استدرك الأستاذ محمود شمام على مقالي المنشور على هذا الموقع الأسبوع الماضي، بتعقيب قصير تحامل فيه ونقل عني ما لم يكن في نيتي يشهد الله.
فأنا لم أرد "الإلباس" كما أرود في تعقيبه، من خلال تكرار اسمه متعمدا كما ذكر، فالمنشور الذي وجدته على صفحته الشخصية يتضمن عبارة منقولة، ثم كلاما مخالفا للعبارة المنقولة، ما يشير إلى أنه لصاحب الصفحة.
لم يساروني شك بأن التعليق على الكلام المنقول هو لصاحب الصفحة، محمود شمام، يوم كتبت المقال، بل كان قلقي في أن تكون الصفحة مزورة، فصدَّرت المقال بالقول إني حاولت التأكد من نسبتها إلى صاحبها، كما أنه لم يرد نفي عنه، فاعتمدت أن الصفحة غير مزورة.
ما فهمته من أن الكلام المنقول يخص شمام هو تماما مع فهمه من عقب مثلي، ووجدت ردودا تنسب الكلام له منها منشورا للدكتور محمد الوليد، واتصلت ببعض ممن يعرفون شمام ويتابعونه من أهل العلم والمعرفة، وكان فهمهم مطابق لفهمي.
وأكرر مشهدا الله، أني لم أتعمد "الإلباس"، وأني اعتقدت أن التعقيب هو للأستاذ محمود، فتقدمت للرد عليه للأسباب التي ذكرتها في المقال.
اليوم، بعد أن أكد أنه كلام منقول، أقر بخطئي في عدم التحري أكثر وأكثر، لكنه بالمقابل أخطأ بقوله إني تعمدت الإكثار من ذكر اسمه، بهدف تضليل القارئ بأن شمام هو الكاتب.
فهذا اتهام منه لنية خفية لا يعلمها إلا الله، فأنا ما قصدت ذلك، ولا أردته، وحرصت في صياغة المقال على أن يكون موضوعيا إلى درجة كبيرة.
الأنكى، هو قوله بأن ما نقله على صفحته من كلام يقدح في حجية كتب السنة: "فتح جروحا عند أولئك الذين أنفقوا عمرهم في تبرير الاستبداد السياسي"، ولأن العبارة السابقة وردت في سياق رده على مقالي، فيفهم من كلامه أني المعني به أو أنني ممن تشملهم العبارة، فما أدري ما مناسبة هذا الاتهام، وأي استبداد ديني الذي أنفقت عمري في تبريره يا أستاذ محمود؟!
القول بأن ما نقله على صفحته فتح جروحا للذين يروجون للاستبداد الديني منطقي في حال كان ردنا جارحا ومتجاوزا للمقبول أدبا ومعرفة، لكن لا يستساغ استخدام هذه العبارة في سياق الرد على مقال أحسب أنه يجنح للخطاب العلمي.
كتبت مئات المقالات خلال مدة تزيد عن 20 عاما، كانت فكرة مجابهة الاستبداد بأنواعه محورية في العديد منها، وأتمنى عليه أن يخرج لنا منها ما يبرهن على اتهامه، ويؤكد دعواه.
الاستبداد الديني هجين الثيوقراطية التي هي الحكم باسم الإله ونيابة عنه، وليٌّ لأعناق النصوص الدينية بهدف الهيمنة على معاش الناس ومعادهم، وإرهاب الآخر باسم الممنوع والمحرم شرعا.
فهل كان هذا ديدني في ظهوري عبر الفضائيات أو المشاركة في المؤتمرات والندوات أو ما خطته يدي من مقالات وتدوينات؟!
كان من ضمن ما جاء في المقال الذي أزعج شمام، التصريح بأني لا أجد غضاضة في تناول النصوص الدينية بالنقاش، وها أنا أنقل العبارة كما وردت في المقال:
"ينبغي الإقرار أن باب البحث والنقاش في الإرث الإسلامي أو النصوص الدينية لا حرج فيه، فهناك العديد من الأحاديث النبوية التي تجعل القارئ يتوقف عندها، لأن ظاهر معناها شيء لا يقبله العقل، مع التنبيه أن ظاهر النص ليس مراد في كثير من الحالات، كما أن تفسير النصوص قاد إلى وضع مربك يقتضي المعالجة بل والمراجعة. لذا فإني لا أجد حرجا في أن تُطرح مثل هذه التساؤلات". انتهى النقل
لم أقل في مقالي أن شمام يشكك في أصل رئيس من أصول الدين، بنقله كلاما يقدح في حجية كتب الحديث حتى يقول إن جروحي فتحت.
ولم يرد في مقالي تهم من نوع محاربة الدين من خلال ترويج كلام ينتقص من الحديث الشريف ورواته ويشكك في نسبة الأحاديث الشريفة للرسول صلى الله عليه وسلم، حتى يُعرِّض بأني ممن أنفقوا أعمارهم في تبرير الاستبداد الديني، وهو يدرك حرصي على أن أكون موضوعيا ومتوازنا إلى أقصى حد، وكان هذا سببا لثنائه على أسلوبي في أحد لقاءاتنا.
خلا مقالي من أي عبارات حُكْمية، وتجرد من التهم، وركزت كلامي على الرد على المسائل التي وردت في نقله بشكل هادئ وموضوعي، وهو ديدني في سائر كتاباتي، فهل توهمي بأن الكلام الموجود على صفحة شمام وغير المنسوب لشخص بعينه يبرر كيل تلك التهم يا ترى؟!
وأختم بالقول إني لم أرد في البداية الرد على رده، لكني وجدت أن رده يمس مسائل هي في صلب مساهماتي، للخروج من المأزق الذي تعانيه البلاد اليوم، ومنها الموضوعية والمصداقية وحسن النوايا والابتعاد عن التوتير وإثارة البغضاء، فكان أن راجعت نفسي وكتبت هذا التوضيح.
خليفة حفتر وآمال ما بعد 17 ديسمبر!