كشف تحليل نشرته صحيفة "أوبزيرفر" وأعده مراسلها مارتن شولوف، حجم التورط الروسي في سوريا.
ويبرز الكاتب في بداية تحليله، الذي ترجمته "عربي21"، شهادات لبعض المقيمين في الغوطة الشرقية، التي تعرضت لقصف مكثف منذ الأسبوع الماضي شارك فيه الطيران الروسي.
وتنقل الصحيفة عن عارف عثمان، قوله: "نظرا لكثافة القصف وتواصله كان من المفترض أننا استسلمنا"، ويضيف: "كلما ازداد تشبثنا بموقفنا ازداد كبر القنابل التي يقصفوننا بها، وازدادت حدة الغارات الجوية التي يشنها الروس".
ويقول شولوف إن "القصف بالنسبة لسكان الغوطة، البالغ عددهم 400 ألف شخص يعيشون في الغوطة الشرقية، هو الكابوس الذي يتخطى أي مخاوف أخرى؛ لأن القصف عشوائي، وقد يحل في أي مكان فيقتل من يقتل ويصيب من يصيب".
ويرى الكاتب أن "استعادة الغوطة هي حجر الزاوية بالنسبة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظام الأسد لتأمين العاصمة دمشق، وبالتالي الانتصار في الحرب الأهلية، مع أن المراقبين في الخارج سواء كانوا-أعداء وأصدقاء- يعتقدون أنهما أساءا تقدير الوضع".
ويشير شولوف إلى أنه "بعد 18 شهرا من التدخل الروسي لإنقاذ بشار الأسد، في الوقت الذي كان فيه مسلحو المعارضة على أبواب معقل الأسد في اللاذقية وطرطوس، لم يكن واضحا إلى أي حد ستتورط روسيا في المستنقع السوري، وكيف ستستثمر الموقف في واحد من أخطر الصراعات في العالم".
ويجد الكاتب أنه "رغم أن الأسد لم يعد في خطر، ولا يواجه منظور الانهيار، فإن البلاد لم تعد أبدا البلاد ذاتها التي اعتاد أن يحكمها، فإن السلطة المركزية التي تتحكم في دولة بوليسية لم تعد بالقوة والسيطرة ذاتهما؛ لعدة أسباب أولها المعارضة المسلحة، وثانيها اللاعبون الإقليميون الذين أصبح لهم نفوذ كبير داخل البلاد، ويسعون لاستثمار الفرصة والدفاع عن مصالحهم في حقبة ما بعد الحرب".
ويقول شولوف إن "بوتين تحديدا يتعلم الآن أن سوريا في شكلها الحالي غير قابلة للحكم، فإعلانه النصر في كانون الأول/ ديسمبر في قاعدة عسكرية روسية في سوريا، تبعته سلسلة من الأحداث المثيرة، التي دفعت روسيا أكثر في مستنقع الحرب، وكشفت التطورات عن اعتماد الأسد المطلق على الدعم الخارجي -الجماعات الوكيلة- للحفاظ على مناطقه، وتحقيق مكاسب جديدة".
ويعتقد الكاتب أن "تصريحات بوتين نهاية العام الماضي تحمل علامات البيان المتعجل الذي قدمه الرئيس جورج دبليو بوش بعد غزو العراق كلها، حيث ظهر في عام 2003 على متن بارجة أبرام لينكولن وخلفه يافطة (المهمة أنجزت)، وكشف الرئيس السابق، الذي حاول إظهار القوة العسكرية الأمريكية، عن حدود السلطة الدبلوماسية".
وينقل شولوف عن الدبلوماسي السابق بسام باربندي، الذي انشق عن النظام منتصف عام 2013، قوله إن إيران هي المستفيدة في هذا كله، ويضيف: "لقد حققت ما تريد دون صوت، وتراقب إيران بمتعة النزاع الأمريكي الروسي ليجعل روسيا أكثر اعتمادا عليها للنجاة"، مشيرا إلى أن المواجهة بين الولايات المتحدة والمرتزقة الذين أرسلتهم روسيا إلى سوريا جرى التكتم عليها في موسكو، التي كانت ستسارع في ظروف مختلفة للشكوى لو قامت دولة منافسة لها بقتل 200 من مواطنيها.
ويذهب الكاتب إلى أن "اعتراف بوتين في هذه الحالة بالذين قتلوا سيناقض زعمه بتحقيق النصر، بالإضافة إلى أن اعتراف النظام الروسي بأن هؤلاء كانوا يزحفون نحو حقل نفط تسيطر عليه قوات كردية موالية للولايات المتحدة يصعب على موسكو تسويقه للرأي العام، خاصة أن الرواية الرسمية عن التدخل الروسي تقوم على تأمين سوريا، ومحاربة الإرهاب، ومواجهة الهيمنة الأمريكية".
وتفيد الصحيفة بأن مسؤولي المخابرات الأمريكية يعتقدون أن الشركة التي قامت بتجنيد الروس هي شركة "فاغنر"، ويديرها حليف بوتين يفجيني بريغوزين، مشيرة إلى أنه بالإضافة إلى التنافس الأمريكي الروسي على شرق سوريا فإن إيران، التي ساعدت موسكو على هزيمة معارضي الأسد، لديها اهتماماتها في المنطقة.
ويلفت شولوف إلى أن روسيا اشتكت للأتراك بأن أهداف الإيرانيين على تضاد معهم بشكل متزايد، ويقول دبلوماسي تركي لصحيفة "أوبزيرفر" إن موسكو تشعر بالتهديد من خلال تصميم إيران على بناء قوات أمن دولة في دمشق على شكل الحرس الثوري، الذي يعد المؤسسة الأقوى في إيران خلال الأربعين عاما الماضية، ويتساءل الدبلوماسي: "لكن كيف يمكن وقفهم؟"، ويقول إن "بوتين لن يحقق ما يريد هنا، ولهذا نراهم (الروس) منزعجين".
وتبين الصحيفة أن بوتين بدأ منذ منتصف عام 2016، بجلب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى تحالف مع إيران، يهدف إلى إنهاء الحرب بناء على شروط محبذة للأسد، لافتة إلى أن التحالف كان بمثابة ناقوس الموت للمعارضة التي دعمتها تركيا في الشمال.
وينوه الكاتب إلى أن التحالف الثلاثي ظهر في قمة سوتشي، التي عقدت في تشرين الثاني/ نوفمبر، التي كان من المفترض أن تعلن عن نصر دبلوماسي فشل به الآخرون، وهمش محاولات الأمم المتحدة الساكنة.
ويعلق شولوف قائلا إنها "كانت قمة فاشلة ومحرجة انهارت بعدها الدبلوماسية، وفتحت الطريق أمام العنف، الذي وصل إلى درجاته القصوى في إدلب والغوطة الشرقية، وعادت تركيا وشكلت مشاركتها في الحرب، بعيدا عن مطلب رحيل الأسد، ومواجهة الخطر الكردي على حدودها مع سوريا، وأرسلت مليشيات موالية لها في الشهر الماضي للسيطرة على بلدة عفرين، وسمح الأكراد للقوات الموالية للأسد بدخولها لمواجهة تركيا".
وتذكر الصحيفة أن الموقف الروسي من هذه التطورات لم يتضح بعد، ويقول باربندي: "قالت روسيا دائما إنها لا تمارس نفوذا على الأسد كما يعتقد العالم، وهذا صحيح"، ويضيف أن "إيران لديها تأثير أكبر على الأسد، وبعبارات بسيطة، جاءت إيران لتبقى في سوريا، ولمواجهة الولايات المتحدة عبر تهديد إسرائيل، وستكون سوريا مسرح المعركة القادمة بين حزب الله وإيران من جهة وإسرائيل من جهة أخرى".
ويتابع باربندي قائلا إن "إيران سعيدة بأن تقود روسيا الأمور في سوريا في وقت تقوم فيه بتقويه الجماعات الموالية لها دون تشويش عليها، ولا توجد ثقة بين الأطراف، وما نراه هو عقود مؤقتة قد تتغير في أي وقت، وما يجمع بينها هو الرغبة في إخراج الولايات المتحدة من سوريا".
ويختم الكاتب تحليله بالقول إن "روسيا تأمل بأن تكون سوريا مركز انطلاق لها وبناء قوتها الجديدة في المنطقة، وتأمين الأسد، وأن يكون لها دور مهم في تشكيل نظام المنطقة".
وول ستريت: هل باتت المواجهة الإسرائيلية الإيرانية محتومة؟
أوبزيرفر: هكذا خذل الغرب سوريا.. ما هو دور أمريكا؟
صحيفة أمريكية: قواتنا تسيطر على ربع تراب سوريا.. ماذا بعد؟