كان كثير من العرب على ما يبدو يتمنون أن يخرج الرئيس التركي ويقول إنه يتهم ولي العهد السعودي مباشرة بجريمة اغتيال الكاتب جمال خاشقجي. هؤلاء خاب أملهم في الخطاب، وبعضهم اتهم تركيا ورئيسها "ببيع" قضية خاشقجي!
ثمة قراءتان مختلفتان تماما لخطاب أردوغان اليوم، قراءة شعبوية مشروعة، وأخرى سياسية مشروعة هي الأخرى، وهذا طبيعي جدا بالنسبة لخطاب انتظره الملايين من المتابعين في العالم وفي الدول العربية، وربما كانت السلطات السعودية هي أكثر من انتظره. كان معظم المنتظرين بلا شك يتمنون خطابا عالي السقف يرضي "رغباتهم"، ولهذا فمن المتوقع أن يصاب البعض بخيبة أمل مبنية على افتراضات خاطئة من الأساس توقعت خطابا شعبويا من رئيس دولة في قضية بمثل هذه الحساسية.
كانت السلطات السعودية هي أكثر من انتظره. كان معظم المنتظرين بلا شك يتمنون خطابا عالي السقف يرضي "رغباتهم"
هل باعت تركيا قضية خاشقجي؟
نتذكر هنا أن هذا السؤال لم يطرح اليوم فقط بعد خطاب أردوغان، ولعلنا لا نبالغ إذا قلنا إن هذا السؤال كان الأكثر حضورا بين كافة الأسئلة بعد اندلاع أزمة خاشقجي، بل إنه كان السؤال الأكثر انتشارا ربما من السؤال حول هوية القاتل الذي يبدو أن الجميع يعرفه سواء كانت مسؤوليته سياسية أو جنائية!
طرح سؤال "بيع" تركيا لقضية خاشقجي بقوة أيضا بعد تصريح أردوغان الأول المقتضب حول الأزمة، وطرح كذلك بعد الاتصال الهاتفي الأول بين العاهل السعودي الملك سلمان والرئيس أردوغان، وسيبقى هذا السوال مطروحا إلى حين انتهاء الأزمة، وربما لبعدها لسنوات.
وفي إطار الإجابة على هذا التساؤل يجب التفريق بين السياسي والجنائي في الأزمة، ومن الواضح أن تركيا اتخذت منذ اختفاء خاشقجي مقاربة معالجة الجانب الجنائي قبل الخوض في أي قرارات أو استنتاجات سياسية. لقد مكنت هذه المقاربة تركيا من الحصول على "تنازلات" سعودية في إطار دعم التحقيقات وفتح القنصلية وبيت القنصل للمحققين الأتراك، وهو ما مكن السلطات التركية من الحصول على أدلة جنائية تعزز أدلتها الاستخبارية.
تركيا اتخذت منذ اختفاء خاشقجي مقاربة معالجة الجانب الجنائي قبل الخوض في أي قرارات أو استنتاجات سياسية
النقطة الجنائية الأكثر إثارة للجدل والتي تحتاج لدور سعودي في الكشف عنها هي مكان إخفاء الجثة
• التأكيد على ضرورة كشف من أصدر الأوامر للقتلة، وهي إشارة لمطالبة المسؤولين سياسيا عن الجريمة.
• التأكيد على أن تركيا ماضية في التحقيقات إلى حين كشف الحقيقة كاملة.
•الإشارة إلى أن التحقيقات التركية تظهر أن الجريمة معدة مسبقا ومدبرة، بما ينفي ويناقض الرواية السعودية التي قالت إن الجريمة حصلت بالخطأ.
• التأكيد على أن تحميل المسؤولية لرجال الأمن منفذي الجريمة لن يرضي تركيا ولن يجعل العالم مطمئنا، ما يعني الإشارة مرة أخرى على المسؤولية السياسية والجنائية لمن أعطوا الأوامر، بما يشكك مرة أخرى بالرواية السعودية عن تصرف المجموعة المنفذة دون حصولهم على تعليمات سياسية.
• الإشارة بشكل رسمي للمرة الأولى لاحتمالية تورط دول أخرى أو أشخاص من دول أخرى في الجريمة، والمطالبة بتحقيق دولي معهم، فهل كان يقصد الإمارات ومصر اللتين توجهت لهما طائرتا الفريق المنفذ بعد ارتكاب الجريمة؟
• الإشادة بالملك سلمان وبتعاونه دون أدنى إشارة للمتحكم الفعلي بالأمور وهو ولي العهد محمد بن سلمان، ما يسجل موقفا تركيا غير مباشر تجاهه.
حمل خطاب أردوغان نقاطا مهمة لكونها جاءت على لسان أعلى مستوى الهرم السياسي في تركيا، ولكنه لم يكن خطابا شعبويا كما توقع البعض
النظام السعودي.. من "حفرة" إلى "دحديرة"!
على الجاني أن يدفع الثمن وقد يكون غاليا
التصفية السياسية وتآكل النظام الرسمي العربي