تتزاحم الطروحات
الجديدة حول السبيل الأفضل لتشكيل
الحكومة اللبنانية، التي بلغ عمر مشاورات تأليفها
قرابة خمسة أشهر من دون التوصل إلى صيغة ترضي الأطراف كافة.
وفيما تشير مصادر
تيار المستقبل إلى إحراز تقدم في مسار التأليف، تحدّث مصدر خاص
لـ"
عربي21" مقرب من الزعيم الدرزي وليد جنبلاط بأن العقدة مستمرة
والمراوحة هي نفسها، وأنّ لا بوادر في المدى المنظور لتذليل العقبات.
وفي غمرة
التساؤلات عن مآلات الأمور، ارتفع منسوب "السخونة" في المواقف بين القوات
اللبنانية بزعامة سمير جعجع والحزب الاشتراكي بقيادة جنبلاط من جهة، ورئيس
الجمورية ميشال عون وتياره "الوطني الحر" من جهة ثانية، وسط تلويح عون
بحكومة "أمر واقع" لإنقاذ البلاد من الفراغ الحكومي.
وإزاء هذه النديّة
في المواقف، يحاول
الحريري وتياره "المستقبل" إعادة الروح والأمل إلى
مهمته الدستورية، في الوقت الذي تخرج فيه أصوات سياسية مقربة من حزب الله بين فينة
وأخرى للدعوة إلى تسمية رئيس حكومة آخر بدلا عن الحريري، وكأن في ذلك رسالة تهديد إلى
الأخير.
وتبثّ أوساط
الحريري أجواء إيجابية عن مشاوراته الأخيرة مع القوات والاشتراكي، وتحدّث وزير
الاتصالات والقيادي في تيار المستقبل جمال الجراح عن "إحراز تقدم في عملية
التأليف التي يخوض غمارها الحريري"، لكنه اعتبر في تصريحات لـ"
عربي21" أن "النتائج الإيجابية التي أثمرت عن المشاورات الأخيرة
للرئيس المكلف تحتاج إلى إنضاج أكثر قبل تذليل العقبات"، وأشار إلى أن "الجميع يدرك مدى الحاجة إلى الترفع في
ظل التحديات التي تواجه لبنان".
وتتسلط الأضواء
حول مآلات مؤتمر سيدر1 المخصص لدعم لبنان وفق معايير إصلاحية طلبتها الدول المانحة
من لبنان، من أجل الالتزام بالدعم المالي المقدم لقطاعات اقتصادية وبنى تحتية.
وأكد الجراح أنّ
"الوضع الاقتصادي يعاني أزمة في الوقت الذي تتوفر فيه الحلول من خلال المؤتمر
الداعم للبنان"، داعيا إلى "ضرورة استثمار الفرص المتاحة للبنان للتخلص
من أزماته".
وطرح رئيس
الجمهورية ميشال عون فكرة تشكيل حكومة "الأكثرية" بدلا من حكومة "وحدة
وطنية"، لكنّ تيار المستقبل عارض هذا الخيار شأنه شأن قوى أساسية عدّة، ورأى
الجراح أن "عملية الإنقاذ والخطوات المأمولة نحو التقدم تتطلب مشاركة القوى
كافة، للإسراع في تحقيق الإنجازات وتعزيز فرص النمو الاقتصادي".
طرح
"البديل"
ويربط سياسيون
أزمة التأليف بعوامل داخلية وخارجية، واعتبر الوزير السابق والنائب السني البارز
عبد الرحيم مراد أن "العقد ما زالت على حالها"، متسائلا في تصريحات لـ"
عربي21"
عن مدى "ارتباط عقد التأليف بملفّات خارجية ومنها المحكمة الدولية وغيرها من
الأمور ذات الصلة بلبنان".
وكان سياسيون
معارضون لرئيس الحكومة المكلف سعد الحريري ألمحوا إلى تأخير مقصود من الأخير في
التأليف الحكومي، بغرض الوقوف على نتائج وإفرازات دولية متعلقة بالمحكمة الدولية
وبالحلول المطروحة لإنهاء الصراع في سوريا.
ورأى مراد أن
مشاروات التأليف دخلت في مرحلة أكثر صعوبة، مع عودة "القوات اللبنانية إلى
المطالبة بخمس وزارات بعد التراجع عنها سابقا إلى أربع، وإصرار الحزب الاشتراكي
على حصر التمثيل الدرزي فيه"، مرجحا "التنسيق بين الطرفين في التمسك
بمطالبهما الحكومية".
وتحدث مراد عن
عقدة سنية متعلقة "برفض الرئيس الحريري تمثيل القوى السنية الأخرى من خارج
المستقبل بناء على قناعاته ورؤيته"، منتقدا عدم الأخذ بالاعتبار "وجود
ما نسبته 40 بالمئة من خارج المستقبل في الندوة البرلمانية، ما يتطلب حكما حصولهم
على وزيرين في الحكومة المرتقبة".
وتناولت أطراف
مؤيدة لحزب الله خيارات تكليف رئيس جديد للحكومة بدلا من الحريري للمضي في حكومة
أكثرية، لا بل سمى الوزير السابق وئام وهاب عبد الرحيم مراد كمرشح بديل، لكن مراد
استبعد ذلك، قائلا: "الحريري لن يتراجع عن التأليف، والمجلس النيابي لا يمتلك
صلاحية سحب الثقة عنه، كما أن الإجماع يبدو حاضرا حول شخصه لتولي المسؤولية في
المرحلة الراهنة".
ونبّه مراد إلى أن
اتفاق الطائف الذي أسهم في إنهاء الحرب اللبنانية عام 1991 وبات جزءا من الدستور، قد "نقل جزءا من صلاحيات رئيس الجمهورية إلى مجلس الوزراء مجتمعا، وأدخل
تعديلات تشترط تمثيل كل الطوائف الممثلة بقواها السياسية بعدالة".
أفكار جديدة
وتتجه الأنظار
دوما إلى موقف رئيس مجلس النواب نبيه بري لحسم أرجحية الطروحات الجديدة، وأوضح
النائب في كتلة التنمية والتحرير قاسم هاشم أن "وضع معيار شفاف يسهّل حتما
عملية التأليف ويسدّ الباب أمام التأويلات والاجتهادات"، وعن الطرف المسؤول
في عرقلة التأليف، قال في تصريحات لـ"
عربي21": "كلّ الأطراف تتحمل
وزر التأخير الذي أثر على مختلف القطاعات، غير أن رئيس الحكومة هو المعني الأول، وفق ما ينصّ عليه الدستور لجهة الصلاحيات إلى جانب رئيس الجمهورية".
وفيما يخصّ
الخيارات المتاحة لإنقاذ عملية التشكيل الوزاري، شدّد هاشم أنّ "الخيار
الأنسب هو حكومة تجمع مختلف الأطياف السياسية، على اعتبار أن الاتجاه إلى التأليف
الأكثري ليس متاحا أو ممكنا في مثل هذه الظروف التي يمر بها البلد"، مشيرا إلى
أن "العوامل غير متاحة لتطبيق المعيار الديمقراطي السليم، بأن تناط عملية
التشكيل الحكومي للأغلبية على أن يكون بمقابلها معارضة تراقب وتنتقد أداءها".
وأضاف: "يحتلّ
ملف تشكيل الحكومة الموقع الأول في أوليات لبنان في ظل التحديات الداخلية
والخارجية التي يتأثر بها بشكل غير مباشر".