الانتخابات المحلية التركية ومصير التحالفات

انشغل الرأي العام منذ أيام بجريمة اغتيال الكاتب السعودي الشهير جمال خاشقجي - رحمه الله - في القنصلية السعودية بإسطنبول، نظرا لغرابة الحدث وبشاعة الجريمة وخطورة التداعيات، إلا أن هناك تطورات أخرى في الساحة السياسية التركية تستحق الاهتمام والمتابعة، ويتوقع أن تلقي بظلالها على الانتخابات المحلية المقرر إجراؤها في 31 مارس / آذار 2019.

صرح رئيس حزب الحركة القومية، دولت بهشتلي، في كلمته أمام نواب حزبه قبل أسبوع، بأن الحزب لن يتحالف مع حزب العدالة والتنمية في الانتخابات المحلية. وكان الحزبان قد شكلا تحالفا في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المبكرة؛ التي أجريت في 24 حزيران/ يونيو الماضي.

وسبق أن أعلن بهشتلي في أيلول/ سبتمبر الماضي أن حزب الحركة القومية لن يقدم مرشحا لرئاسة بلدية إسطنبول، واعتبرت هذه التصريحات آنذاك مؤشرا لاحتمال تحالف حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية في الانتخابات المحلية، على الأقل في بعض الدوائر كالمدن الكبرى. وشهدت الأيام التي تلت تصريحات رئيس حزب الحركة القومية؛ محاولات لتوصل الحزبين إلى صياغة تحالف ترضي الطرفين، إلا أن تلك المحاولات باءت بالفشل، ما دفع بهشتلي إلى إعلان أن حزب الحركة القومية سيخوض الانتخابات المحلية وحده، وأنه سيقدِّم مرشحين في جميع أنحاء البلاد بما فيها إسطنبول.

فشل المحاولات الرامية لتشكيل تحالف بين حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية؛ أثار تساؤلات حول مصير "تحالف الجمهور" الذي شكَّله الحزبان قبل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية. وتشير تصريحات بهشتلي التي أكد فيها أن "تحالف الجمهور" يستمر، إلى أن الحزبين سيواصل تحالفهما في البرلمان التركي في القضايا الوطنية المتعلقة بأمن تركيا واستقرارها ومصالحها العليا.

هناك خلافات نشبت بين الحزبين في الآونة الأخيرة، أبرزها مطالبة حزب الحركة القومية بإعلان العفو العام لنزلاء السجون. ولم يستجب حزب العدالة والتنمية لهذه المطالبة، نظرا لوجود معارضة شعبية واسعة لإطلاق سراح المحكومين بالسجن. ومن تلك الخلافات، تأييد حزب الحركة القومية قرار المحكمة الإدارية العليا التي قضت بإلغاء المرسوم الحكومي السابق؛ الذي ينص على إلغاء القَسَم الطلابي الذي كان يتلى كل صباح في المدارس. وفي المقابل، يرفض حزب العدالة والتنمية قرار المحكمة، ويرى أنها تجاوزت صلاحياتها حين أعادت تلاوة ذاك القسم الطلابي الذي يحتوي على عبارات عنصرية متشددة.

عدم تحالف حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية في الانتخابات المحلية له سلبيات وإيجابيات. وكان تحالف الحزبين سيمنح مرشحهما فوزا مريحا في بعض المدن، مثل مدينتي إسطنبول وأنقرة، وسيعزز فرصة مرشحهما في مدن أخرى تعد من قلاع حزب الشعب الجمهوري، كمدينة إزمير. ويمكن القول الآن إن الانتخابات المحلية ستشهد منافسة شرسة في كثير من المدن التركية.

هناك نسبة من مؤيدي حزب العدالة والتنمية امتنعت عن التصويت له في الانتخابات البرلمانية بسبب تحالفه مع حزب الحركة القومية، كما أن هناك نسبة أخرى من مؤيدي حزب الحركة القومية رفضت التصويت له في الانتخابات الأخيرة لذات السبب. ومن المتوقع أن يعود معظم هؤلاء إلى التصويت لصالح مرشح حزب العدالة والتنمية أو مرشح حزب الحركة القومية، بعد زوال سبب امتناعهم عن التصويت لهما في 24 حزيران/ يونيو الماضي، وهذا ما سيعزز فرص مرشحي حزب العدالة والتنمية في المحافظات ذات الأغلبية الكردية، كما سيعزز فرص مرشحي حزب الحركة القومية في بعض المحافظات الغربية والساحلية. 

الانتخابات البرلمانية الأخيرة تنافس فيها تحالفان، أحدهما "تحالف الجمهور" والثاني "تحالف الملة" الذي شكلته أربعة أحزاب معارضة، وهي: حزب الشعب الجمهوري، والحزب الصالح، وحزب السعادة، والحزب الديمقراطي. ودعم حزب الشعوب الديمقراطي هذا التحالف، دون أن ينضم إليه بشكل رسمي. ولا يتوقع أن تخوض تلك الأحزاب الانتخابات المحلية ضمن تحالف على غرار تحالفها في الانتخابات البرلمانية، إلا أن هناك مباحثات تجري بين قادتها للتوصل إلى تفاهمات تحدد المرشحين الذين ستدعمهم الأحزاب الخمسة في بعض المدن. وإن نجحت المباحثات في صياغة تحالف انتخابي لدعم الأقوى من بين مرشحي الأحزاب الخمسة، فسيعزز ذلك فرص فوز مرشحي التحالف أمام منافسيهم من حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية وغيرهما، في 31 آذار/ مارس المقبل.