تواجه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل (63 عاما) التي أمضت اثني عشر عاما في الحكم تهديدا غير مسبوق لمستقبلها السياسي مع فشل المفاوضات بين معسكرها المحافظ والليبراليين والخضر لتشكيل ائتلاف حكومي وإمكان الدعوة إلى انتخابات مبكرة.
كل ذلك بعد فوزها غير المكتمل في الانتخابات التشريعية التي جرت في 24 أيلول/ سبتمبر الفائت في أسوأ نتيجة يسجلها المحافظون منذ 1949 والاختراق التاريخي لليمين المتطرف.
وكتبت أسبوعية در شبيغل الأسبوع الفائت: "خارج ألمانيا، لا يزال ينظر إليها بإعجاب فيما تبدأ عامها الثالث عشر في المستشارية. ولكن داخل بلادها، فإن الإعجاب تراجع".
من جهتها، أشارت صحيفة فرانكفورتر الغيمايني تسايتونغ إلى أن حكم المستشارة التي انتخبت للمرة الأولى في 2015 بات "يتآكل".
اقرأ أيضا: ميركل تفشل بتشكيل الحكومة بعد انسحاب الحزب الديمقراطي
نجحت "ماما" أو "موتي ميركل"، بفضل نهجها البراغماتي البسيط في البقاء في السلطة في بلد ثري يتقدم سكانه في العمر ويفضل الاستمرارية على التغيير.
وفي الأعوام الخمسة الأخيرة شكلت "كابوسا" للدول الأوروبية التي تعاني أزمات مالية وفي الوقت نفسه "خشبة خلاص" للاجئين الهاربين من الحروب والإرهاب و"زعيمة للعالم الحر" بعد انتخاب دونالد ترامب قبل عام.
والمفارقة أن استقبال ألمانيا لمئات آلاف المهاجرين في 2015 أضفى عليها صفة تاريخية لكنه شكل أيضا "بداية نهايتها".
بعد الفوز المتواضع في الانتخابات التشريعية الأخيرة، طالب الجناح المتشدد في صفوف المحافظين المستشارة بأن تنحو نحو سياسة أكثر يمينية، في وقت كانت تحاول إيجاد تسوية مع الليبراليين والمدافعين عن البيئة لتأمين غالبية.
وتبين أن هذه المعادلة مستحيلة حتى بالنسبة إلى هذه السياسية المحنكة التي تتقن التفاوض.
وفي أوروبا أيضا، بدا أن سياستها في ملف الهجرة أدت إلى إضعافها.
عبر الألمان عن امتنانهم لها بإبقائها في السلطة منذ أن أصبحت أصغر مستشارة في سنة 2005 عندما كان جورج بوش وتوني بلير وجاك شيراك في السلطة، بفوزها على المستشار الاشتراكي الديموقراطي غيرهارد شرودر.
ومع الوقت فرضت ابنه القس نفسها بعدما نشأت خلف الستار الحديدي في ألمانيا الشرقية.
عرفت كيف تستفيد من الإصلاحات الاقتصادية التي دفع بها شرودر وظلت على اقتناع راسخ بما تعلمته منذ الصغر في ظل النظام الشيوعي: على ألمانيا وأوروبا أن تحافظا على ميزاتهما التنافسية والتخلص من العجز في الميزانية في ظل تغيرات اقتصادية عالمية متسارعة.
ورغم اتهامها بأنها تجنبت خوض تحديات، اتخذت ميركل قرارات جريئة ومفاجئة بدءا من التخلي عن مفاعلات الطاقة النووية بعد كارثة فوكوشيما في 2011 إلى فتح الأبواب أمام أكثر من مليون لاجىء منذ 2015.
وكلفها تدفق اللاجئين الكثير على المستويين الوطني والأوروبي وتوقع كثيرون أفول نجمها.
ولكن مع تراجع حركة الهجرة وتشديد سياسة اللجوء، تحسنت شعبيتها إلى مستوى ما قبل الأزمة لا بل بلغت مستوى جعل وسائل الإعلام تسخر من منافسيها من اليسار الوسط بصفتهم يخوضون مهمة سياسية انتحارية في مواجهة تقدمها.
"ميركيلفيلي"
ولدت أنجيلا دوروتيا كاسنر في سنة 1954 في هامبورغ وعرفت التقشف بعدما قرر والدها الانتقال من الغرب إلى الشطر الشيوعي من البلاد للمساهمة في نشر المسيحية.
ويقول كاتبو سيرتها إن حياتها في ظل النظام البوليسي علمتها كيف تتكتم على آرائها.
وكانت في صغرها تلميذة موهوبة تحب الرياضيّات واللغة الروسية. وتابعت دروسها الجامعية في ظل النظام الشيوعي حتى حصولها على شهادة دكتوراه في الكيمياء. ومع رفضها العمل كمخبرة للبوليس السري، لم تجازف في الانخراط في النشاط المؤيد للديمقراطية.
ومكّنها تفوقها في اللغة الروسية من التحاور مع الرئيس فلاديمير بوتين الذي كان مسؤولا في الاستخبارات السرية الروسية في درسدن لدى سقوط جدار برلين.
وفي الفترة التي سقط فيها جدار برلين نهاية 1989، انخرطت في العمل السياسي، ثم انضمت إلى الاتحاد المسيحي الديمقراطي المحافظ بزعامة هلموت كول.
وسلمها المستشار "العملاق" آنذاك أولى مسؤولياتها الوزارية. وكان في ذلك الحين يناديها بتودد "يا ابنتي".
ولكن كول لم يكن الوحيد الذي أساء تقدير قدراتها ودفع ثمن ذلك. فعندما بدا أنه تورط في فضيحة مالية داخل حزبه في 1999، حثت ميركل الحزب على التخلي عنه.
هذه الحركة التي أطلق عليها اسم "ميركيلفيلي" هي التي أوصلتها إلى أعلى درجات السلطة.
ورغم انضمامها الحديث إلى الحزب، فقد أعادت بناءه ورسخت مكانته السياسية عبر الدفع باتجاه تبني سياسات اجتماعية تقدمية وإلغاء الخدمة العسكرية ومن ثم التخلي عن الطاقة النووية.
وبرزت بصفتها زعيمة أوروبا خلال أزمة الديون السيادية رغم تسميتها "ملكة التقشف" في دول الجنوب الأوروبي.
ميركل تفشل بتشكيل الحكومة بعد انسحاب الحزب الديمقراطي
وزير خارجية ألمانيا ينتقد تصرف السعودية مع الحريري
هل تركيا السبب في رفض ألمانيا تدريس التربية الإسلامية؟