أتصور أنه لم يكن بمقدور أوسع الناس خيالاً في 2013 أن يصدقوا أن المصريين سيقفون طوابير أمام منافذ بيع البطاطس. لا أظن أن أحداً تصور هذه النقلة الخشنة من مرحلة يهاجم فيها الإعلام تعيين نجل رئيس الجمهورية في إحدى الشركات إلى مرحلة يجلس فيها الانقلابي السيسي في استوديو بمدينة الإنتاج الإعلامي ليتحدث عن ابنه في المخابرات وابنه في الرقابة الإدارية ودون أن يجد قناة واحدة تهاجمه. مرحلة يسخر فيها البعض من انخفاض سعر المانجو إلى واقع يستسلم فيه الناس لزيادة أسعار تذاكر المترو سبعة أضعاف.
خلال سنة الرئيس مرسي كان الكثيرون على استعداد للتظاهر أمام القصر الجمهوري مطالبين بعزله ومحاكمته على أصغر شيء.
إن نظرة سريعة على أحداث السنة التي تلت انتخاب الرئيس محمد مرسي وأحداث يوم عادي من أيام النكبات التي تعيشها مصر من بعد الانقلاب، كفيلة بإصابة الكثيرين بالدوار. الفرق بين مرحلة يصطحب فيها الرئيس صحفية محتجزة في السودان ويأتي بها على متن طائرته ومرحلة يحاول فيها البعض الفرار من مصر على متن قارب بصورة غير شرعية، مرحلة وصلات السخرية المنفلتة على كل القنوات من مشهد الرئيس مرسي وهو ينظر في ساعة يده إلى مرحلة المانشيتات الخيالية التي لم يخطر على بال أحد أن يقرأها في الصحف حتى في عهد المخلوع مبارك. سنوات تفصل بين مرحلة التظاهر من أجل إقرار الحد الأقصى للأجور ومحاولة التشبث بالحد الأدنى للحياة في بلد اقتربت كثيراً من حافة المجاعة.
خلال سنة الرئيس مرسي كان الكثيرون على استعداد للتظاهر أمام القصر الجمهوري مطالبين بعزله ومحاكمته على أصغر شيء. حالة من التنمر والتحفز وضع فيها الإعلام الشعب الذي وجد نفسه بدون مقدمات ينتقل من مرحلة الرؤساء الجبابرة الذين تُغلق الطرق وتتعطل كل مظاهر الحياة كلها لمجرد أن مواكبهم تمر، إلى مرحلة الرئيس الذي يهاجمه الإعلام لأن نجله فكر في التقدم لوظيفة براتب أقل من العادي.
الإعلام والانقلاب
ويبدو أن المعدة السياسية للشعب لم تستطع هضم هذا التغير الحاد والتعامل معه بهدوء، فتحمل الرئيس مرسي كل غبار السنوات التي سبقته وصار بمجرد انتخابه محاسباً عن كل شيء. لقد لعب الإعلام وما يزال دوراً خطيراً، وليس أدل على هذا من تغير اللهجة فور الانقلاب على الرئيس مرسي، فبعدما كانت كل القنوات تقصف التجربة الوليدة يومياً وبعدما كان الإعلام يحاسب الرئيس مرسي يومياً على كل ما هو مسؤول عنه وما هو غير مسؤول عنه وبعدما كانوا يطالبونه يومياً بالرحيل، صارت نفس القنوات ونفس الإعلاميين يطالبون الشعب بالصبر لأن التركة ثقيلة ومشاكلها لن تُحل بين يوم وليلة ولأن ولأن.
إن وتيرة النكبات المتسارعة التي لا يتوقف الانقلاب عن تصديرها للشعب بشكل شبه يومي ربما قد أرهقت ذاكرة الكثيرين فلم يعد بمقدورهم تذكر تلك اللحظات التي عاشوها خلال تلك السنة التي سبقت الانقلاب، حين كانت القنوات تخصص فترتها المسائية للصراخ في وجه الرئيس، وبين هذه اللحظات التعيسة التي يعيشونها الآن والتي يظهر فيها الانقلابي من وقت لآخر ليعنف الشعب.
والإعلام العسكري الموجه هو بلا شك أحد أهم أسباب الوصول إلى هذه الحالة والعجيب أن هذه القنوات هي نفسها التي كانت تقوم بدور تجميل الحياة في عهد المخلوع مبارك وقبل 25 كانون ثاني/يناير والعجيب أن الكثيرين لم ينتبهوا لهذه الحقيقة أو انتبهوا ولم يكترثوا بها. كانت هذه القنوات تمارس دورها التدميري الذي أدى في نهاية الأمر إلى تلك اللحظات في 30 حزيران/يونيو، دون أن يكون هناك إعلام ثوري يصنع نوعاً من التوازن، كانت تجربة الرئيس مرسي بحاجة إلى إعلام قوي يحميها.
إقرأ أيضا: مكرم وشركاؤه.. هكذا صنع السيسي آلته الإعلامية لضرب الخصوم