وضعت التحولات الدينية
والمجتمعية التي شهدتها
السعودية مؤخرا غالب الاتجاهات
السلفية داخل السعودية
وخارجها أمام معضلات جديدة، فما كانت تعتبره بالأمس القريب حراما مستنكرا بات
بموجب قرارات ولي الأمر هناك أمرا مباحا وسائغا بحسب ناقدين.
ووفقا لمراقبين فإن
غالب علماء السلفية ودعاتها داخل السعودية وخارجها لاذوا بالصمت التام حيال تلك
التحولات والتغييرات التي توصف على نطاق واسع بتشكيلها حالة قطيعة تامة مع نسق
التدين المعروف بصرامته وشدته في السعودية، والتي تحمله الإدارات الأمريكية
المتعاقبة المسؤولية عن إنتاج الفكر الديني المتشدد.
وكما هو حال أكثرية
الاتجاهات السلفية خارج السعودية في صمتها المطبق حيال تلك التحولات، فإن غالب
سلفيي الأردن يتحاشون إبداء رأيهم بشأنها أو التعليق عليها، وهو ما يعرضهم
لانتقادات شديدة من قبل مخالفيهم بحسب الداعية الأردني، أحمد أبو زيد.
وتساءل أبو زيد: ما
الذي يسكت علماء السلفية ودعاتها عن استنكار تلك التحولات الخطيرة، وهم المعروفون
بشدتهم في إنكار المنكرات، والمشهورون بسلاطة ألسنتهم في انتقاد ومهاجمة سائر
الاتجاهات الإسلامية الأخرى؟
وذكر أبو زيد
لـ"
عربي21" أن بعض سلفيي الأردن لا يقفون عند حد السكوت فحسب، بل
يهاجمون كل من يقول إن "
الوهابية كانت جزءا من اللعبة استنادا إلى تصريحات
ولي العهد السعودي التي قال فيها إن دعم بلاده للوهابية كان استجابة لرغبة حلفائهم
الغربيين لمواجهة خطر الاتحاد السوفيتي إبان الحرب الباردة".
وأضاف: "لكن يوجد
سلفيون في الأردن وخارجه كارهون لتلك التحولات، ويرونها خروجا عن المنهج السلفي
المعروف، إلا أنهم يتحاشون التعبير عن رأيهم علانية، إيثارا للسلامة".
من جانبه رأى الداعية
الإسلامي، عبد الفتاح عمر أن "طبيعة التفكير المتأصلة في أوساط السلفيين،
والتي تتعامل مع الأنظمة السياسية باعتبارهم أولياء أمر شرعيين، تحملهم على تقبل
كل ما يصدر منهم من قرارات، أو ما يتخذونه من سياسات، ويجب السمع لهم وطاعتهم فيها".
وأوضح عمر وهو أحد
تلاميذ الشيخ الألباني القدامى لـ"
عربي21" أن تيار السلفية العلمية،
والممثل الأبرز له في الأردن هو "مركز الإمام الألباني.." عادة ما تكون
مواقفه متوافقة مع سياسات وتوجهات الأنظمة السياسية، وإن وجدوا ما يرونه مخالفات
فإنهم ينتقدونه بلين شديد عبر النصيحة السرية لولي الأمر".
بدوره وبرؤية مغايرة
قال الداعية السلفي، سمير مراد: "إن ما يوصف بالتحولات والتغيرات في السعودية
إما أن يكون سياسيا أو فقهيا، وهو في أغلبه وأكثره مما يجوز لولي الأمر اختيار ما
يراه الأوفق والأصلح تبعا لتحقيق مصلحة البلاد والعباد".
وأضاف
لـ"
عربي21": "من المعروف أن ضغوطا خارجية تمارس على السعودية، حيث
يوصف النمط الديني السائد هناك بالتشدد والغلو، ويتم تحميله بشكل مباشر المسؤولية
عن التطرف والعنف الديني، فلا بأس من اتخاذ التدابير اللازمة لاحتواء تلك الضغوط
والتعامل معها بمرونة".
وتابع مراد حديثه
بالقول: "أما التحولات الفقهية فهي لا تعدو أن تكون مما هو متوسع فيه فقهيا،
إذ المعروف عن فقهاء المملكة إتباعهم – على الأغلب – للفقه الحنبلي"،
متسائلا: "ما المانع من توسيع النظر الفقهي واختيار أقوال فقهية مقررة ومعمول
بها في المذاهب الفقهية الثلاثة الأخرى"؟.
وأرجع الداعية مراد
قرار تقليص صلاحيات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في السعودية إلى وجود
ممارسات غير منضبطة ومسؤولة من قبل بعض رجالاتها وموظفيها اقتضت اتخاذ التدابير
اللازمة، مضيفا أن "إنشاء هيئة
الترفيه لا يلزم منه أن يكون قسيما لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر".
وعما ينتشر في الحفلات
من منكرات كاختلاط الرجال بالنساء، ورقصهن في الأماكن العامة أمام الرجال، أوضح
مراد أن "الاختلاط الممنوع هو الاختلاط المستهتر، أما الاختلاط المحافظ فلا
بأس به كما يحدث في الأسواق والأماكن والمرافق العامة"، مبينا أن المخالفات
الشرعية ينظر إليها على ضوء ما هو مقرر في المذاهب الفقهية المعتبرة، من غير أن
يقال فقه سلفي أو خلفي أو غير ذلك" على حد قوله.
وأنهى مدير مركز
الإمام الشافعي، سمير مراد حديثه بالتأكيد على أن ما "يوصف بالتحولات
والتغييرات التي شهدتها السعودية مؤخرا هي من قبيل التدابير والترتيبات السياسية
التي يجوز لولي الأمر اتخاذ ما يراه محققا للمصلحة العامة، ولا تقدح بحال في
المنهج السلفي المتبع والمتبنى من قبلها".
من جهته بيّن الباحث
في شؤون الحركات الإسلامية، مروان شحادة أن مواقف "سلفيي الأردن من التحولات
والتغييرات السعودية الأخيرة محكومة بتوجهات المدارس السلفية واتجاهاتها المتعددة".
وأوضح
لـ"
عربي21" أن تيار السلفية العلمية كعادته يتشبث برأيه من أن السعودية
هي دولة التوحيد، التي تذود عن حمى الإسلام والشريعة، فيجب السمع والطاعة لولي أمرها الشرعي".
وأضاف: "أما تيار السلفية الحركية أو الإصلاحية فيبدي تحفظاته على تلك
التحولات، وينتقد المخالفات الشرعية المصاحبة لها، ويؤيد الدكتور سفر الحوالي في
نصائحه التي وجهها للنظام السعودي عبر كتابه الأخير "المسلمون والحضارة
الغربية" والذي اعتقل هو وأبناؤه بسببه".
وأردف الباحث في شؤون
الحركات الإسلامية "تيار السلفية
معروف بموقفه الرافض بصرامة للنظام السعودي، قبل تلك التحولات وبعدها، ومن المؤكد أن تلك التغيرات والتوجهات الجديدة
ستعزز موقفه وتزيده صلابة".
وأنهى شحادة حديثه
بالتنويه إلى أن التحولات والتغيرات الدينية التي شهدتها السعودية مؤخرا، ستنعكس
بصورة مباشرة على مختلف السلفيات خارج السعودية، لمركزية السلفية السعودية
بأدواتها النافذة والمؤثرة في مجمل الحالة السلفية على اختلاف مواقعها الجغرافية.