نشر موقع قناة فرانس أنفو الفرنسي تقريرا، سلّط من خلاله الضوء على الدور الذي لعبته الديون في جعل تونس تسقط في مصيدة الاستعمار الفرنسي، علما وأن البلاد لا تزال تعاني من وضع مالي مشابه إلى حد الآن.
وقال الموقع، في تقريره الذي ترجمته "عربي21"، إن الدين العام التونسي ارتفع من 40 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في سنة 2010، ليبلغ 60 بالمئة بحلول سنة 2016، ليصل إلى 70 بالمئة في السنة الماضية. وتعتبر هذه النسبة معقولة، بالنظر إلى ديون البلدان الرئيسية ضمن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، علما وأن الدين العام الفرنسي يبلغ 100 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي. في الأثناء، يعكس ارتفاع نسبة الدين تراجعا خطيرا للاقتصاد التونسي، مما قد يعيد للأذهان ذكريات سيئة لدولة أثرت قضايا الديون على ماضيها.
لطالما شهد تاريخ تونس مشاكل متعلقة بالديون، فمن خلال استغلال هذا العامل، تقريبا، استولت فرنسا على تونس في القرن 19. ويذكر الأكاديمي البلجيكي، إيريك توسان، عضو الجمعية من أجل فرض الضرائب على المعاملات المالية لصالح المواطن، أنه "في النصف الثاني من القرن 19، اعتمدت تونس آلية الدين الخارجي التي كانت بمثابة أداة لإخضاعها وإقصاء سيادتها".
اقرأ أيضا: إندبندنت: 8 أعوام والثورة في تونس لم تحقق وعودها
وبين الموقع أنه في فترة تاريخية محددة، كانت الأراضي التونسية تعد جزءا من الإمبراطورية العثمانية نظريا، لكنها في الحقيقة تتمتع بحكم ذاتي شبه تام. وكان البايات الذين يحكمون البلاد باسم السلطان يتمتعون بنوع من الحرية.
وإلى حدود نهاية عهد مصطفى باي (1835-1837)، لم تكن البلاد تملك أي دين عام. لكن الوضع تغير بعد ذلك، خاصة في ظل حكم محمد الصادق باي (1859-1883)، الذي قاد عملية إصلاح للهياكل الحكومية كما اتبع سياسة مكلفة. وفي هذه الفترة تحديدا، ارتأت تونس اقتحام الأسواق الدولية لتسديد ديونها المحلية.
وأشار الموقع إلى أن هذا الأمر كان ملائما للغاية بالنسبة "للمصرفيين في باريس، فضلا عن نظرائهم في لندن، الذين كانت لديهم نسبة سيولة مرتفعة. ولذلك، بحثوا عن استثمارات في الخارج توفر لهم امتيازات أكبر من تلك التي يحظون بها في أوطانهم". وعلى موقع "أوريون 21"، شرح إريك توسان أنه "عندما أعلن الباي في أوائل سنة 1863 عن رغبته في اقتراض 25 مليون فرنك، سارع مصرفيو لندن وباريس إلى تقديم خدماتهم". لكن، بسبب سوء الإدارة والفساد، انفجرت ديون البلاد إزاء الدول الأجنبية بشكل كبير، علما وأن القروض الجديدة كانت تهدف إلى سداد الديون السابقة.
وأضاف الموقع أن ثورة علي بن غذاهم سنة 1864، كانت مرتبطة بالترفيع في ضريبة فرضت في سنة 1856 على كل مواطن تونسي. وأورد حمدي رايسي، وهو كاتب تونسي، أن "عواقب هذه الثورة كانت كارثية، حيث عمقت من حدة اختلال توازن ميزانية الدولة، بسبب النفقات المتعلقة بالعمليات التي نفذت أثناء الثورة".
إثر ذلك، عاد الهدوء إلى البلاد، لكن الديون استمرت في التزايد، الأمر الذي أرغم تونس على التفاوض مع دائنيها. ومن أجل ضمان سداد المبالغ، تم التفكير في اللجوء إلى حل عسكري، إلا أنه وقع التوافق في نهاية المطاف على إنشاء لجنة للنظر في هذه المسألة.
وتطرق الموقع إلى أن معاهدة باردو جعلت من تونس محمية فرنسية. ففي ظل تراجع الإمبراطورية العثمانية سنة 1878، ظهرت على المستوى الدولي مطامع استعمارية ورغبة في تشارك العالم بين القوى الأوروبية. وبموافقة برلين، (التي سيطرت على الألزاس واللورين) ولندن (التي كانت تنوي السيطرة على مصر)، استولت فرنسا، التي لم تخف أبدا أهدافها التوسعية على حساب هذه الأراضي المجاورة للجزائر، المستعمرة منذ سنة 1830، على تونس.
حينها، تعرضت تونس لضغوط من طرف القوى الاستعمارية الفرنسية التي نجحت في نهاية المطاف في الوصول إلى العاصمة. وقال جول فيري أمام الجمعية الوطنية الفرنسية، مفسرا هذا الأمر، إن "حكومة الجمهورية لا تنوي غزو أراض جديدة، فهي لا تحتاج لذلك. وتتوجه فرنسا إلى هناك في إطار القمع العسكري الذي يمارس في البلاد، من أجل حماية أمن ومستقبل فرنسا الأفريقية".
اقرأ أيضا: إضراب عام يشل القطاع الحكومي في تونس.. خبراء يحذرون
وأضاف الموقع أنه في سنة 1881، فُرضت معاهدة باردو على الباي وتم إنشاء نظام الحماية. ومن المؤكد أن مسألة الدين التونسي ليست السبب الوحيد في تطبيق الحماية الفرنسية على تونس، حيث حالت وضعية الضعف التي تعاني منها البلاد دون انتهاجها سياسة مستقلة. ويؤكد المؤرخ هوبير بونين، الذي كتب تاريخ الإمبراطورية الاستعمارية الفرنسية، أنه "في تونس، بدت عملية الحماية سلمية، حيث ارتبط الأمر بالأساس بدولة متجانسة حقا، لكنها ضعيفة (...)، خاصة بسبب عجز كبير في المالية".
وفي الختام، أفاد الموقع بأنه في سنة 1883، فرضت فرنسا نصا جديدا على تونس، كان أكثر دقة هذه المرة. ويهدف هذا النص إلى "تسهيل تطبيق الحكومة الفرنسية لنظام الحماية، حيث يلتزم سمو باي تونس بتنفيذ الإصلاحات الإدارية والقضائية والمالية التي تعتبرها الحكومة الفرنسية مجدية". وقد ألغي نظام الحماية في سنة 1956.
إندبندنت: 8 أعوام والثورة في تونس لم تحقق وعودها
العياري: الديمقراطية لم تعد تُحلل على أنها مبدأ سامٍ بتونس
إيكونوميست: الرئيس البشير وحيدا محاصرا.. ما هي خياراته؟