أثار تصريح وزير الداخلية الألماني بالحكومة الجديدة هورست زيهوفر جدلا كبيرا في البلاد عقب تصريحه بأن "الإسلام لا ينتمي إلى ألمانيا"، وهو الأمر الذي لاقى ردود فعل جلها رافضة، أبرزهم كانت المستشارة أنجيلا ميركل وغالبية القوى السياسية بالإضافة للجالية المسلمة.
وردا على ذلك قالت ميركل: "إن هناك أربعة ملايين مسلم يعيشون في ألمانيا حاليا، وهؤلاء المسلمون هم جزء من البلاد، وكذلك دينهم الإسلامي".
وأضافت خلال مؤتمر صحفي ببرلين: "يتعين علينا بذل كافة الجهود لصياغة حياة مشتركة على نحو جيد بين الأديان".
كما رفض ساسة من الحزب المسيحي الديمقراطي والاشتراكي الديمقراطي والخضر واليسار، تصريح زعيم الحزب المسيحي الاجتماعي البافاري زيهوفر، معتبرين بأنه يعد نوعا من المداهنة لأنصار حزب البديل اليمني المتطرف.
فقد صرح رئيس حكومة ولاية سكسونيا السفلى الألمانية، شتيفان فايل، المحسوب على الحزب الاشتراكي الديمقراطي بأن المسلمين المقيمين في ألمانيا هم جزء منها، والأمر يشمل عقيدتهم أيضا.
وقالت الأمينة العامة للحزب المسيحي الديمقراطي، أنغريت كارنباور في تصريح صحفي: إن "حرية العقيدة على أساس الدستور جزء من ألمانيا بلا شك، تماما مثلما يعد المسلمون في ألمانيا بعقيدتهم الإسلام جزءا من بلدنا".
كما اعتبرت خبيرة الشؤون الدينية في الكتلة البرلمانية لحزب اليسار، كريستينه بوخهولتس، تصريحات زيهوفر "تنازلاً يصب في صالح حزب البديل الشعبوي".
من جانب آخر قال رئيس الكتلة البرلمانية للبديل الألماني في برلمان ولاية سكسونيا أنهالت أندري بوغنبورغ: "إن تصريح زيهوفر يعد رسالة جوهرية، ويؤكد صحة موقفنا بأن المسلمين المندمجين جزء من ألمانيا بخلاف دينهم".
ودافعت وزيرة الزراعة الألمانية المنتمية لحزب ميركل المسيحي الديمقراطي يوليا كلوكنر عن زيهوفر، داعية إلى التفريق بين انتماء المسلمين والإسلام لألمانيا.
وكان وزير الداخلية الألماني هورست زيهوفر قد صرح بأن "الإسلام ليس جزءا من ألمانيا، وأن المسيحية تميز البلاد".
وأضاف في تصريحات لصحيفة "بيلد" الألمانية واسعة الانتشار أن "المسلمين الذين يعيشون لدينا جزء من ألمانيا, ولكن هذا لا يعني بالطبع أننا نتخلى عن تقاليدنا وعاداتنا المميزة لبلدنا من منطلق مراعاة خاطئة".
وقالت الناشطة الألمانية كريستين شردير: "إن موقف زيهوفر معروف والتصريح ليس جديدا, وهذا هو نتيجة التحريض السياسي والإعلامي, والصمت على الاعتداءات التي طالت الكثير من المسلمين وهذا الأمر أسوأ من التصريح ذاته" .
وأضافت لـ"عربي21" أن "صدور تصريح إيجابي من قبل ميركل بعد ساعات من التصريح السلبي لزيهوفر يعد نوعا من السياسة، وأن التطبيق باعتبار الإسلام والمسلمين جزءا من ألمانيا مفقود على الأرض".
سياق انتخابي
بدوره انتقد الأمين العام للمجلس المركزي للمسلمين في ألمانيا عبد الصمد اليزيدي تصريحات زيهوفر، معتبرا إياها بأنها "تأتي في سياق الحملة الانتخابية المقررة في أواخر العام الحالي بولاية بفاريا، والتي يسعى من خلالها حزب الوزير الذي يترأسه منافسة حزب البديل الشعبوي على حساب المسلمين".
وأضاف لـ"عربي21": "هذه التصريحات نعتبرها خارج السياق فالإسلام والمسلمون هم جزء من ألمانيا، كما تؤكد ذلك المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل وهم جزء من حاضر ومستقبل هذا البلد".
وحول اعتبار المسلمين جزءا من ألمانيا في حين أن دينهم لا ينتمي للبلد، أوضح اليزيدي بأن في هذا تناقض وغموض، فإذا كان المسلمون جزءا من ألمانيا فدينهم كذلك، والإسلام كغيره دين سماوي، فهو لا ينتمي للبد فحسب بل يتجاوز ذلك.
وطالب اليزيدي وزير الداخلية بأن يقدم خارطة طريق لحماية حرية الاعتقاد في ألمانيا، لاسيما في ظل تزايد الاعتداءات على المسلمين ومساجدهم، وتهديد مسؤولين في الجالية كما حدث مع رئيس المجلس الأعلى للمسلمين أيمن مزيك.
وحذر اليزيدي من أن العنصرية ضد المسلمين والأجانب بشكل عام يمكن أن تؤدي إلى عودة ألمانيا إلى مرحلة ظلامية ما قبل الحرب العالمية الثانية, وهو ما يسعى إليه اليمين المتطرف.
وقال رئيس هيئة العلماء والدعاة بألمانيا عامر طه: "من شأن هذا التصريح أن يعيدنا لجدل نحن في غنى عنه، بعد أن بُذلت جهود كبيرة من أجل تحقيق مواطنة حقيقية دون تفرقة بين المواطنين على أساس ديني أو عرقي، واحترام الخصوصيات الدينية والثقافية لمكونات المجتمع الألماني".
وأضاف لـ"عربي21" "بأن تلك المواقف تغذي الأحزاب المتطرفة التي تتخذ من كراهيتها للأجانب عامة والمسلمين خاصة مواقف عدائية، مما يجعلهم يتخذون المسلمين كفزَّاعة للوصول للناخبين، وهو أمر ينعكس سلبا على الجالية المسلمة هنا".
ولفت عامر إلى أن مسلمي ألمانيا يواجهون أياما ليست سهلة، ولتلك التصريحات تداعياتها في ملفات عديدة، ولكن في الوقت نفسه فالموقف الرسمي للدولة ملتزم بخطاب معتدل وجيد تجاه مواطنيها، وهناك العديد من الأحزاب والنخب التي ترفض المواقف الإقصائية.
ودعا مسلمي ألمانيا إلى أن يكون لهم حضور في كافة المجالات داخل المجتمع لمواصلة الدفاع عن حقوقهم، من أجل تحقيق المساواة في المواطنة والعمل على محاصرة تيارات الكراهية، وترسيخ السلام الاجتماعي.
يذكر بأن عدد المسلمين في ألمانيا يبلغ 4.7 ملايين بحسب إحصائيات رسمية.
ترجمة تصريح ميركل
"هناك أيضا أربعة ملايين مسلم يعيشون في ألمانيا حاليا، هؤلاء المسلمون جزء من ألمانيا أيضا، وكذلك ديانتهم - الإسلام - جزء أيضا من ألمانيا يتعين علينا بذل كافة الجهود لصياغة حياة مشتركة على نحو جيد بين الأديان".
صفقة وشيكة برعاية ألمانية بين حماس وإسرائيل.. ماذا عن مصر؟
هل ستتمكن تركيا من الوصول إلى مبتغاها مع أمريكا وألمانيا؟