كان "محمد بن سلمان" هو الصوت، وكان "السيسي" هو الصدى! تقرب الأول إلى الدوحة باعاً، فتقرب الثاني ذراعاً!
اسم قطر
في "منتداه الإقتصادي" قال "بن سلمان" إن الخليج خلال خمس سنوات سيكون "أوروبا الجديدة"، وعدد الأسماء، وكان واضحاً أنه يفعل هذا من أجل أن يصل إلى اسم "قطر"، الذي ذكره وكيف أنها ستكون ـ رغم الخلاف معها ـ شيئاً آخر، ليقابل كلامه بوابل من التصفيق الحاد، وهو يقول إن قطر تملك اقتصاداً قوياً.
وفي "منتداه الشبابي" قال السيسي إنه يهمه استقرار الخليج وعدد أسماء الدول، ليصل إلى اسم "قطر". دعك من أن هذا القول ذكرنا بإعلان سابق له بأنه عند تعرض أمن الخليج للخطر فسوف يتحرك الجيش المصري والفاصل الزمني بين وقوع الخطر وتحرك الجيش هو "مسافة السكة"، وهو ما لم يحدث وما أخذته "القرعة" من وعود السيسي تأخذه "أم الشعور"، بحسب المثل المصري الدارج!
ما يعنينا هنا، أن هناك نغمة جديدة، في التعامل مع الدوحة، فالجميع يخطب ودها، وكأنهم لم يحاصروها من قبل، وكأنهم لم يفكروا في غزوها، وكأنهم لم يعملوا على تغيير الحكم فيها، ولم يخوضوا في الأعراض في حملة إبادة إعلامية تجاوزت الأعراف والقيم، بشكل غير معهود!
يبدو لي أنه لا تنسيق بين "الصوت" و"الصدى"، فالأول يستهدف الخروج من أزمته، التي تهدد وجوده في الحكم، إن لم تعرضه للمحاكمة في المستقبل، بتهمة قتل الصحفي السعودي "جمال خاشقجي"، وهو يرى أن قطر بإمكانها أن ترفع السكين من فوق رقبته، فتقرب إليها بالنوافل، والثاني كان دافعه أمرين: الأول أنه يرى أنه الخاسر من حصار قطر، ولعله تورط فيه، والثاني أنه "يحتاط" من إقدام بن سلمان على الصلح منفرداً، فإن لم تقابله قطر وداً بود، فقد يتقدم خطوة للأمام بالصلح من طرف واحد، فماذا عساه أن يفعل إن تم الاقدام على هذه الخطوة، ولم يدع على مائدة المفاوضات، ليصدق فيه المثل القائل "في حزنهم مدعوون وفي فرحهم منسيون"!
السيسي في لقاء مع أحد ضيوفه مؤخراً بدا كما لو كان يكلم نفسه عن السبب الذي دفعه للمشاركة في حصار قطر، الذي وقع عليه بالخسارة، فليست هناك حركة تجارية نشطة بين مصر والدوحة، ولا تعتمد قطر في غذائها على ما تستورده من مصر، وبالتالي لم تتأذى من كون القاهرة دخلت على خط الحصار، كما أن مصر للطيران تكبدت خسائر كبيرة بسبب توقف طيرانها لقطر، فلم تعد تنقل المصريين في الإجازات السنوية، واستفادت من ذلك شركات طيران لدول أخرى، وتكبد المصريون أسعاراً مضاعفة لتذاكر الطيران نتيجة أنه فرض عليهم ألا يسافروا مباشرة إلى القاهرة، وفي رحلة "تهد الحيل"، فماذا خسر القطريون؟!
شارك في الحصار بدافع الطمع
ما نسيه السيسي أنه شارك في الحصار مدفوعاً بالطمع فقد ظن أن الرياض وأبو ظبي ومعهما البحرين يخططون للغزو، وبمقدورهم تغيير نظام الحكم وعليه فانهم سيضعون أيديهم على ثروة قطر، ليقتسموها باعتبارها غنائم حرب، لكن ألا وأن هذا كله لم يحدث، فقد خرج بخفي حنين!
وثالثة الأثافي، أنه في غياب حاكم أبو ظبي، الذي بدا كما لو كان "فص ملح وذاب"، فإن ولي عهد السعودية أصبح شعاره "نفسي .. نفسي"، فلم يكن هناك من بديل أمام السيسي إلا أن يخضع بالقول، هذا ناهيك أن الخصومة كلها صارت تنتمي للتاريخ، فقد كانت "مقاولة من الباطن" لصالح " حاكم أبو ظبي الغائب"، الذي دفع كثيراً فوق المائدة وتحتها، ولصحفيين وسياسيين، وللسيسي ولمصر، من أجل الموقف من قطر، وهو إن كان قد حافظ على استمرار السيسي في الدورة الحالية، وسلم له منافسه الفريق "أحمد شفيق" تسليم أهالي، فإنها دورة دفع الثمن وجني الثمار، ولكن كما يقول المثل المصري بتصرف: "طماع بنى لنفسه بيتاً، فمفلس سكن له فيه"، فهناك تعثر في عملية جني الثمار، لا تنس أن القوم في أبو ظبي لم يستلموا جزيرة الوراق حتى الآن، مع دفعهم الثمن!
الثورات والثورات المضادة
تكمن الإشكالية أن قطر منحازة للثورات العربية، والسيسي نتاج الثورة المضادة، فكلاهما يمثل مشروعاً مغايراً، لكنها مع ذلك لم تستهدف القطيعة ولم تكن مصرية أكثر من المصريين، وأرسلت برقية تهنئة للمؤقت عدلي منصور، ومثلها لعبد الفتاح السيسي في انتخاباته الأولى، وعندما بدأ الكلام عن قروض دفعتها لمصر في عهد الرئيس محمد مرسي، قالت إنها دفعتها للمصريين وليس لحاكم بعينه، لكن السيسي بإعلامه وأزلامه، كانوا في معركة ضد قطر مدفوعة الأجر، الآن لا أموال جديدة ستدفع، ومحمد بن سلمان يخطب ود قطر، ومحمد بن زايد في حكم "الحاكم الغائب" على وزن "الإمام الغائب"!
وكما زار مبارك قطر بعد خصومة، وبعد أن شارك في محاولة الانقلاب الفاشلة ثم عاد لخانة العداء من جديد، لا نستبعد أن يعمل السيسي كل ما في وسعه من أجل فتح صفحة جديدة مع الدوحة. ولم تكن هناك مبررات لموقف مبارك، لكن الرجل كان يضبط أداءه بحسب الموقف السعودي وداً وقطيعة.
عقدة الأمر الآن بيد الدوحة وليس في يد الآخرين، وإذا فتحت الباب فقد لا نستبعد أن يكون السيسي في اليوم التالي في قطر، ولا أدري لماذا تذكرت موقف الكاتب الساخر محمود السعدني، عندما هرب من مصر للخارج في بداية عهد السادات، وبينما هو في الكويت فوجئ بوصول السادات اليها، والتقى به "عثمان أحمد عثمان" ليقنعه بمقابلة الرئيس، وهنا صاح "السعدني" رحمه الله: "لقد تركت له مصر، لماذا جاء خلفي؟ ليس معقولاً كلما ذهبت إلى بلد جاء إليه". كانت كلمات "السعدني" في غضبه أكثر فكاهة منه عندما يستهدف السخرية والنكتة.
إنه موسم الهجرة إلى قطر.
هل يقود مأزق الرياض إلى دولة شيعية في اليمن؟
استحواذ سعودي إماراتي على المستشفيات المصرية