صحافة دولية

مقال بنيويورك تايمز: لماذا خرجتُ بمظاهرة سلمية في غزة؟

تظاهر عشرات الآلاف من الفلسطينيين على حدود قطاع غزة خلال الأسابيع الماضية- عربي21

نشرت صحيفة "نيويورك تايمز"، مقالا للمدير العام للاتحاد العام للمراكز الثقافية في غزة، فادي أبو شمالة، يتحدث عن مسيرة العودة في غزة والتظاهرات على الحدود مع غزة.

 

وقال أبو شمالة إن "مسيرة العودة الكبرى هي الاسم الذي تم منحه 45 يوما من الاحتجاجات المتواصلة على طول الحدود بين غزة وإسرائيل، بدأ يوم 30 آذار/ مارس، يوم الأرض، الذي يحيي ذكرى مقتل ستة فلسطينيين داخل إسرائيل عام 1976 كانوا يحتجون على مصادرة الأراضي، وانتهى في 15 مايو ، في الذكرى السبعين للنكبة، وهي التي تم خلالها تشريد وتهجير جماعي للفلسطينيين خلال حرب عام 1948، والتي أدت لخلق إسرائيل".


وأشار إلى حوار له مع ابنه الذي سأله: "هل يمكنني أن آتي معك؟" والذي رد عليه إن "المكان خطر عليك جدا، حيث إن التحذيرات الإسرائيلية كانت تشير إلى أن هناك خطرا محدقا بالمظاهرة السلمية واحتمالية أن يطلقوا عليك النار من أي قناصة وارد جدا". ليبادر بالضغط مجددا: "إذا كنت تعلم أنك قد تقتل، فلماذا أنت ذاهب؟".


وأضاف: "بقي سؤاله معي عندما ذهبت إلى المعسكر الحدودي شرقي خان يونس، جنوب مدينة غزة حيث أعيش، وبقي معي في الأيام التالية. أنا رجل أعتز بحياتي، فأنا أب لثلاثة أطفال "علي، وكرم، وآدم"، وأنا متزوج من امرأة هي بالنسبة لي روحي".

 

وأشار إلى أنه "تأكدت مخاوفي، فقد قتل 39 متظاهرا منذ بدء المسيرة، والعديد منهم بنيران قناصات إسرائيلية، بمن فيهم طفل في الخامسة عشرة من العمر قتل الأسبوع الماضي، وطفلان آخران قتلا في السادس من نيسان/ أبريل، وتحتجز إسرائيل جثتين منهم، وترفض إعادتهم إلى ذويهم".


"الآلاف من الجرحى، تم استهداف عدد من الصحفيين 13 منهم تم إطلاق النار عليهم منذ بدء الاحتجاجات، من ضمنهم ياسر مرتجى، وهو مصور يبلغ من العمر 30 عاما، وأحمد أبو حسين 25 عاما، الذي توفى يوم الأربعاء متأثرا بجراحه"، كما يقول أبو شمالة.


وطرح تساؤلا: "لماذا أرغب في المخاطرة بحياتي بالانضمام إلى مسيرة العودة الكبرى؟"


وقال إن "هناك عدة إجابات لسؤال علي، إنني أؤمن تماما بأساليب المسيرة التي تقوم على العمل الجماعي غير المسلح، وتقاد من قبل المدنيين. كما ألهمني كيف تم توحيد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة المنهك سياسيا، كما أن المسيرة هي الطريقة الفعالة التي يمكن أن تبرز الظروف المعيشية التي لا تطاق، والتي يعيشها حاليا سكان قطاع غزة: أربع ساعات من الكهرباء فقط يوميا، الإهانة المتمثلة بجعل اقتصادنا وحدودنا تحت الحصار، الخوف من تعرض منازلنا للقصف في أي لحظة".


وقال إن "السبب الأساسي الذي أشارك فيه هو أنه بعد سنوات من الآن، أريد أن أكون قادرا على النظر إلى علي وكرم وآدم في عيونهم، وأقول لهم: "كان والدكم جزءا من هذا النضال التاريخي السلمي من أجل وطننا".


وأضاف: "ركزت تغطية وسائل الإعلام الغربية لمسيرة العودة الكبرى على صور الشباب الذين يقذفون الحجارة ويحرقون الإطارات، والذي يعده الجيش الإسرائيلي ويصوره على أنه عمل استفزازي مسير من قبل حماس، وهو ادعاء قبله العديد من المحللين بشكل أعمى. هذه التصورات كلها تتناقض بشكل مباشر مع تجربتي على الأرض".

 

اقرأ أيضاالهباش يهاجم مسيرة العودة وحماس ورافضي "الوطني" (شاهد)

وقال إنه "على الحدود لم أر أي علم لحركة حماس، أو راية فتح أو ملصق للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ولكن ما شهدته في كل مسيرة كان علما واحدا فقط، وهو العلم الفلسطيني".


وتابع: "صحيح أن أعضاء حماس يشاركون في المسيرة؛ لأنهم جزء من المجتمع الفلسطيني، لكن تلك المشاركة ربما تشير إلى أنها قد تتحول عن الإصرار إلى تحرير فلسطين بالسلاح والوسائل العسكرية، وتبدأ باحتضان الاحتجاج المدني الشعبي غير المسلح، لكن مسيرة العودة الكبرى ليست حركة حماس، إنها تمثلنا نحن. وكان عملنا أكثر بكثير من حرق إطارات أو شبان يرمون الحجارة على الجنود المتمركزين على بعد مئات الأمتار".


وأضاف أن "المقاومة في المعسكرات كانت جميلة ومبتكرة، حيث رقصنا الدبكة، وتذوقنا عينات مختلفة من الأطعمة التقليدية، كالمسخن والمفتول، وغنينا الأغاني التقليدية مع زملائنا المحتجين، وجالست شيوخا كانوا يسردون حكايات حول حياة ما قبل عام 1948 في قراهم ومواطنهم الأصلية".


وقال: "نحن نتظاهر، بكل وضوح وبصوت عال وبكل سلام، نحن موجودون وسنبقى، نحن بشر نستحق العيش بكرامة، لدنيا الحق في العودة إلى أوطاننا، أنا أتوق إلى النوم تحت أشجار الزيتون في بيت داراس، قريتي الأصلية، أريد أن يرى علي وكرم وآدم المسجد الذي صلى فيه جدي، أريد أن أعيش بسلام في بيتي القديم مع جميع جيراني، سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين، أو يهود أو ملحدين.


لقد عاش الناس في غزة مأساة تلو الأخرى: موجات من النزوح الجماعي، الحياة في مخيمات اللاجئين القذرة، اقتصاد مقيد، تقييد الوصول إلى مياه الصيد، حصار وخنق وثلاث حروب في السنوات التسع الماضية، افترضت إسرائيل أنه بمجرد أن يموت الجيل الذي عاش النكبة فإن الشباب سيتخلى عن الحلم بالعودة".


وأشار أبو شمالة إلى اعتقاده أن "هذا جزء من السبب الذي يجعل إسرائيل تجر غزة إلى حافة الانهيار الإنساني، فباعتقادها أنها إذا خفضت حياتنا إلى كفاح يومي من أجل الغذاء والماء والدواء والكهرباء، فلن نكون قادرين على التفكير في طموحات أكبر، ولكن هذه المسيرة تثبت أن جيلي لا ينوي التخلي عن أحلام شعبنا".


وختم بقوله: "لقد أشعلت مسيرة العودة الكبرى تفاؤلي، لكنني أيضا واقعي، فالمسيرة وحدها لن تنهي الحصار والاحتلال، وتتصدى لخلل توازن القوى الهائل القائم بين إسرائيل والفلسطينيين، أو تقوم على تصحيح الأخطاء التاريخية".