فاجأت نتائج الانتخابات الجزئية للبرلمان التونسي بدائرة ألمانيا أغلب السياسيين وصنّاع القرار داخل الحزب الحاكم نداء تونس، الذي خسر مقعده بمجلس نواب الشعب، فيما وصف مراقبون ما حدث بزلزال سياسي قد تتبعه ارتدادات على المشهد العام بالبلاد في قادم الأيام.
وأعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، مساء الأحد، فوز المترشّح ياسين العيّاري بالمقعد الوحيد لدائرة ألمانيا بالبرلمان بـ284 صوتا، بينما تحصّل مرشّح نداء تونس على 253 صوتا.
وقالت الهيئة إنّ نسبة المشاركة في الانتخابات، التي حتّمها تعيين النائب عن "النداء" حاتم الفرجاني بحكومة يوسف الشاهد في 6 أيلول/ سبتمبر الماضي، بلغت 5.02%، حيث شارك في عملية التصويت 1325 ناخبا من جملة 26 ألفا و382 مواطنا من الجالية التونسية بألمانيا، مسجّلا اختياريا بقائمات الانتخاب.
فشل "النداء" و"النهضة"
وكانت حركة النهضة أعلنت عدم دخول سباق الانتخابات الجزئية بدائرة ألمانيا، داعية قواعدها إلى التصويت لمرشّح النداء، فيما شاركت 25 قائمة أخرى في الانتخابات.
واعتبر الإعلامي والمحلل السياسي صلاح الدين الجورشي أنّ انتخابات دائرة ألمانيا أفرزت ثلاثة مؤشرات لا يمكن الاستهانة بها، خاصة أمام استعدادات البلاد لخوض انتخابات بلدية وغيرها من الاستحقاقات القادمة.
وقال الجورشي، في تصريح خاص لـ"عربي21"، إنّ نسبة المشاركة المتدنية في الانتخابات "بسبب عزوف الجالية التونسية بألمانيا غير مسبوقة، باستثناء ما كان يحدث في عهد الرئيس السابق بن علي".
وتابع بأنّ عوامل المناخ وبعد المسافات عن مراكز التصويت لا يمكنها تفسير عدم مشاركة 95 بالمئة من الناخبين في عملية الاقتراع.
وأضاف: "الأمر الثاني اللافت للنظر هو أن الحزبين (النداء والنهضة) المدعومين من أطراف أخرى فشلا في توفير نجاح بسيط جدّا، ما سمح لمترشح منافس الفوز بالانتخابات".
التحالف مجرّد شعار
وأشار إلى أنّ الأخير "كان مستعدا منذ البداية لأن يقاتل من أجل هذا المقعد، وهو ما يؤكّد توالى المؤشرات حول أزمة النداء الداخلية وقدراته المحدودة في التعبئة يوما بعد آخر".
وواصل: "يتبيّن أنّ ما قيل حول التحالف والتعاون بين حزبين كبيرين حاكمين هو مجرّد شعار، فلو تمّ تجسيده على الأرض لما أمكن للمترشح ياسين العياري أن يفوز في هذه الانتخابات"، وفق تعبيره.
وخلص الجورشي إلى أن تساؤلات جدّية بدأت تطفو على سطح الحياة السياسية في البلاد، لافتا إلى أنّ ما حصل بانتخابات دائرة ألمانيا كان بمثابة تمرين أوّلي للانتخابات البلدية القادمة، "وهو ما يؤكّد أنّ أزمة الجزء الأكبر من الطبقة السياسية في تونس تتعمّق يوما بعد آخر"، وفق تعبيره.
من جانبه، اعتبر النائب والقيادي في حركة النهضة، العجمي الوريمي، أنّ المفاجأة الكبرى بالنسبة إليه هي نسبة المشاركة المتدنية جدا في عملية الاقتراع، "ما يؤكّد وجود أزمة ثقة وشعور من قبل الناخبين بألمانيا بأنّ العملية الانتخابية تفتقد للمصداقية"، كما قال.
"توافق مغشوش"
وقال الوريمي، في تصريح خاص لـ"عربي21"، أنّ كل الأحزاب السياسية مطالبة بالعمل على إرجاع ثقة التونسيين في العملية الانتخابية، وجعلها أكثر مصداقية؛ من خلال منافسة حقيقية ومرشحين حقيقيين يعبرون عن رغبات الناخبين.
وبخصوص الاتهامات التي وجهها أمين عام حزب "مشروع تونس" محسن مرزوق لـ"النهضة" بدعم المرشّح الفائز في الانتخابات، ياسين العيّاري، سرّا على حساب مرشح النداء، قال الوريمي إنّ موقف حركته كان واضحا منذ البداية بأنّ مقعد دائرة ألمانيا يعود لنداء تونس.
وتابع: "لم تقدّم النهضة مرشحا، لكنها اعتبرت مرشح النداء هو مرشح الوفاق"، مضيفا أنّه "سجّل لمرزوق موقفا آخر، قال فيه إن النهضة تحشد الناس في المساجد لمرشح النداء، واليوم بعد أن فاز العياري يقول إنّ الأخير مرشحنا".
وكان مرزوق وصف بمنشور له في فيسبوك، الاثنين، التوافق بين النهضة والنداء بـ"المغشوش"، مضيفا أنّ "النهضة انتصرت بمرشحها الحقيقي، هل فهم الدرس؟، في إشارة إلى حزب "النداء".
سيناريو بسيّس
لكن القيادي في حركة "النهضة"، سيّد الفرجاني، اعتبر بمنشور له في فيسبوك أن عزوف الناخبين "رسالة مدوية من أن جمهور النهضة له موقفه يفوق أحيانا رأي المؤسسات القيادية في النهضة".
واعتبر الرئيس السابق، منصف المرزوقي، أنّ "انتصار ياسين العياري في يوم 17 كانون الأوّل/ ديسمبر هدية لكل أنصار الثورة ورسالة للشباب عليهم حسن قراءتها".
وانتقد الإعلامي والمحلل السياسي، زياد كريشان، في فقرته اليومية على إذاعة موزاييك، الاثنين، "الأدمغة التي وضعت سيناريو إفراغ المقعد الوحيد بدائرة ألمانيا، (في إشارة إلى برهان بسيس) المستشار السياسي "للنداء" ، بهدف منحه فيما بعد للمدير التنفيذي لحزب النداء حافظ قايد السبسي؛ حتى تصبح له شرعية انتخابية"، كما قال.
بينما اعتبرت النائب عن حزب "أفاق تونس" هاجر بالشيخ أحمد في تصريح لها، الاثنين، لإذاعة "شمس أف أم" أن مقاطعة التونسيين لانتخابات ألمانيا "أفرزت صعود المتطرفين"، وفق تعبيرها.
وفي أوّل رد فعل رسمي على هزيمة مرشحها في انتخابات ألمانيا، أعلنت حركة نداء تونس في بيان لها، مساء الاثنين، أنها "ستقوم بالمراجعات الشجاعة والضرورية في علاقتها مع بعض الأطراف السياسية وتفوض لاجتماع هياكلها المزمع عقده يومي 23 و24 كانون الأوّل/ ديسمبر الجاري اتخاذ القرارات المناسبة في الغرض".
خياط تونسي يتضامن مع القدس بطريقته الخاصة
تواصل حملة "المليون توقيع" بتونس لسن قانون يجرم التطبيع
لوفيغارو تعيد نشر حوار أجرته سنة 1922 مع ألبرت أينشتاين