مع انطلاق المؤتمر الاستثنائي لحزب
الأصالة والمعاصرة المغربي (أكبر حزب معارض بالبلاد)، اليوم السبت، ما تزال هوية الأمين العام المقبل للحزب غامضة، خاصة في ظل تأكيد إلياس العماري، الزعيم الحالي للحزب في آخر اجتماع للمكتب السياسي (أعلى هيئة تنفيذية) تشبثه بالاستقالة التي أعلن عنها في وقت سابق.
و"الأصالة والمعاصرة" (يمين)، هو حزب مغربي أسسه فؤاد عالي الهمة الوزير المنتدب السابق لدى وزارة الداخلية عام 2008 (يشغل حاليا منصب مستشار عاهل البلاد الملك محمد السادس).
واكتسح الحزب الانتخابات البلدية (المحلية) 2009، بحوالي 21 بالمئة من المقاعد مقارنة مع 7 بالمائة فقط لحزب العدالة والتنمية (قائد الائتلاف الحكومي الحالي).
صراع على الزعامة
وحتى قبل انطلاق دورة المجلس الوطني اليوم، لم تتضح هوية الأمين العام المنتظر للحزب، لكن بعض التسريبات تؤكد أن حكيم بنشماس، رئيس مجلس المستشارين (الغرفة الثانية بالبرلمان) بات قريبا من قيادة "الجرار" (الرمز الانتخابي للحزب)، حيث يحظى بدعم قوي من مكونات واسعة من المجلس الوطني للحزب (أعلى هيئة تقريرية).
فيما تسعى فاطمة الزهراء المنصوري، عمدة مدينة مراكش (وسط) السابقة، لأن تكون أول امرأة تقود الحزب منذ نشأته، خاصة وأنها تقدم نفسها كونها من الأوائل الذين امتلكوا الجرأة على انتقاد العماري علانية بعد خسارته للانتخابات التشريعية الأخيرة لصالح غريمه السياسي حزب العدالة والتنمية.
وحل "الأصالة والمعاصرة" ثانياً في الانتخابات التشريعية الأخيرة التي جرت في أكتوبر/تشرين الأول 2016 (حصل على 102 مقعدا من أصل 395 مقعداً في مجلس النواب "الغرفة الأولى بالبرلمان")، بعد حزب العدالة والتنمية (125 مقعدا).
عضو المكتب السياسي للحزب، عبد اللطيف وهبي الذي تؤكد معطيات موثوقة أنه سيقدم ترشيحه لمنصب الأمانة العامة، يدافع عن حق الجميع في الترشح.
يقول وهبي: "لقد انتقدنا العماري طيلة سنوات، وواجهناه داخل هياكل الحزب لأنه كان يستفرد بقرارات الحزب وعطل الآليات الديمقراطية.. ليس لكي نعيد نفس التجربة بل لبناء حزب قوي ينافس في المشهد السياسي ولا يقصي مناضليه ونخبه".
ويرفض وهبي "منطق التعيين أو التوافق"، مضيفا أن "الأمانة العامة مفتوحة للجميع لمن تتوفر فيهم شروط الخبرة والكفاءة".
ويشدّد على أن "التدبير الانفرادي أضر الحزب كثيرا وربما هو المسؤول عن هزيمته في الانتخابات التشريعية الماضية ".
القائد الجديد
شباب "الأصالة والمعاصرة" كان لهم دور كبير في النقاش الدائر خلال الأيام الأخيرة حول هوية الأمين العام المقبل للحزب.
وعلى هذا الأساس يقول طارق حضري، عضو المجلس الوطني للحزب، للأناضول، إن "حجم النقاش الداخلي بين مكونات حزب الأصالة والمعاصرة للخروج من نفق استقالة الأمين العام العماري، هو في مستوى الحجم السياسي والانتخابي للحزب حاليا؛ وهو ما يستدعي تفاصيلاً معينة في اختيار قائد الحزب القادم".
وفي خضم النقاش الشبابي لمكونات الحزب، فإن الاسم المطلوب للزعامة يجب أن يملك "حساً تشاركيا يستطيع من خلاله إشراك الوجوه الشابة في تسيير شؤون الحزب مستقبلا.. سياسيا وانتخابيا وفكريا"، بحسب حضري.
ويضيف أنه ينبغي أن تتوفر أيضا في الأمين العام الجديد "الكاريزما الكافية لمواجهة الخصوم السياسيين، وتفعيل دور المعارضة الحكومية التي ينتمي إليها الحزب حاليا، والحفاظ على التوافقات ومكتسبات الحزب داخليا وخارجيا".
الفشل في كسر شوكة الاسلاميين
فشل "الأصالة والمعاصرة" في الحصول على المركز الأول بالانتخابات التشريعية الأخيرة، رغم استخدام الحزب كل الوسائل، والذي اعترفت قيادته في العديد من المناسبات بأنه جاء لمحاربة الإسلاميين (المشاركين في العملية الانتخابية)، مثل إثارة قضايا أخلاقية لأعضاء في "العدالة والتنمية" المنافس.
وتمخض تراجع "الأصالة والمعاصرة"، إلى المركز الثاني في انتخابات 2016 عن تقديم "العماري" استقالته أمام المكتب السياسي لحزبه، ليقر المجلس الوطني للحزب خلال أكتوبر/تشرين الأول 2017، تأجيل البت في الاستقالة، وهو ما خلق نوعا من الصراع داخل الحزب، في ظل مطالبة بعضا من قادته بالموافقة على رحيل العماري وضخ دماء جديدة.
وقال مصطفى السحيمي، أستاذ العلوم السياسية، إن "مرحلة العماري انتهت بالنظر إلى المؤشرات السياسية الواضحة، لعل أبرزها خسارته في الانتخابات التشريعية الماضية، لأن الرهان كان الحصول على المرتبة الأولى وليس الثانية".
واعتبر أن "حكيم بنشماس رئيس مجلس المستشارين، هو الأقرب للظفر بمنصب الأمانة العامة".
عودة للساحة
يراهن "الأصالة والمعاصرة" على قيادة جديدة يعود بها إلى المشهد السياسي، خاصة مع إمكانية استغلال تراجع أسهم حزب التجمع الوطني للأحرار، الذي كان يمثل بديلا للأصالة والمعاصرة، وفق السحيمي.
و"التجمع الوطني للأحرار" (يمين وسط)، المشارك في الائتلاف الحكومي، والمصنف كأحد الأحزاب المقربة من السلطة، يقوده وزير الفلاحة والصيد البحري، عزيز أخنوش، ونجح في استقطاب رجال المال من "الأصالة والمعاصرة"، ومنافسته في معاقله على النفوذ.
ويرى محللون أن "الأصالة والمعاصرة" المعروف اختصارا بـ"البام-PAM"، ترك مكانه لحزب أخنوش في تقليم أظافر حزب العدالة والتنمية الذي أضاف 19 مقعدا في انتخابات 2016، إلى كتلته النيابية بالمقارنة مع انتخابات "الربيع العربي عام 2011".
إلا أنه وبعد "حملة شعبية" لمقاطعة منتجات 3 شركات في السوق المحلية، من بينها إحدى شركات أخنوش، يرى محللون أن هناك إمكانية لعودة حزب الأصالة والمعاصرة بعد تراجع أسهم أخنوش عقب حملة المقاطعة.
وتطال "حملة المقاطعة" غير المسبوقة، التي انطلقت في 20 أبريل/نيسان الماضي، شركة لبيع الوقود يملكها الوزير أخنوش، وأخرى للمياه المعدنية تملكها مريم بنصالح، الرئيسة السابقة للاتحاد العام لمقاولات المغرب (أكبر تجمع لرجال الأعمال)، إضافة إلى شركة فرنسية للحليب ومشتقاته؛ للمطالبة بخفض أسعارها.