نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" مقالا لنائبة رئيس التحرير رولا خلف، تتناول فيه استقالة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، والدور الذي أدته السعودية في ذلك.
وتقول خلف إن "لبنان يحب الغموض السياسي، من النخبة إلى المواطن العادي، ومن الطفل إلى الجد، هذا بلد يتحدث فيه الجميع في السياسة والكل لديه رأي، وقليل ما تمر عليهم أخبار مثيرة كتلك التي مرت الأسبوع الماضي".
وتضيف الكاتبة: "حتى من هم مثلي، ممن ترك البلد منذ زمن طويل، أسره الظهور المفاجئ لرئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري على قناة تلفزيونية تملكها السعودية، ليعلن استقالته ويهاجم إيران، لقد غادر بيروت فجأة، ولم يعلم أحدا عن نيته".
وتتابع خلف قائلة: "انطلق الجميع يحلل، إنه مختطف، إنه حر، إنه جزء من مؤامرة، لقد تمت خيانته، وذهبت التخمينات كل مذهب، معظم الناس مقتنعون بأن الحريري لم يكن سيد أفعاله: لقد سيطرت السعودية عليه، وهي على وشك أن تستخدم لبنان ساحة لمواجهتها التالية مع إيران، (كما أن رئيس لبنان رفض قبول استقالة الحريري حتى يعود إلى لبنان)".
وتشير الكاتبة في مقالها، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن "التدخل الأجنبي في لبنان ليس جديدا، فالحريري هو رئيس الوزراء في بيروت، وهو رجل السعودية السني على الأرض، وعدوه الرئيسي حزب الله الشيعي المتطرف، وهو القوة السياسية الأكبر في البلد ووكيل إيران أيضا، وكان الطرفان متعايشين، وتجنبا تسرب حروب الوكالة الإيرانية السعودية، بناء على تفاهم ضمني بين القوتين الإقليميتين".
وتبين خلف أن "دافع السعودية لقرارها أن تنهي هذا التعايش الصامت هو جزء من الغموض، لكنها جاءت بعد يوم من لقاء الحريرى لكبير مستشاري الزعيم الروحي لإيران علي أكبر ولايتي، فهل بدا على رئيس الوزراء اللبناني حميمية زائدة تجاه المسؤول الإيراني؟ ربما".
وتفيد الكاتبة بأنه "منذ (اختفاء) الحريري فإنه تم تداول عدة روايات حول مصيره، وقال بعض المسؤولين في بيروت إنه تم اختطافه من المطار واختفى يوما كاملا، وقال آخرون إنه تم توبيخه من ولي العهد السعودي والحاكم الفعلي، محمد بن سلمان، ثم أرسل إلى فندق (رتز كارلتون)، حيث يحتجز الأشخاص المشتبه بفسادهم".
وتستدرك خلف قائلة إن "الناس في بيروت لم يعرفوا إن كان عليهم الضحك أم البكاء على الإهانة التي كالتها لهم الرياض، فأن ترى سياسيوك يخدمون مصالح ثنائية شيء، وشيء آخر أن تشاهدهم يتحدثون باسم قوة خارجية، وفي الوقت الذي رفعت فيه صور الحريري في بيروت شارك مستخدمو مواقع التواصل ملصقات تتحدث عن تنتن يبحث على الحريري، وقام العداؤون في ماراثون بيروت خلال عطلة نهاية الأسبوع برفع صور الحريري ولافتات تقول (نريد عودة رئيس وزرائنا)، وفي مفارقة عجيبة ألقى زعيم حزب الله، حسن نصر الله، خطابا يشجب فيه (احتجاز) السعودية للحريري، بصفته إهانة للبنان".
وتلفت الكاتبة إلى أنه "في الوقت الذي كانت تضغط فيه الحكومات الغربية على السعودية لتعيد الحريري إلى لبنان، فإن أخبارا خرجت تقول بأن صحافية تلفزيونية لبنانية في طريقها إلى الرياض؛ لتجري مقابلة مع رئيس الوزراء، والأكثر إثارة من صورة (السلفي) للصحافية بولا يعقوبيان على طائرة خاصة، هو أنها لم تأخذ معها طاقما تلفزيونيا".
وتقول خلف: "بدا الإرهاق واضحا على الحريري في المقابلة، لكنه أصر على أنه يتصرف بإرادته وأنه سيعود قريبا لبيروت، وفسر تصرفه الغريب برغبته في الإثارة، وإحداث (صدمة ايجابية)، وفي لحظة من المقابلة كان يبدو وكأنه يدافع الدموع، وفي لحظة أخرى كان يحملق باتجاه الرجل على يمينه، أما يعقوبيان فلعبت بهاتفها، وحاولت الحصول على فاصل إعلاني، ولم تفعل المقابلة شيئا لتهدئة ميل اللبنانيين لنظرية المؤامرة".
وتجد الكاتبة أنه "مع ذلك، وفي هذا الوضع السريالي، فإن هناك مؤشرات على المأزق الذي تعيشه لبنان، فمن خلال الحريري كانت مطالب الرياض واضحة: يجب على حزب الله التوقف عن مساعدة الحوثيين في اليمن، وإلا فستعاني لبنان من العقوبات الاقتصادية".
وتوضح خلف أن "اليمن بالنسبة للسعودية هو المأزق رقم واحد في سياستها الخارجية، والرهانات عالية؛ لأن الحملة العسكرية السعودية هي أول حرب للأمير محمد بن سلمان، ويجب عليه أن ينتصر، حتى لو كان على حساب زعزعة لبنان، والمشكلة أن الانتصار في اليمن ليس مضمونا حتى لو التزم حزب الله بالمطالب السعودية، فإيران هي الداعم الرئيسي للحوثيين، ولا تحتاج أن تفعل ذلك من خلال حزب الله لتقويتهم".
وتختم الكاتبة مقالها بالقول: "قد لا يكون هناك جدوى في البحث عن المنطق، إن ضغط الرياض على الحريري مصمم لينقلب لبنان ضد حزب الله، لكن ما قد يحدث هو أن ينقلب لبنان ضد السعودية".