في أواخر شهر شباط/ فبراير الماضي، أصدر الملك السعودي سلمان بن عبدالعزيز مجموعة من الأوامر الملكية التي أحدثت تغييرات في عدد من القطاعات على المستوى الداخلي كان أبرزها التغييرات التي طالت وزارة الدفاع والقوات المسلحة
السعودية.
وكعادتها، جاءت هذه القرارات غامضة من حيث الدوافع والتوقيت، ولم توضح المراسيم أسباب التغييرات أو النتائج المتوخاة منها.
وبموجب القرارات الملكيّة، تمت إقالة رئيس هيئة الأركان العامة، وكذلك إقالة قائد قوات الدفاع الجوي، وإعفاء قائد القوات البرية من منصبه، وتعيينه قائدا للقوات المشتركة.
وشملت التغييرات أيضا تعيين شخصيات جديدة لهذه المناصب، تمّ تعيين نائب جديد لرئيس هيئة الأركان وقائد جديد لقوة الصواريخ الاستراتيجية.
وشملت المراسيم الملكية كذلك تبني استراتيجية جديدة لإعادة هيكلة وزارة الدفاع ضمن ما يسمى وثيقة تطوير وزارة الدفاع، وذلك بهدف تحسين التنظيم الإداري ورفع كفاءة القوات المسلحة، وفق زعم البعض.
وفي هذا الصدد، نُقِلَ عن الحكومة السعودية قولها إن "هذه التعيينات هي جزء من حركة تبديل روتينية ضمن خطة تطوير وزارة الدفاع".
وأثارت هذه القرارات زوبعة من التكهنات بين الخبراء والمحللين، إذ ذكر بعضهم أنّها ترتبط بشكل مباشر بالحملة العسكرية التي تشنها السعودية ضد المليشيات الحوثية في اليمن منذ ثلاث سنوات.
وفق هذه الشريحة من المحللين، فإن مبررات ربط التغييرات بالحملة على اليمن، مردّها الفشل في تحقيق الأهداف المرجوّة، إذ إن الحملة العسكرية لم تأت بأي جديد، وإنما استنفذت قدرات السعودية العسكرية، واستنزفت مواردها المالية بعشرات إن لم نقل مئات المليارات من الدولارات دون جدوى.
زد على ذلك أن تدهورت سمعة المملكة، لا سيما إثر الانتهاكات الواسعة التي ارتكبت ضد المدنيين بسبب غياب عامل الكفاءة لدى القوات المسلحة في الغالب.
البعض الآخر ربط هذه التغييرات بزيارة ولي العهد
محمد بن سلمان إلى المملكة المتّحدة. هذه الشريحة بالتحديد تركّز على عامل التوقيت، وترى أن التغييرات صُمّمت بطريقة تمهد لزيارة الأمير محمد بن سلمان لبريطانيا وتخلق أجواء إيجابية تسلط الضوء على ما يسميه مؤيدو النظام السعودي مناخ الإصلاح والتغيير، علّ ذلك يساعد ولي العهد على إحداث خرق في حاجز الاعتراضات على استقباله.
شخصيا، لا أعتقد أنّ هناك حاجة للبحث عن مبررات منطقية عندما يتعلق الأمر بقرارات سعودية، فآلية اتخاذ وصناعة وتنفيذ القرارات في المملكة غالبا ما تكون منفصلة عن الأخذ بالأسباب، وتاليا بعيدة عن المنطق.
وإذا ما أضفنا إلى ذلك غياب الشفافية، فإن التحليل استنادا إلى معطيات واقعية سيكون مجرد ضرب بالمندل كما يقال، الأمر الذي يفسر دوما كمية التكهنات الواسعة والمتضاربة المتعلقة بتفسير أي قرار يصدر عن القيادة السعودية في أي من المجالات، لا سيما الداخلية منها.
وإن كانت آلية التفسير المنطقية ضرورية بالنسبة للمحلل، فالغالب وفق تقديري أن هذه القرارات ليست متعلقة بشكل أساسي بأي من العنصرين أعلاه بقدر تعلّقها برغبة ولي العهد السعودي في تثبيت سلطاته وتوسيع دائرة نفوذه في النظام القائم وخلق شبكة ولاءات جديدة داخل الهيئات السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية في المملكة لتكون خاضعة له بشكل كامل، وتابعة له لاحقا.
ويتضمن هذا دون شك "تنظيف" المناطق الحساسة في هذه القطاعات من الحرس القديم إن صح التعبير. لا يتعارض ذلك بالضرورة مع العنصر الأول المذكور في المقال، لكن من غير المتوقع أن تؤدي هذه التغييرات إلى تحسين أداء القوات المسلحة السعودية أو كفاءتها القتالية، وذلك لأن المشكلة أعمق من أن تكون مرتبطة بمجرد قيادات.