لم تمض 24 ساعة على
قتل أربعة من السياح الفيتناميين حتى قتلت شرطة السيسي
40 مواطنا بدون محاكمة، ثأرا وانتقاما لجريمة قتل السياح، وهو ما يؤكد أننا أمام عصابة لا تحترم القوانين، ولا حقوق الإنسان.. لا يهمها تطبيق العدالة، وكل ما يهمها هو أن تروي غليلها على حساب مواطنين أبرياء لم يثبت بحقهم أي اتهام، ولم تتمكن الشرطة من ضبطهم متلبسين بأي جرم.
هذه الروح الثأرية هي التي تحرك نزعات أفراد في المجتمعات المتخلفة، ولكن لا يمكن أن تكون هي سياسة أي سلطة حاكمة؛ حتى لو وصلت إلى الحكم بطريقة غير مشروعة. وهذه السياسة تغذي نزعات الثأر والانتقام عند المواطنين عموما، وتدفعهم لتجاوز القانون وأخذ حقوقهم بأيديهم، وبذلك نصبح أمام صناعة حكومية للإرهاب الذي ستنتشر نيرانه لتحرق الجميع. وإذا كان العالم كله يخوض حروبا شاملة ضد
الإرهاب، تكلفه مليارات الدولارات، فإن عليه أن ينتبه للأنظمة التي تصنع الإرهاب، ومنها نظام السيسي، وأن يكون هذا النظام نفسه هدفا لتلك الحرب، وليس شريكا فيها.
هذه السياسة تغذي نزعات الثأر والانتقام عند المواطنين عموما، وتدفعهم لتجاوز القانون وأخذ حقوقهم بأيديهم، وبذلك نصبح أمام صناعة حكومية للإرهاب الذي ستنتشر نيرانه لتحرق الجميع
إعلان الداخلية عن اغتيال المواطنين الأربعين ليس دليل قوة للنظام، كما يحاول تسويقه، ولكنه
دليل جديد على ضعفه، وفشله الأمني الذي تسبب في وقوع هذه الجريمة في قلب القاهرة، وفي قلب المنطقة السياحية فيها، وعدم قدرته على ضبط الجناة الحقيقين في تلك الجريمة الكبرى؛ التي ضربت في مقتل الجهود المبذولة لاستعادة النشاط السياحي، الذي كان يمثل أحد الموارد الرئيسية للدخل القومي
المصري. وجاءت جريمة السلطة باغتيال هؤلاء المواطنين الأربعين لتزيد الطين بلة، ولتثبت للعالم أن الأوضاع الأمنية في مصر لم تستقر على خلاف الرواية الرسمية، وأن ادعاءات السلطة عن دحر الإرهاب غير حقيقية، بدليل أنها قتلت 40 مواطنا في يوم واحد وصفتهم (دون دليل) بالإرهابيين، وهو ما يعني لدى أي مستثمر أو سائح أن اعداد الإرهابيين في مصر لا تزال كثيرة، ومنتشرة في كل مكان، وهو ما يدفع هؤلاء المستثمرين والسياح لصرف النظر عن مصر تماما.
وهل نسي المصريون أو العالم الحملة الشاملة 2018 لاسئتصال الإرهاب في سيناء، والتي حدد السيسي لقائدها على الهواء مدة ثلاثة شهور لإنجازها وتطهير سيناء من العناصر الإرهابية؟ ها هو العام 2018 يودعنا دون أن تحقق تلك الحملة هدفها، حيث لا تزال دماء رجال الجيش تسيل هناك، ولا يمر شهر دون أخبار عن مقتل أو إصابة عسكريين، وكان آخر هذه الدماء ما نشرته وسائل إعلام
بمقتل خمسة عسكريين في انفجار لغم في شمال سيناء مساء السبت 29 كانون الأول/ ديسمبر.
نحن أمام سلطة فاقدة للمصداقية تماما في الداخل والخارج، وتفتقد بياناتها لأي درجة من المصداقية أيضا، بسبب تكرار الكذب الصراح فيها. ومع ذلك، تصر هذه السلطات ممثلة في المجلس الأعلى للإعلام على إجبار وسائل الإعلام على نقل الرواية الرسمية فقط، دون النظر لأي روايات أخرى للحوادث، ومنها جريمة الهرم الأخيرة، وتهدد أي وسيلة إعلامية بعقوبات في حال نشرها روايات غير رسمية، وتتصور انها بذلك تستطيع حجب الحقيقة عن المصريين والعالم، متجاهلة أننا نعيش في عصر الإنترنت وبرامج الاتصالات الحديثة التي لا تستطيع هذه السلطة مجاراتها مهما حاولت حجبها أو تعطيلها.
نحن أمام سلطة فاقدة للمصداقية تماما في الداخل والخارج، وتفتقد بياناتها لأي درجة من المصداقية أيضا، بسبب تكرار الكذب الصراح فيها
لم يكتف نظام دراكولا المصري (مصاص الدماء) بقتل آلاف المصريين في ميادين الاعتصام أو التظاهر السلمي، ولا بإصدار أحكام هزلية بإعدام المئات (65 حكما نهائيا، و1320 حكما أوليا) مع تنفيذ أكثر من 30 حكما خلال الفترة الماضية، ولكنه يحتفظ بمئات المعارضين السلميين المختفين قسريا في جعبته، ليقتل منهم دفعات عند الطلب، انتقاما وثأرا لأي جريمة يعجز عن كشف جناتها، كما فعل في مرات كثيرة من قبل، وكما كرر في جريمة قتل سياح الهرم. وهذه الدماء التي لا تزال تسيل في شوارع وميادين وبيوت مصر؛ هي التي تروي تربة الإرهاب وتخصبها. ومن الواضح أن النظام العاجز عن تقديم أي إنجاز حقيقي للشعب المصري ليس أمامه سوى تصدير الخوف الدائم للمصريين مما دعاه السيسي يوما بـ"الإرهاب المحتمل"، في دعوته للمصريين للنزول يوم 26 تموز/ يوليو 2013 لمنحه تفويضا وأمرا لمواجهة هذا "الإرهاب المحتمل"؛ الذي حوله إلى واقع معاش يقتات عليه، ويستثمره لتقديم نفسه للعواصم الكبرى باعتباره محارب ضد الإرهاب، ولا يهم أن يكون الشعب المصري واقتصاده وأمنه هو فاتورة ذلك.
العصابة الحاكمة تبحث في العالم عما يشبع نهمها للقتل والثأر، وليس إقامة العدل أو تحقيق التنمية. لذا، فقد راقت لها تجربة عصابة عسكرية حكمت إسبانيا لأكثر من 30 عاما بقيادة الجنرال فرانكو. وقد أنشأت وزارة داخلية فرانكو عصابة قتل سرية تابعة لها (منظمة الغال) للثأر من خصومه السياسيين من حركة إيتا الانفصالية، ووضع نظام فرانكو قاعدة "رأس برأس"، بعيدا عن المحاكم والقانون، فكلما قتلت منظمة إيتا ضابطا أو قياديا في الدولة، بحثت وزارة الداخلية عن رأس مماثل في الحركة وقتلته.. هكذا دون محاكمة، وكانت تسجل القضية ضد مجهول، وحين سقط نظام فرانكو، وساد الحكم الديمقراطي، تم كشف كل أعضاء حركة الغال ومحاكمتهم، وهو ما سيحدث يوما مع قتلة المصريين.
العصابة الحاكمة تبحث في العالم عما يشبع نهمها للقتل والثأر، وليس إقامة العدل أو تحقيق التنمية. لذا، فقد راقت لها تجربة عصابة عسكرية حكمت إسبانيا لأكثر من 30 عاما بقيادة الجنرال فرانكو
التعامل الهستيري الرسمي وشبه الرسمي، والتضارب في البيانات في جريمة الهرم الإرهابية، والادعاء بأنها نتيجة قنبلة بدائية الصنع، وأن منفذيها بعض الصبية غير المحترفين، أو أن الحافلة خرجت عن مسارها المؤمن، أو أنها كانت محروسة بسيارتي شرطة من أمام وخلف، أو أن السائحين المقتولين فيتناميين
وليسو أمريكان أو أوروبيين، وهو ما يخفف من وطأة الجريمة.. كل هذا الكلام هو الذي يضرب
السياحة في مقتل، أكثر من وقوع الجريمة ذاتها. كما أن قتل الأبرياء الأربعين لن يعيد الأمن، ولن يعيد السياحة إلى مصر. فمن ذاك السائح المجنون الذي يعرض حياته لخطر قنابل بدائية لا تكلف المراهقين شيئا في تصنيعها وزرعها في أماكن مختلفة؟ ومن ذاك المستثمر المجنون الذي يستثمر وسط بيئة غاضبة قابلة للانفجار في أي لحظة، ومن ذاك الإعلامي المجنون الذي يصدق بيانات نظام السيسي التي تقطر كذبا؟