نشرت مجلة "
ميتاماغ" الفرنسية تقريرا، سلطت فيه الضوء على تواجد كل من
الجزائر والمغرب في قلب الصراع الإقليمي القائم بين المملكة العربية
السعودية وإيران.
وقالت المجلة، في تقريرها الذي ترجمته "
عربي21"، إن قطع العلاقات الدبلوماسية بين
المغرب وإيران، في شهر أبريل/ نيسان من سنة 2018، يُعد من بين أهم مستجدات الصراع بين السعودية وإيران. فقد زادت هذه الخطوة من تعقيد العلاقات بين المغرب المصطف وراء الرياض، والجزائر التي تسعى إلى الحفاظ على استقلاليتها، وعدم التدخل في نظام التحالف السعودي. ويحظى هذا التحالف المكون أساسا من دول الخليج (باستثناء قطر) بدعم أمريكي مباشر، وآخر إسرائيلي غير مباشر.
وأشارت المجلة إلى إحاطة المملكة العربية السعودية بنقاط ضعفها ضد
إيران، خاصة أنها تُدرك أن شعوبا عديدة تكن مشاعر الكره للعائلة الملكية. كما تعلم هذه الدولة أن شرعيتها التاريخية والدينية مثيرة للجدل، وأنها وإن تمكنت من تولي إدارة الأماكن الإسلامية المقدسة، إلا أن كل الفضل في ذلك يعود إلى الأنجلوسكسونيين.
وذكرت المجلة أنه يجب على السعودية أن تجمع كل "العرب" حولها لضمان تواصلها، وذلك لمواجهة عدوها الفارسي الأزلي. وفي الوقت ذاته، تسعى المملكة إلى الظهور في صورة جديدة عن طريق تمويل حملات إعلانية ضخمة في الصحافة الغربية تروج للحداثة، وتجعل منها دولة منفتحة ومتقدمة ومتسامحة.
ونوهت المجلة بأنه أثناء الحرب في سوريا، شكلت الرياض تحالفا هجوميا ضد "الإرهاب الإيراني"، إلا أن هذه الخطوة انقلبت ضدها، ذلك أن الإرهاب ليس شيعيا بل سنيا. وتجدر الإشارة إلى أن هجمات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001، على غرار الضربات التي استهدفت أوروبا أو روسيا، لم تحمل أي إشارة على التورط الشيعي فيها.
كما يغيب التواجد الشيعي عن المنظمات الإرهابية، مثل تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة وبوكو حرام. وخلافا لذلك، ترتبط هذه النشاطات الإرهابية بفروع للسنة المتشددة، تمُولها أطراف وهابية على علاقة بمجموعة من الأمراء السعوديين.
وبينت المجلة أن المخطط السعودي مر بثلاث مراحل، تمثلت أولها في شن حرب على مليشيات الحوثيين المُقربة من إيران في اليمن. تلاها بعد ذلك عزل دولة قطر، ثم الصراع مع حزب الله اللبناني، الذي وصفه وزير الخارجية البحريني، خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة، "بالخطر المهدد للأمن القومي العربي".
وتمتلك كل من السعودية وإسرائيل العدو ذاته (الإيراني) الحليف ذاته (الأمريكي) أيضا، المهووس هو الآخر "بالخطر" الإيراني. واشترك هذا الثلاثي في مساعي تطويق إيران. ومع ذلك، فشلت محاولات هذه الدول في سوريا، حيث لم تنجح في الإطاحة بالنظام (حليف طهران) فحسب، بل تسببت جملة الأحداث التي وقعت على الأراضي السورية في إفساد علاقتها بالشريك التركي. وهكذا، دفعت الواقعية السياسية بتركيا إلى الاقتراب من روسيا، وبالتالي من إيران.
وأفادت المجلة بأنه في العالم "العربي"، ووفاء للسياسة الاستقلالية التي لطالما تبنتها، تحتفظ الجزائر بحيادها وعلاقاتها الجيدة مع عدد هام من البلدان، بما في ذلك إيران وسوريا. وفي فترة معينة، ربطت الجزائر علاقات مع روسيا، وأسست لتقارب مع تركيا. ولكن، استجد في ذلك الوقت حدث خطير كادت تكون عواقبه كارثية، تمثل في "تسليم أسلحة" حزب الله اللبناني المتحالف مع إيران، إلى جبهة البوليساريو المرتبطة بالمصالح الجزائرية.
لقد كان لمثل هذا الحدث (سواء كان واقعا أو مجرد افتراضا) صدى قوي في المغرب، المهتم كثيرا بقضية الصحراء الكبرى. ويجدر التساؤل عند هذا المستوى عما إذا كان هدف المصالح الإيرانية من وراء تزويد جبهة البوليساريو بالسلاح متمثلا في إثبات قدرتها المتواصلة على التدخل في الأقاليم الصحراوية الخاضعة لسيطرة هذه الجبهة، في حال استمر المغرب في الانحياز إلى الرياض.
وأضافت المجلة أنه في حال ثبُتت عملية التسليم من عدمها، فإنها تُبين أن المغرب مجبر على الاصطفاف، بشكل نسبي، وراء الولايات المتحدة والسعودية لمواجهة تهديد الجزائر وجبهة البوليساريو للأقاليم الصحراوية. أما بالنسبة للجزائر، وعلى الرغم من الدعم الذي قدمته لها منذ تكونها، فهي ليست بمنأى من تلقي استفزازات من طرف جبهة البوليساريو.
من الممكن أن يُؤدي المشهد السياسي العالمي في الفترة الحالية إلى إدراك الجزائر أن اتفاقها مع الرباط سيكون أفضل لها من مساندتها لجبهة البوليساريو. ويبدو أن هذه الجبهة تبحث عن داعمين جدد، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى تراجع النفوذ الذي تفرضه العاصمة الجزائرية عليها مستقبلا. وقد يكون هذا التسليم عذرا جيدا لوقف نشاط هذه الحركة، التي بدأت علاقاتها بالمافيا تُثير مشاكل عديدة في جميع المناطق الصحراوية.
وفي الختام، قالت المجلة إن مثل هذا الاتفاق سيخدم مصالح كلا البلدين. فقد يتمكن المغرب، الذي لن يخشى من هنا فصاعدا من الصراع مع الجزائر، من تقليص تبعيته للولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية. كما سيسمح هذا الاتفاق للجزائر بتعزيز حيادها واستقلاليتها، ما قد ينتج عنه تحديد سياسة مغاربية مشتركة.