ينتابك شعور من الغصة والمرارة، ممزوج بمشاعر السخرية والدهشة تصل إلى مرحلة القرف كلما اقتربت من تعاطي
الإعلام المصري مع أي حدث يخص الشأن المصري، لتجد نفسك تركب بساط الريح وتذهب إلى مدينة العجائب "والت ديزني"، أو أنك تشاهد واحدا من أفلام الفانتازيا الهابطة أو واحدا من أهم أفلام الكوميديا السوداء فى العصر الحديث.
هذا هو الإعلام الذي جعل من الرئيس إلها ونبيا ويسوعا.. وجعل من الفأر أسدا ومن الذئب حملا وديعا.
وإذا عدت معي قليلا بذاكرة الأسماك والتي يتميز بها المصريون عن باقي الأمم، واستعرضت تناول الإعلام مع مشروع تفريعة قناة السويس وتحويله إلى مشروع مارشال، حتى أن الكثيرين من المصريين ظنوا أنه المشروع المعجزة، والذي سيقفز بالمصريين إلى مصافي الأمم الغنية.. والنتيجة: فشل المشروع وتراجعت معه دخول قناة السويس.
وإذا استرجعت تصدي الإعلام للمؤتمر الاقتصادي، والذي أقيم في مصر العام قبل الماضي، وتحويل المؤتمر إلى مزايدة علنية من قبل الكثير من الإعلاميين؛ قفزت بنا إلى ما يقرب من 120 مليار دولار من الاستثمارات.. النتيجة: لا شيء سوى الديون والمزيد من الديون.
هذا هو الإعلام الذي أخرج لنا الانتخابات الرئاسية المسماة بانتخابات اللجان الخاوية، والأيام الثلاثة، على أنها أنزه انتخابات عرفتها البشرية، وأن أصوات الناخبين فيها تجاوزت 27 مليون صوت، بلا حياء أو رادع من ضمير.
هذا هو الإعلام الذي صور لنا قرار تحرير العملة وتعويم الجنيه ورفع الدعم؛ على أنه بلاء لا بد منه لجلب الحظ وعودة الغائب ورد المطلّقة، في عملية نصب أقرب ما تكون إلى الدجل والسحر؛ جعلت الأسعار تقفز أضعافا مضاعفة، وأربكت الأسواق، وازدادت معها معاناة المصريين أكثر وأكثر.
هذا هو الإعلام الذي جعل من كفتة عبد العاطي طعاما كافيا ودواء شافيا؛ دونما خجل أو وازع من دين.
هذا هو الإعلام الذي حول المشروعات الوهمية الفاشلة إلى محاولات محمودة، وحول القرارات الفاسدة إلى حسن نوايا، وحول القوانين الاستبدادية القمعية إلى حفاظ على أمن الوطن، وحوّل الإجراءات غير المشروعة إلى إجراءات احترازية، وحوّل الكذب والتدليس والتضليل إلى حقائق مبررة، وجعل من الحاكم الظالم المستبد حاكم الضرورة، وجعل من إيمانك بالشيطان وأتباعه والخضوع والخنوع لأوامره هي الوسيلة الوحيدة التي تقربك إلى الله.
هذا هو الإعلام الذي وصم شرفاء الوطن بالخونة المتآمرين، ووصف البلطجية وأرباب السوابق بالمواطنين الشرفاء.
هذا هو الإعلام الذي لا بديل أمامه سوى الكذب والتضليل والتدليس ولي الحقائق وتزييف الوعي.. لأنه يدرك تماما أنه إذا وقعت الواقعة وانهار النظام فلن يفلت من يد العدالة، ولن يفلت من يد من ضللهم واستخف بعقولهم ولعب بآلامهم وآمالهم.
فالإعلاميون حريصون كل الحرص على تجميل القبح، والذي يضمن له بقاء النظام واستمراره لأطول فترة ممكنة.. فبات مصير كثير من هؤلاء الإعلاميين مرتبطا ببقاء النظام واستمراره. فدولة الاستبداد الصارخ والديكتاتورية الفاضحة لا تستغني عن إعلام كاذب ومدلس.
فمثل هؤلاء الإعلاميين أشد إجراما وقسوة من القتلة والسفاحين. فمثل هؤلاء يطفئون مصابيح العقول، وينسجون خيوط العنكبوت في ملابس الإحرام.