتبعاتها، فالأمر عندهم غاية في البساطة: فهذا رجل ظُلم، وقد خرجوا انحيازا للمظلوم، وللوقوف في وجه الظالم!
وهؤلاء هم من شكلوا ملح الأرض في اعتصام رابعة، لكن هل طحالب الشرعية من هؤلاء!
غالبية الصفحات هي أسماء وهمية، وتنتمي إلى ما يسمى باللجان الإلكترونية، أو الذباب الإلكتروني، وهم لا يتورعون عن استخدام وسائل الشبيحة في ردع كل مخالف لهم
التشكيل العصابي الذي يضم هؤلاء لا نعرف منه سوى عدد قليل يعد على الأصابع، وبعض الأسماء عرفناها بعد ذلك، لكن غالبية الصفحات هي أسماء وهمية، وتنتمي إلى ما يسمى باللجان الإلكترونية، أو الذباب الإلكتروني، وهم لا يتورعون عن استخدام وسائل الشبيحة في ردع كل مخالف لهم، أو كل من يدفعوا لهدمه وترويعه، حتى باتوا يمثلون قوة لا يستهان بها. وقد استُخدموا من قبل البعض في قلب تيار الشرعية، لردع الآخرين، لقدرتهم على السب والقذف والتعريض، بدون رادع من دين، أو مانع من ضمير!
استباحة الجميع
لقد كان لافتاً، أنه بمجرد أن يظهر الوزير السابق محمد محسوب ليتحدث عن أخطاء حدثت في عهد الرئيس محمد مرسي، منها ثقته غير المبررة بوزير دفاعه، أن ينطلق هؤلاء فيستبيحوا الرجل، وهو الذي وقف مع الرئيس لآخر لحظة، ثم سافر بعد فض رابعة، في مغامرة كان يمكن أن يدفع ثمنها حياته، لكن هذا لم يشفع له لدى من استخدموا هذه "الطحالب" مزدوجة الولاء: لقيادات في معسكر الشرعية، ولأجهزة أمنية استخدمتهم في "الصب" في مصلحة الانقلاب، فتلاقت إرادة الطرفين، وتوافقت الأهداف بدون اتفاق! ونفس الأمر حدث مع الدكاترة: سيف الدين عبد الفتاح، وطارق الزمر، وعمرو دراج، والأخير اعتزل السياسة بسبب استباحته من قبل هذا التشكيل العصابي.
لم يكن هؤلاء أبداً مثل العوام الذين اندفعوا بيقينهم لتأييد الرئيس المظلوم ولمواجهة ظالميه، فقد انطلقوا في موقفهم من أرضية سياسية، لكن بعد أن ذهبت السكرة وحلت الفكرة، اكتشفنا أن من نعرفه منهم لم يكونوا أبداً مشغولين بقضية الديمقراطية وما تفرزه، أو
الثورة وما أنتجته، أو بالحكم المدني وتجلياته، لكي يقفوا مع شرعية الرئيس، وهم من غير الإسلاميين، حتى لا يقال إنهم مدفوعون بمبدأ إن الرئيس له في أعناقنا بيعة!
كان الهدف هو قطيعة مع الوطن تماماً، الذي تحول في خطابهم إلى "كوم تراب"، وأنه وثن يعبد من دون الله
ولأنهم مدفوعون من قبل "أجهزة" غربية وإقليمية، فقد عمدوا على حصار تيار الشرعية ورفض الانقلاب داخل شرنقته، فلا ينفعل مع القضايا الوطنية، ولا يجوز له أن يتفاعل مع ما يشغل
المصريين، فقد كان الهدف هو قطيعة مع الوطن تماماً، الذي تحول في خطابهم إلى "كوم تراب"، وأنه وثن يعبد من دون الله!
ينتفض المصريون ضد التفريط في التراب الوطني، فيكون خطابهم لا شيء بعد الدم. يستدعي الانقلاب العسكري دولة بعينها لتقوم بدور الاحتلال الأجنبي، فيكون ردهم لا شيء بعد الدم. ويعاني المصريون من الغلاء، فتتم السخرية منهم وعلى أساس أنه ليس بعد الدم ذنب!
وهم هنا يخدمون أهداف الانقلاب في عزل تيار الشرعية عن الناس وأن يعيش في "جيتو"، فعن أي شرعية يتكلمون والشرعية يمنحها الناس؟!
خذلان الجماهير
وقد خسر السيسي كثيراً داخل معسكره لتفريطه في تيران وصنافير، فلما دعا الداعي لانتفاضة ضده، حاصروا هم الدعوة وطالبوا بعدم المشاركة، وإذا كان بعض الرموز المدنية بررت خذلانها لحركة الجماهير بأنها لن تشارك في مظاهرات سيشارك فيها الإخوان، فقد ذهبت إحداهم للمظاهرات وهي تلف نفسها بشال يحمل شارة رابعة، لتكشف عن هويتها، وتدفع المتظاهرين للانصراف بعد الحضور الإخواني الواضح، لكن فشلت في هذا؛ لأن الشباب لم ينطل عليه اقتحامها لمظاهراتهم في حضور الأمن بهذه الإعلان الفج، لكن كان قومنا دائماً يتحدثون عن شجاعتها، وتحديها للأمن، وكأن أمن السيسي يمكن لأحد أن يتحداه!
شهدت نهاية العام الماضي، نقطة مهمة في كشف هذا التشكيل العصابي، الذي دفعت به أجهزة مخابراتية لاختراق الصف الثوري، وقامت خطته على تشويه كل المؤثرين داخل تيار رفض الانقلاب، لتفجيره من الداخل
لقد ظلوا يدافعون عنها، وكيف لا يفعلون وهي التي تعلن عن نفسها وموقفها من داخل مصر؟ ولم يستمعوا لما قيل من أن دسيسة قامت بتسليم كثيرين لأجهزة الأمن، إلى أن حلت "الطوبة بالمعطوبة"، وكان من سلمتهم هم "إخوان صرف" نشرت أسماؤهم على أنهم يجمعون التبرعات لأسر المعتقلين، وفي الفجر كانت قوات الأمن تقتحم عليهم بيوتهم وتأخذهم من الدار إلى النار!
وقد شهدت نهاية العام الماضي، نقطة مهمة في كشف هذا التشكيل العصابي، الذي دفعت به أجهزة مخابراتية لاختراق الصف الثوري، وقامت خطته على تشويه كل المؤثرين داخل تيار رفض الانقلاب، لتفجيره من الداخل، أيضاً في القيام بمهام قذرة، لا تتمثل فقط في الخوض في الأعراض، ولكن أيضا في انتحال صفة الإخوان المسلمين، وإلصاق العنف بهم بالدعوة لقتل المسيحيين وضباط الجيش، ورميه بالخيانة بإهانة الوطن ووصفه بأنه "كوم تراب"، والهجوم على الآخرين والشماتة في أي معتقل منهم!
لقد تردد بشكل تلقائي عقب الحكم بسجن الناشط "أحمد دومة" (لم يكن الأسواني وحده) أن الإخوان يمارسون عادتهم في الشماتة، وقد طلبت من المرددين لذلك أن يذكروا من يعرفونه من الإخوان الشامتين، لكنهم لم يفعلوا، ولعلهم فوجئوا بالسؤال، فكل الأسماء المعروفة والوهمية تنتمي لهذا التشكيل العصابي!
لقد ذهب السكرة وحلت الفكرة.