تعرضت الصحافة المكتوبة في لبنان إلى نزيف جديد بإعلان دار الصياد وهي أحد أبرز دور النشر العربية عن نيتها التوقف بشكل كامل عن إصدار مطبوعاتها كافة بعد 75 عاما من العمل الصحفي المتعدد من خلال العديد من المطبوعات.
ومن أبرز تلك الصحف: "(الشبكة) المعنية بمتابعة الأخبار الفنية- (الصياد) سياسية عامة- (فيروز) المعنية بأخبار المرأة- (الفارس) التي تلامس اهتمامات الرجل العربي- (الإداري) المختصة في مجال الأعمال- (الدفاع العربي) المعنية بالشؤون العسكرية، إضافة إلى (الأنوار) اليومية السياسية".
وأسس دار الصياد الصحفي سعيد فريحة عام 1943 حيث أسهم مع العديد من الناشرين اللبنانيين فيما يسمى بنهضة الصحافة في لبنان.
وتلقت الصحافة اللبنانية صدمة كبرى ثانية خلال عامين، إثر توقف صحيفة السفير -التي تعدّ أبرز صحيفة يومية في لبنان إلى جانب النهار- عن الصدور عام 2016، خاتمة مسيرة حافلة عمرها أربعة عقود.
وبرّر الكاتب اللبناني وصاحب السفير طلال سلمان سبب التوقف عن إصدار السفير إلى تراكم الديون والعجز المالي، وتطابقت الأسباب نفسها مع "الصياد"، حيث قالت المديرة العامة للدار إلهام فريحة إنّ "القرار اتخذ منذ سنتين بالتوقف في الوقت المناسب، ولأن عوامل الاستمرار غير متوفرة في ظل اتجاه القراء نحو الإعلام الإلكتروني".
تقهقر الصحافة
وتبرز مخاوف الصحافيين في لبنان من أن تتوالى عمليات التوقف عن الصدور لما تبقى من صحف، فيما يبدو جليا اتجاه وسائل إعلام مكتوبة إلى المواءمة بين إصدار المطبوعات والنشر عبر الشبكة العنكبوتية، مجانا أو مقابل بدل، كما هي الحال في صحيفة النهار.
ويحمّل رئيس تحرير جريدة اللواء صلاح سلام الدولة اللبنانية مسؤولية هذا التقهقر، وقال: "مسيرة الصحافة تتهاوى بسقوط مؤسسة بعد أخرى على مرأى أعين المسؤولين في الدولة، من دون أن يعاجلوا باتخاذ تدابير لدعم المؤسسات الصحفية".
وأضاف في تصريحات خاصة لـ"عربي21": "الدولة مستقيلة من مسؤولياتها تجاه الصحافة الورقية التي صنعت مجد لبنان في فترة من الفترات، حيث كانت تمثّل صحافة العرب من خلال اعتلائها منبر القضايا الوطنية والقومية في المنطقة العربية، كما ساهمت في مرحلة النهوض العربي خلال مراحل الكفاح من أجل استقلال الشعوب بعد الحرب العالمية الثانية".
ولفت سلام إلى أن "الصحافة تتلقى دائما دعما من حكوماتها في مختلف دول العالم، سواء في المنطقة العربية أو في الدول الديمقراطية"، موضحا: "تمنح الحكومات في مختلف دول العالم تسهيلات للإعلام الورقي كالإعفاءات الضريبية والرسومية والدعم في بعض المواد الأولية وخاصة الورق".
وتوقع سلام استمرار معاناة المؤسسات المطبوعة في لبنان، وقال: "سيف التوقف عن الصدور مسلّط على كل المؤسسات الصحفية اللبنانية وخلال مسافة ليست بالبعيدة، لأن هذه المؤسسات تعود إلى ملكيات شخصيّة، في ظل غياب المال التشغيلي وتعرضها لخسائر كبيرة".
وعن مدى قدرة المال السياسي على التأثير في هذه الأزمة، قال: "الصحف اللبنانية تكاد تكون موزّعة على مختلف مكونات لبنان السياسية والطائفية، وليس هناك مؤسسة صحفية حيادية بالمعنى الدقيق للكلمة، فلكل صحيفة وجهة نظر تدعم خلالها طرفا معينا".
وتحدّث عن صحيفته، قائلا: "نراعي في اللواء حضور آراء جميع القوى السياسية على صفحاتنا، غير أننا نحمل في الوقت عينه موقفا ورأيا وخيارات سياسية خاصة، وهذا ينسحب على الصحف الأخرى"، متسائلا: "هل المال السياسي متوفر حاليا؟ وهو في حال توفره غير قادر على تأمين ميزانية استمرار الصحافة".
المال الخليجي
وعبر رئيس تحرير جريدة الشرق اللبنانية خليل خوري عن أسفه لإغلاق دار الصياد، قائلا: "كانت أول مؤسسة صحفية حوّلت العمل الإعلامي من هواية إلى مهنة بكل معنى الكلمة"، متخوفا في تصريحات لـ"عربي21" على مصير الصحافة في لبنان "في ظل طغيان الإعلام الإلكتروني الذي نجح في خطف الأضواء والقراء من الصحافة الورقية".
وتحدث خوري عن عوامل دعم عدة افتقدتها الصحافة اللبنانية وأبرزها "شح المال الخليجي بعد فترة تدفق لأسباب سياسية وتقنية"، لافتا إلى أن "الصحافيين اللبنانيين ساهموا في تأسيس صحف خليجية خاصة بعد فترة تعويل لهذه الدول على الصحافة اللبنانية".
وتطرق خوري إلى تأسيسه شخصيا لصحيفتي البيان اليومية في دبي والبلاد في البحرين، لافتا إلى أن الدول الخليجية أصبح لديها منابرها الخاصة ولم تعد بحاجة إلى الصحافة اللبنانية.
ورأى خوري أن "الصحف اللبنانية المستمرة في الصدور تقاوم من أجل الاستمرار، وسط غياب الواردات المالية"، مردفا: "هناك شحّ أيضا في المال السياسي الذي يقدم لغايات محدّدة".
وعن محاولات إنقاذ الصحافة من الأفول، قال: "المباحثات حول سبل إنقاذ الإعلام المكتوب بدأها الرئيس السابق للجمهورية ميشال سليمان مع الرئيس الفرنسي ماكرون في إشارة إلى عضوية العلاقة بين لبنان الوطن وصحافته"، آملا أن "تبذل جهود حالية تفضي إلى حلول عملانية لإعادة الروح إلى وسائل إعلامنا الورقية".
حقوق الصحافيين
وبدورها طالبت نقابة المحررين في لبنان بالحفاظ "على حقوق الزملاء والعاملين في دار الصياد"، مشيرة في بيان لها إلى أن "ما حل بهم يندرج في خانة الصرف الكيفي".
ولفتت إلى أنه "من واجب كل المعنيين في قطاع الإعلام على تنوع اختصاصاته، التحرك من أجل إنقاذ الصحافة الورقية وإقالتها من عثارها، ودعمها ماديا ومعنويا لأنها جزء لا يتجزأ من تاريخ لبنان قديمه وحديثه وذاكرته".
أزمة مطار بيروت.. خلاف بين "أجهزة" أم صراع بين "ساسة"؟
هل أصبح سلاح حزب الله مهدّدا بالمحاصرة لبنانيا ودوليا؟
رئيس لبنان يتعرض لحملة من معارضيه.. لماذا؟