بعد مجزرة
رابعة، تكفل إعلام العسكر بتحقيق نتيجتين، الأولى كانت توفير الإنذار اللازم لكل معسكر التغيير، وتخويفه من مصير رابعة، والثانية، امتصاص الأثر الذي أنتجته المجزرة، حتى لا تتحول في ضمير الشعب إلى مجزرة.
وكانت إدارة إعلام الانقلاب تخاطب جمهورها بطريقة محترفة.
ثم بعد ذلك، تعامل إعلام العسكر مع المسألة بطريقة مصارع الثيران، الذي يتفادى الاصطدام بالثور حتى يصيبه بالإنهاك.
الحقيقة أن الجهات التي وقفت خلف الانقلاب تعاملت مع رابعة من هذه المنطلقات.
وبعد رابعة بأيام، وبعد سلسلة من المجازر الوحشية، أقدم بشار الأسد على ارتكاب مجزرة الكيماوي في
الغوطة.
وكأنما بعثت مجزرة رابعة برسالة طمأنة، بدا أن جميع الطغاة كانوا بانتظار نتائج رابعة.
فلما مرت المجزرة واستطاع الإعلام العسكري امتصاصها بالكذب تارة، وبالترهيب الخفي تارة أخرى، ارتكب بشار مجزرته.
بعد فترة من رابعة، علمنا بمجزرة بنغلادش، التي قتل فيها الجيش والشرطة البنغاليين، عددا غير معروف من الإسلاميين، الذين اعتصموا رفضا للتطاول على مقام النبي صلى الله عليه وسلم.
وهناك تقديرات محددة لأعداد شهداء مجزرة بنغلادش، لكني أميل إلى رفض الأرقام الرسمية لأسباب لا تخفى على أحد.
بإمكان داعمي الانقلاب إذا بذلوا بعض الجهد، أن يتذكروا أخبارا احتلت مساحة ضئيلة في خضم ركام من أخبار الانقلاب.
وكانت الأخبار الآتية من جمهورية وسط أفريقيا تتحدث هي الأخرى عن مجازر ارتكبتها الحكومة ضد المسلمين.
وبمجهود أقل، يمكن لداعمي الانقلاب تذكر زيارة رئيسة جمهورية أفريقيا الوسطى لمصر، ولقائها مع عسكري الانقلاب، وصورها الشهيرة معه.
الأجواء المسمومة في مصر قبل الانقلاب حجبت عن الأنظار عن مجزرة أخرى شقيقة لرابعة في العراق، حين اقتحمت قوات حكومة المالكي اعتصام الحويجة، وقتلت 54 معتصما، واستمرت الاعتصامات حوالي سنة، واتبعت فيها حكومة المالكي الأسلوب ذاته الذي اتبعته حكومة بنغلادش، ثم الانقلاب العسكري في مصر.
اتهامات وشيطنة إعلامية ثم مجزرة يرتكبها الجيش والشرطة.
فيما بعد، تطورت الاتهامات إلى اتهامات بما يسمى بالإرهاب، وفي مصر ابتذلت هذه الكلمة، حتى صارت التهمة توجه للصحفيين، وأطياف مناهضي الانقلاب.
قبل رابعة، وقعت مجازر في مناطق إسلامية بعيدة مثل بنغلادش، وبعد رابعة بدأت وتيرة المجازر تتصاعد.
يبدو لي أن الطغاة كانوا يتشممون الأخبار القادمة من رابعة، ويتحسسون ردود الأفعال، ليبنوا على أساسها مواقفهم.
ويمكننا بضمير مستريح، أن نقول أنه لولا رابعة ما كانت المجازر التالية في سوريا، وفي أفريقيا الوسطى وفي العراق.
وفي
بورما، قال تقرير صدر عن "هيومن رايتس ووتش"، أن الأقمار الصناعية التقطت صورا لحرائق في مناطق الروهينغا، وهو ما يتفق مع الأخبار التي تفيد بحرق قرى كاملة من قرى المسلمين في مناطق الروهينغا.
وقالت إنه من الصعب التأكد من الأعداد نتيجة لظروف المطر، وعدم دقة التصوير، لكنه أكد أن الصور تشبه حالات إضرام النار التي استهدفت المسلمين الروهينغا بين عامي 2012 و2016.
ما اثار انتباهي هو أن المجازر الحالية التي ارتقى على إثرها ما يزيد عن ثلاثة آلاف شهيد، اتبعت مسار المجزرة في رابعة ذاته.
فجيش بورما يدعي أنه يواجه (إرهابا) وتحت هذا الغطاء الإعلامي، قتل ما يزيد عن ثلاثة آلاف.
فهل يدرك داعمو الانقلاب في مصر أن الانقلاب الذي هللوا له كان كلوح تزلُج مرت عليه مجازر أخرى في مناطق أخرى من العالم ضد المسلمين؟
هل يدركون فداحة ما هللوا له؟
هذه هي الصورة من أعلى الآن.