الغارديان: ما دلالات تعليق الحريري استقالته؟

نشرت صحيفة "الغارديان" مقالا لمديرة المركز الأسترالي للمرأة المسلمة من أجل حقوق الإنسان، وطالبة الدراسات العليا في جامعة سوينبورن الأسترالية جمانة المطرة، تعلق فيه على استقالة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري في السعودية، ومن ثم تعليقه الاستقالة بعد عودته. 

وتقول الكاتبة إن تعليق رئيس الوزراء اللبناني استقالته أمر تجميلي فقط، مشيرة إلى فيلم فيديو معروض في متحف سرسق في بيروت، ويظهر فيه الفنان السوري هرير سركسيان، الذي يقوم فيه بتدمير بيت طفولته في مدينة دمشق، حيث أجبر على المنفى بسبب الحرب، وفقد كل شيء، ويظهر سركسيان في الفيديو وهو يقوم بضرب مجسم لبيته مرة تلو الأخرى.

وتعلق المطرة في مقالها، الذي ترجمته "عربي21"، قائلة إن "فعله هو عمل عبثي مطلق، لكن بصفته ناجيا من الحرب فلم يبق أمامه أي شيء سوى التعبير عن السيطرة والقدرة في عالم لم يعد يملك فيه أي منهما، ويعبر عمل سركسيان عن الحالة اللبنانية ذاتها؛ ليس لأن لبنان استقبل أكثر من مليون لاجئ سوري ولا يزال يعاني من جراح الحرب الأهلية، التي استمرت 15 عاما، لكن لعدم مناعة لبنان ذاته، حيث شعر اللبنانيون على مدار الأسابيع الماضية أن بلدهم أصبح مستهدفا مرة أخرى". 

وتشير الكاتبة إلى استقالة الحريري المفاجئة في 4 تشرين الثاني/ نوفمبر، التي جاءت من السعودية، متهما فيها حزب الله بممارسة تأثير على البلد، لافتة إلى أن مقربين من الحريري أكدوا أن السعوديين أجبروه على الاستقالة واعتقلوه. 

وتلفت المطرة إلى أن "الحكومة اللبنانية اتخذت ثلاث خطوات غير مسبوقة: أولا اتحدت، وثانيا طالبت بعودة الحريري، وثالثا اتهمت السعودية باحتجاز الحريري رغم إرادته، وقامت الحكومة اللبنانية بحملة لم تكن ظاهرة، وهي بناء ضغط دولي من أجل الإفراج عن الحريري، الذي عاد ليلة الثلاثاء، للمشاركة في احتفالات يوم الاستقلال اللبناني، وأعلن أنه سيتريث في تقديم استقالته، ما يؤكد النظرية القائلة بأنه أجبر عليها".

وتقول الكاتبة: "من الناحية العادية، فإنه يجب أن يكون السؤال هو كيف تقوم دولة باحتجاز رئيس حكومة دولة أخرى رهينة؟ لكن هذا السؤال لا يصلح للبنان، خاصة أن سيادة حدوده وسياسته دائما ما تم انتهاكها، وبشكل مستمر، وحذر السعوديون من أن مشاركة حزب الله في الحكومة اللبنانية هي (إعلان حرب) ليس ضد لبنان ولكن ضد المملكة، وعادة فإن هذا غير منطقي، لكن السعوديين يفهمون أن المنطق والقانون الدولي لا ينطبقان على طريقة معاملة لبنان". 

وتجد المطرة أنه "في ضوء التحليل المهين والسطحي حول حرب الوكالة بين إيران والسعودية والسنة والشيعة، فإن المسكوت عنه هو لبنان ذاته، وكيف يكافح شعبه مرة أخرى خطر التهديد بالعدوان والعنف والغزو من قوى خارجية، حيث نجا اللبنانيون، مثل جيرانهم السوريين، من سلسلة من الحروب والرعب، لكن الحرب والتوغلات الحدودية المستمرة هي أمر لا يستطيع اللبنانيون الحديث عنه، وأشك أنه بالإضافة إلى الصدمة الموروثة من الحرب فإن هناك شعورا بين اللبنانيين يعبر عنه بوضوح صورة لشعار غرافيتي كتب على بيت القناصة في بيت بيروت: (أريد قول الحقيقة فروحي تدنست)".

وتبين الكاتبة أن "لبنان بلد يدمر روحه الفقر والثروة الفخمة، وكأن أحدا لا يزدري الآخر، فلبنان هو البلد الذي تنظم فيه مهرجانات الفيلم الدولية، وأبناؤه يتحدثون أحيانا ثلاث لغات بالإضافة إلى اللغة الأم، في الوقت الذي يجذبك الأطفال يستجدون للطعام، وفي كل مكان في لبنان تظهر البنايات الجديدة من الأنقاض، وشقق سكنية مصممة بناء على المعايير الدولية، تجعل من الشقق السكنية في أستراليا وكأنها درجة ثانية، وتشبه المعمار الشيوعي الوحشي، فهذه أمة يعاد بناؤها، لكن اللبنانيين يعرفون وهم يعيدون البناء أن بلدهم قد يقع فريسة لحرب أو غزو".

وتنوه الكاتبة إلى أن "هذا البلد، الذي يعيش فيه ستة ملايين، استقبل 1.5 مليون لاجئ سوري من بلد كان قوة محتلة مدة 29 عاما، ويمكنك زيارة أرضية المعرض الدولي في طرابلس، التي تنتشر فيها البنايات المعمارية التي صممها المعماري البرازيلي أوسكار نيمار، وقام الجيش السوري بتحويل واحدة منها لخدمة هدفين: الأول احتجاز اللبنانيين الذين قبض السوريون عليهم، ومن ثم إعدامهم فيها إلى جانب الجدار على يد فرقة قتل".

وتعلق المطرة قائلة إن "هناك بعدا أخلاقيا معقدا حول قدرة لبنان على البقاء، وهو ما يجعل من موقفنا الخاص باعتقال وترحيل اللاجئين لا يمكن الدفاع عنه".

وتستدرك الكاتبة بأنه "رغم أن الكثير من المواقف العنصرية والاستشراقية قد تغيرت وتكيفت مع الحساسيات المتعلقة بالعرق، إلا أن ما لم يتغير هو الخطاب الذي يربط كل ما يجري في الشرق الأوسط بالدين والثقافة، فيتم رد كل شيء من الحرب إلى النزاع المدني والتدهور الاقتصادي إلى الكراهية الدينية والانقسام الإسلامي المسيحي، والسني الشيعي، التي حلت محل أي تحليل منطقي للكيفية التي قامت فيها السياسات الجيوسياسية المعقدة بتخريب لبنان والمنطقة، ولم يتم الالتفات إلا بدرجة قليلة للطرق التي دمرت فيها سياسات العولمة النيوليبرالية الاقتصاد ومصادر المعيشة في المنطقة". 

وتقول المطرة: "يعرف سكان الشرق الأوسط أن أمنهم وازدهارهم هو رهن السياسيات الأمريكية والروسية، وفي الوقت الحالي يختلف فيه البلدان حول المواقف من الشرق الاوسط، كل له حلفاؤه، وتهديد السعودية بالعنف ليس تعبيرا عن الفشل في سياساتها، بقدر ما هو إعادة تقويم لها، فكان ينظر إلى الحريري على نطاق واسع على أنه رجل السعودية في لبنان، وهناك إجماع بأن فشله في استبدال التأثير الإيراني غير المقبول بتأثيرهم جعله يحصل على موقع بين من تم اعتقالهم في حملة ولي العهد لتقوية موقعه وتعزيز سلطاته". 

وتذهب الكاتبة إلى أن "عودة الحريري إلى لبنان تغير فقط رؤية الوضع، فهو ليس رجلا حرا، حيث أصبحت شركة الإنشاءات التي يملكها في السعودية مفلسة، ولا تزال عائلته تعيش في السعودية، بالإضافة إلى أن عودة الحريري إلى الحكومة لا تعني أنه سيؤدي دورا محوريا في جهود السعوديين للسيطرة على لبنان، وقد يعثرون على رجل آخر ليحل محله ويقدم تنازلات، خاصة أن المملكة تمارس سياسة متشددة". 

وترى المطرة أن "أي خطاب يهدد بالحرب يخرج من الرياض مثير للخوف، خاصة أن المملكة تجاوزت الحدود الأخلاقية والقانونية، ففي الوقت الحالي يتزايد مجمل القتلى في اليمن، الذي تقود فيه السعودية تحالفا ضد الحوثيين، وأدى الحصار على البلاد إلى وضع 7 ملايين أمام خطر المجاعة ووباء الكوليرا المدمر، ما يجعل الحصار غير قانوني". 

وتختم الكاتبة مقالها بالقول إن "عواقب الغضب السعودي على لبنان ستكون كارثية، حيث اعترف اللبنانيون بأن لا قوة لديهم عسكرية أو سياسية لوقف التدخلات الخارجية، ولهذا السبب أصبح الساسة اللبنانيون أسرى الحكومات الأجنبية، ومهما كان الوجود التأثير الإيراني وحزب الله إشكاليا في لبنان فعلى اللبنانيين مواجهته بأنفسهم لا بطلب من السعوديين".