في قسم الطلاب
كان الأستاذ عمر يلح عليّ منذ فترة أن أدخل مكتب الإرشاد، ولكنني كنت أتعذر بالعبء الذي عليّ؛ لأنني أحببت أن يكون عملي محددا، فقد كنت قبل 1954 مشتتا بين قسمي الطلاب والرياضة، وفي السجن كان لي أيضا أعمال كثيرة، ولما عدت من السفر أحببت أن يكون عملي محددا. فقال لي الحاج مصطفى مشهور إن قسم الطلاب يحتاج لك. وكانت هناك بعض الخلافات بين الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح والدكتور محمود عزت في كيفية إدارة قسم الطلاب وقسم الجامعات، ووافقت على العمل في قسم الطلاب.
وقد وجدت في قسم الطلاب شبابا يشرح الصدر، وأصبحوا قيادات يعتمد عليها، فقلت لمسؤولي قسم الطلاب: لقد كبرتم على قسم الطلاب، ولديكم ستة أشهر على الأكثر وتتركون قسم الطلاب لتعملوا في مجال آخر وتحضرون إليّ نوابكم ليعملوا بدلا منكم! ومن هنا كانت النقابات، فكل هؤلاء الذين كانوا في قسم الطلاب رحلوا إلى النقابات وقسم المهن الذي ازدهر بهم، وعملت بعد ذلك في قسم الطلاب مع نوابهم، حتى تركته للدكتور رشاد.
في مجلس الشعب
لم أتمكن من السفر، وجاءني عدد من الإخوان، أذكر منهم الدكتور محمود عزت والدكتور أسامة رسلان وقالوا لي: لا بد أن ترشح نفسك على رأس قائمة شرق القاهرة. وكنت مريضا، وليس في ذهني الانتخابات، ومضت علي ثلاثون عاما غائبا عن الشارع المصري؛ عشرون سنة في السجن وعشر في الخارج، ولكنهم رشحوني وسايرتهم استجابة للإخوان.
وفي الحقيقة، وجدت روحا طيبة جدا من الإخوان، ووجدت الشارع لم ينسني، وما زال كثير من الإخوان الذين يعرفونني أحياء يرزقون، وكانوا يسيرون معي في مسيراتنا.. وحققنا نجاحا باهرا. وكان يقود حملتي الانتخابية اثنان، هما أسامة رسلان وأسامة حجي، وهما من خيرة من عرفت من الإخوان المسلمين حتى اليوم، وجزاهما الله عني خير الجزاء.. وكانت النتيجة أننا دخلنا مجلس الشعب، وكنا ثلاثة من منطقة واحدة، أنا والدكتور عبد الحي الفرماوي ومختار نوح.
كنت واحدا من 35 عضوا مثلوا كتلة الإخوان المسلمين في البرلمان سنة 1987م، وكنت أرى أن الإخوان حققوا نجاحا في هذه الدورة؛ لأنهم كانوا دائماً يتكلمون في المصالح العامة ومراقبة الحكومة كهدف أساسي للمجلس، وكذلك مراقبة ومناقشة القوانين والميزانية... إلخ. وأنا شخصيا استفدت كثيرا في مجال السياسة، وكيف تصنع الأحداث من المنبع.
ومما أذكر أني ناقشته في البرلمان؛ موضوع أمن المواطنين، وظهور مراكز قوى جديدة، وأيضا إصلاح نظام التعليم ومنهج الإصلاح.
وأتذكر مما قلته في إحدى الجلسات:
"نقطة هامة جدا أيها الزملاء؛ أعلنها من فوق هذا المنبر.. موضوع الأمن، فهذه نقطة خطيرة، فإن رجال الشرطة هم إخوان لنا وأحبابنا، ورسالتهم عظيمة ولا نستطيع أن نعيش بدونهم بأي حال من الأحوال، ولكن كون هذه الأجهزة تأخذ لنفسها وتدعي لنفسها ما ليس لها، أي أن تتدخل في شؤون غيرها بحجة حفظ الأمن، فإن هذا أمر خطير جدا ومخالف للقانون، وأخطر ما يمكن أننا بعد ذلك نصيح ونقول مراكز القوى.
إن رجال الشرطة لهم رسالة عظيمة، نؤيدها ونقف بجوارها، أما أن يحس رجال الشرطة بأنهم صنف غير الناس، ولهم سلطان غير الناس، فإن ذلك لم يخوله لهم القانون، ويصبح هذا سمة استعلاء واستكبار على بقية الشعب، ويُخرج رجال الأمن عن المساءلة، هذا أمر يحتاج إلى مراجعة.
مدارس الرضوان
بالنسبة لمدرسة الرضوان، فقد قالوا عن مديرها مصطفى سليم إنه جعلها تكية له مع أنه لا يوجد أحد في الإخوان يقوم بالعبء الذي يقوم به مصطفى سليم، وهو الذي حملها منذ أن كانت فصلين حتى صارت كما هي عليه. وحسب معرفتي به، فهو يعيش لها ليلا ونهارا، فيجب علي أن أضع حوله إدارة تعينه وتتعلم منه. وهذا هو الذي فعلته عندما كنت رئيسا لمجلس إدارتها في فترة من الفترات، وعندما كانوا يختلفون، كنت أجلس معهم جلسة واحدة وينتهي الموضوع، ولم أكن أتدخل في غير ذلك أبدا؛ لكي أتركه ينطلق، مع أني رجل تربوي وأنا رئيس مجلس الإدارة.
وعندما أرادوا أن يجعلوا المكتب الإداري يقودها، قلت لهم: إن المدارس مؤسسة تربوية لا يقودها إلا رجل تربوي، وليس شخصا يجلس في مكتب إداري يأتي ليديرها، والقرار الأول والأخير يكون فيها لمدير المدرسة، وهناك مجلس إدارة يتكون من رئيس الجمعية التي تتبع لها المدرسة؛ والموجه التربوي ومدير المدرسة ومدير البنات وأحد المدرسين، فمجلس الإدارة يضع الخطة والتوجيهات ويعطيها لمدير المدرسة لينفذها، ويجب أن تحترم هذه الأمور. وكان الحاج مصطفي مشهور موجودا، ووجدت رئيس المكتب الإداري غاضبا مني، فلم أسأل عنه.
انتخابات 1995م
وبالنسبة لانتخابات 1995، فقد طلب مني الإخوان أن أرشح نفسي في حدائق القبة. ولم أكن موافقا على ترشيح نفسي، ولكن الإخوان أصروا على ذلك، والمعركة الانتخابية التي حضرتها في 1987 غير تلك في 1995 تماما. فانتخاب 1987 شيء وانتخاب 1995 شيء آخر، فكانت الأولى فيها حركة وتجمعات، أما الثانية فلم تكن انتخابات بالمعنى المتعارف عليه عند البشر، بل كانت عبارة عن متابعة وإجرام ومطاردة، وأشياء سيئة جدا جدا، إلى أن أتى يوم الانتخابات ووجدت أن الحال غير معقول، واللجان الانتخابية عبارة عن فوضى، والصناديق تغلق رغم أنف الجميع. وكان عدد المرشحين أمامي 36 شخصا، وكانوا يلقون القبض على الإخوان، لدرجة أنه في لجان السيدات؛ عندما وجدت الحكومة إصرارا منهن على الجلوس فوق الصناديق حماية لها من التزوير، قالوا : قنبلة قنبلة، ففزع الجميع وظلت الأخوات جالسات فقبضوا عليهن.. فكانت صورة مزرية جدا، ولذلك فقد انتظرت فقط حتى أمّنت خروج بقية إخواننا، ثم غادرت المكان لعلمي أنه لن يكون هناك شيء. ولا أكتمكم أن حالتي النفسية ساءت جدا من التصرفات المنحطة، حتى فوجئت بمن يطلبني خمس دقائق.
خمس دقائق وتعود
في عام 1996 قبض عليّ أنا ومجموعة من قيادات الإخوان في مصر، ووجهت لنا عدة تهم، منها إحياء تنظيم جماعة الإخوان في مصر، ومحاولة قلب نظام الحكم.. إلى آخر قائمة التهم المحفوظة. وأغلق المقر الخاص بي، وما زال مغلقا. وكالعادة مع الإخوان، فقد تم تحويلنا إلى محاكم عسكرية لتحكم بما يراه الحاكم العسكري، دون أن يكون هناك استئناف؛ لأنهم يعلمون أننا لو حوكمنا أمام القضاء العادي فلن نخرج براءة فقط، بل سندينهم أيضا.
ولقد سبقتنا محاكمات 1995، وهي كانت تضم حوالي 80 أخا من خيرة الإخوان. ولقد بذلنا جهودا مضنية، سواء على المستوى المحلي أو المستوى العالمي، وتجاوب معنا ملايين البشر ببرقياتهم، وعشرات المحامين من مصر ومن أنحاء العالم (من أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا)، لدرجة أن البروفسور أربكان أرسل محامين في طائرة خاصة. وكانت هيئة الدفاع من مصر من كبار المحامين ومن أعلام القانون، ولما وجدوا أنهم يترافعون أمام أصنام من البشر وأمام أوضاع شاذة، اضطروا إلى الانسحاب. وفي الحقيقة أنني نسيت أننا لا نتعامل أحيانا مع بشر من العقلاء.. وحسبنا الله ونعم الوكيل.. وقد كان سبب اعتقالي حزب الوسط.
اقرأ أيضا: صفحات من الذكريات: رحلة في ذكريات عاكف (28)
اقرأ أيضا: صفحات من الذكريات: رحلة في ذكريات عاكف (27)
صفحات من الذكريات: رحلة في ذكريات عاكف (27)
صفحات من الذكريات: رحلة في ذكريات عاكف (26)
صفحات من الذكريات: رحلة في ذكريات عاكف (25)