لدى الرياض خطة لفطام البلد وعلاج إدمانها على
النفط، إلا أن ذلك لن ينجح دون مواجهة بعض المشاكل الحقيقية.
تقرير في موقع ميدل إيست آي البريطاني، الجمعة، يسلط الضوء على هذه المشكلات وأثرها على الرؤية التي يقف وراءها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
التقرير من إعداد أحد باحثي ميدل إيست آي، الذي تعمد الموقع عدم الكشف عن هويته حفاظا على سلامته.
وجاء في التقرير الذي ترجمته "
عربي21":
هذه هي حكاية بلد - بلد أقيم على النفط.
منذ أن اكتشف الذهب الأسود فيها في عام 1938 والمملكة العربية
السعودية تعتمد في اقتصادها على مورد واحد هو النفط، مع أن حكوماتها المتعاقبة تقدمت بعشر خطط للتنمية حتى الآن كانت أولاها في عام 1970 وآخرها في عام 2015.
وكان هدفها الاستراتيجي الوحيد باستمرار، هو تحقيق التنوع الاقتصادي وتحرير المملكة من أسر الاعتماد الشديد على النفط.
إلا أن تسعا من هذه الخطط على الأقل فشلت فشلا ذريعا في تحقيق ذلك الهدف، ومازالت المملكة بعيدة عن إقامة أي بنية صناعية جادة تتجاوز الصناعات البتروكيماوية الأساسية وصناعات البلاستيك ومصانع معالجة الأطعمة.
ولم تظهر بعد نتائج خطة التنمية الأخيرة، أي العاشرة، التي تسمى خطة التحول الوطني. وهذه عبارة عن رؤية لخمسة أعوام تمتد ما بين عام 2015 وعام 2020، وتشكل المرحلة الأولى من
رؤية 2030 الأضخم حجما والأوسع إطارا، التي تمثل استراتيجية تنويع بعيدة المدى وضعتها الحكومة السعودية.
مازالت حالة الإدمان على النفط
تنص رؤية 2030 على أن الحكومة ستحقق هدفها من خلال بيع ممتلكات الدولة وإعادة استثمار الأموال وتوفير الدخل من قنوات "جديدة" غير النفط، إلا أن ذلك غير صحيح، فقيمة هذه الممتلكات مازالت ناجمة عن اقتصاد معتمد على النفط.
أعلنت الحكومة في تموز/ يوليو 2017 خططا لبيع حصص أقلية كبيرة (تصل إلى 49 بالمائة) من مطار الملك خالد، الذي يقال إنه استقبل 22.5 مليون مسافر في عام 2016.
إلا أن حركة الناس هذه ما هي إلا نتيجة للنشاط الاقتصادي الناجم عن إنفاق الحكومة لإيرادات النفط، وقيمة مصطنعة قائمة على الاقتصاد المؤقت القائم على النفط. ورغم ما تدعيه الحكومة، لا يمكن اعتبار ذلك تنويعا، إنما استمرار للرسملة من المورد نفسه.
بالنسبة للمستثمرين، قد يكون المستقبل قاتما، حيث سيخضع لتقلبات أسعار النفط وقدرة الحكومة المستمرة على تمويل ميزانيتها، وهذه ليست أسسا اقتصادية قوية سيرغب أصحاب الأعمال والاختصاص في الاعتماد عليها لاتخاذ قراراتهم.
كما تخطط الرياض لبيع حصة من أرامكو، أكبر منتج للنفط في العالم، كجزء من جهد يبذل في سبيل "جمع مبلغ قدره 200 مليار دولار على مدى عدة سنوات قادمة". وهي بذلك تستشرف عالما ستصبح فيه الاقتصاديات الخضراء وبشكل متزايد هي القوة السائدة، ولذلك فهي تريد إعداد السعودية للعيش في كوكب ما بعد الوقود الأحفوري.
في النهاية تهدف المملكة إلى إقامة أضخم صندوق استثمار عام في العالم، تقدر قيمته بما يقرب من 2 تريليون دولار. ترغب الحكومة في أن يصبح الصندوق بمنزلة نفط البلاد الجديد، لإعادة استثمار تلك الأموال وتوفير أرباح دائمة لتمويل الميزانيات التي ما فتئت تعتمد بشكل متزايد على الاستهلاك.
إلا أن قرار بيع المطارات، والأهم من ذلك، بيع شركة النفط -التي تعتبر المورد الوحيد للدخل في البلاد – يمثل تحركات كبيرة ما من شك في أنها ستحدد مصير السعودية. وبناء عليه ينبغي أن تكون هذه القرارات خاضعة لموافقة الشعب، فهي لا تدخل ضمن نطاق صلاحيات شخص واحد بمفرده، ولو كان ذلك الشخص هو الملك أو ابن الملك.
ولن يتسنى ذلك إلا من خلال الحوار العام الحر متبوعا باستفتاء مفتوح، إلا أن السعودية تفتقد الإرادة السياسية والسعة المؤسساتية للقيام بذلك، بل على النقيض من ذلك، إنها بيئة شديدة الصعوبة، والحكومة فيها إما أن تنال الفضل كله أو تتحمل اللوم كله.
لكن لا يجب أن يكون الأمر كذلك، تحتاج الحكومة لأن تسمح بالمشاركة الشعبية لتتفادى الصدمات السياسية.
هل يعرف أحد ما الذي يقومون به؟
إن الحكومة التي اعتمدت باستمرار على المال السهل الوارد من بيع النفط ليست مؤهلة بما يكفي لأن تقود البلاد في مرحلة ما بعد النفط، ولا تملك الرياض السعة الثقافية للحكم في عالم مختلف. فمبيعات النفط تنتج تدفقات نقدية سريعة وثابتة مقارنة بالمقاربة المنحازة للاستثمار، التي تعتبر آلية أصعب بكثير لتوليد المال على المدى البعيد.
ناهيك عن أن الحكومة السعودية لديها سجل حافل بعدم الالتزام عندما يتعلق الأمر بالسماح للاستثمارات بصرف الأرباح. حينما تكون الأسعار في حالة من الازدهار، تقوم الرياض في العادة باستثمار النقد الفائض في الخارج، ولكن حينما تهبط أسعار النفط فإنها تسارع إلى تسييل ما لديها من موجودات.
تخفق هذه المقاربة في الثبات أمام اختبار الأيام، مما ينجم عنه سجل كارثي في استثمار أموال القطاع العام، كما حدث على مدى عقود، ولا أدل على ذلك من المساهمة المحدودة لهذه الاستثمارات في الناتج المحلي الإجمالي على مستوى الوطن.
إضافة إلى ذلك، تنص رؤية 2030 على أن الأموال التي تجمع من خلال بيع الكيانات المملوكة للقطاع العام سيعاد استثمارها لتوليد "عائد أكبر"، إلا أن أصحاب الاختصاص في قطاع المال ينصحون دوما بأن مخططات الاستثمار التي تعد المستثمرين بعوائد أعلى تكون في العادة محفوفة بالمخاطر، وذلك لأنها تكون في العادة عرضة لدرجات عالية من التطاير أو التقلبات في القيمة.
هل تعلم الحكومة السعودية وهل يعلم الشعب السعودي ما الذي تعنيه مثل هذه القرارات وما الذي يمكن أن ينجم عنها؟
ما نعرفه من سابق تجربتنا أن الحكومة السعودية ينقصها الالتزام الذاتي (أو ما يطلق عليه خبراء الاستثمار عبارة الذكاء العاطفي). فهذه خاصية أساسية لابد منها إذا ما أريد للاستثمار أن يؤتي أكله، بغض النظر عن أي ضغوط قد تمارس على صانعي القرار، كما في حالة انخفاض أسعار النفط.
ينبغي علينا كذلك أن نسأل ما إذا كانت لدى الرياض القدرة الفنية لأن تقوم بكفاءة باتخاذ قرارات حيوية؛ من حيث متى ينبغي مغادرة موقع ما وتقليص الخسائر، ومتى ينبغي الانتظار إلى أن تعود الأسعار وتتحسن من جديد، إذا ما قدر لها ذلك على الإطلاق.
من الذي ينبغي أن يتحمل المسؤولية عن المقامرة بكنز البلد الوحيد، أرامكو، مقابل التعلق بأمل؟ أما كان بإمكان السلطات التفكير في أي خيارات أفضل لجمع أموال لأغراض الاستثمار بدلا من بيع أرامكو أو أي شركات أخرى مملوكة لدى القطاع العام؟ ولماذا تعامل السلطات رؤية 2030 كما لو كانت قرآنا مقدسا لا يجوز الاقتراب منه ولا تعديله؟
تلك هي بعض الأسئلة التي يطرحها الشارع السعودي – كما يتضح من الحوار الذي يدور على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي – والتي فشلت الحكومة حتى الساعة في الإجابة عليها.
نفوذ أكثر من اللازم في موقع واحد
ولكن النظام الملكي السعودي عبارة عن منظومة مركزية من السلطة والنفوذ، لا تكتفي فقط بسد الطريق على أي محاولة حقيقية للنقاش، ولكنها أيضا تعيق أي مجهود حقيقي يقصد منه إيجاد اقتصاد متنوع يعتمد أساسا على الإنسان كرأسمال.
خذ على سبيل المثال نظام
التعليم السعودي. من المعروف أنه توجد في الاقتصاد المعولم مهارات قياسية تحتاجها جميع أنظمة التعليم لتجهيز خريجيها بها. ألق نظرة على إيرلاندا، حيث تقوم مجموعة الخبراء المختصة في المهارات التي يحتاجها المجتمع في المستقبل بالتعرف على تشكيلة واسعة من القدرات، التي تحتاج إليها القوى العاملة في المستقبل لضمان التأهل للتوظيف في الاقتصاديات الحديثة.
تلك هي المهارات الأساسية المطلوبة للدخول في أول مستويات التوظيف، ويدخل فيها إتقان الكتابة والقراءة، ومعرفة الحساب، والتزود بمعلومات أساسية والإحاطة بتقنيات الاتصال، ثم تأتي من بعد المهارات ذات العلاقة بالتواصل مع الناس. وأخيرا، هناك المهارات التصورية والفكرية، مثل البحث والتحليل وحل المشاكل والتخطيط والتفكير النقدي والقدرات الإبداعية.
أما النظام التعليمي السعودي، فبالكاد يحقق الحد الأدنى من المهارات الأساسية في قراءة وكتابة اللغة العربية وفي مبادئ الحساب، وذلك بالرغم من المخصصات الفلكية التي زادت في ميزانية عام 2017 عن 53 مليار دولار.
وهذا رقم سخيف إذا ما أخذنا بالاعتبار النتائج البائسة، كما هو ثابت، بدليل انتشار البطالة على نطاق واسع في صفوف الخريجين. وكما نقل أحد كتاب الرأي في موقع ميد إيست بوست في عام 2012:
"لعل من أصعب المشاكل، مع ذلك، أن هؤلاء الخريجين، بعد أن تلقوا تعليمهم في حقل ضيق محدود، ينزعون إلى رؤية العالم من خلال عدسات أنتجها ذلك الحقل من الدراسة... هم الآن "أفضل تعليما" من حيث إنهم حصلوا على شهادات علمية، ولكنهم أسوأ تعليما من حيث إن معرفتهم بالعالم وبالبشرية أقل بكثير مما يمكن لأي حقل دراسي أن يوفره، والوظائف الوحيدة التي يجدون في أنفسهم الجدارة لشغلها، هي تلك التي أوجدتها الحكومة بشكل مصطنع في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر."
في تقرير صادر عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في عام 2016 ورد ما يلي، "إن نسبة الشباب هذه الأيام ممن يتوقع حصولهم على الماجستير أو على درجة تعادلها في أثناء حياتهم هي الأدنى داخل البلدان الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وداخل الاقتصاديات الشريكة التي تتوفر بيانات عنها." وذكر التقرير أن المملكة العربية السعودية تأتي في المرتبة 37 من بين الدول الأعضاء والشريكة الذين يبلغ عددهم 38 بلدا.
لا تنحصر المشكلة في العدد المحدود من الخريجين. قبل عقد من الزمن، طرح محمد الحسن، نائب الرئيس للشؤون التعليمية والأكاديمية في جامعة الملك سعود السؤال التالي: "إذا كان العديد من أعضاء هيئتنا التدريسية قد تخرجوا من جامعات ييل وهارفارد وستانفورد، فلماذا لا تجري على أياديهم إنجازات حقيقية؟ لا يوجد لدينا هنا نظام خدمة، ولا ننفق مالا على البحث، وبذلك فبيئتنا ليست البيئة الملائمة للإنجاز والإبداع."
لم يتغير الكثير منذ ذلك الوقت
إن المهارات التحليلية بطبيعتها قابلة للنقل ولا تقيدها مجالات التخصص مثل القانون أو الاقتصاد، من خلالها تخضع كل مساحات الوجود الاجتماعي للاختبار، مما يؤدي إلى نشوء مواطنين قادرين على التفكير باستقلالية دون الخضوع للدعاية الحكومية أو حتى التأثر بها. ولكن العائلة الحاكمة السعودية تخشى نشوء مثل هؤلاء المواطنين؛ ولذلك صمم النظام التعليمي بعناية فائقة لإعاقة مثل هذا التمكين.
بدلا من ذلك، لقد صمم التعليم الرسمي في المملكة العربية السعودية بحيث يؤدي إلى نتائج معينة، فهو يعمل كما لو كان عملية تحكم في الذهن، بما يشتمل عليه من تأكيد التعاليم التي تتطلب الطاعة العمياء للحكام؛ إنه فقه طاعة ولي الأمر. يتكون النظام التعليمي من منهج صمم لغسل أدمغة الطلاب على مدى اثني عشر عاما من الدراسة، وبطريقة نظامية، لا يملك الطالب الإفلات منها أو الالتفاف عليها، باسم ما يطلقون عليه عبارة "إجماع الأمة" على طاعة الملك دون قيد أو شرط.
ولكن بينما "إجماع الأمة" لا يزيد عن كونه مجرد أسطورة، مازال قطاع كبير من السعوديين يعجزه رؤية الأمر بهذا الشكل، وذلك للأسباب التي نوردها ههنا. إنها مجرد فكرة تروج لها الحكومة من خلال منصات ومنتديات ومناشط بما في ذلك خطب الجمعة والقنوات التلفزيونية الدينية.
إن انعدام الرقابة وتركيز السلطة في أيدي القلة لا ينجم عنه سوى إعاقة أي تنمية اقتصادية حقيقية. خذ على سبيل المثال قطاع التكنولوجيا وأهمية الإبداع المستمر لتطوير منتجات جديدة وفتح أسواق جديدة. مثل هذا الأمر ببساطة محال تحقيقه في الوضع السعودي، حيث يحبط العوار الذي تبتلى به المؤسسات أي أمل في النجاح في تنويع الاقتصاد.
إلى أين يذهب المال؟
أحد الأسباب الرئيسية لفشل هذه الحكومة هو انعدام الرقابة. فعلى سبيل المثال، أعلنت المملكة العربية السعودية في عام 2014 ما أطلقت عليه اسم مشروع الملك عبد الله لإصلاح قطاع التعليم الحكومي "خطة على مدى أربعة أعوام تقدر قيمتها بما يزيد عن ثمانين مليار ريال سعودي (أي ما يعادل تقريبا 21 مليار دولار) لتطوير قطاع التعليم في البلاد".
ثم توفي الملك عبد الله في يناير 2015 ووصل إلى العرش حاكم جديد، هو الملك سلمان، الذي أعلن منذ مجيئه عن استراتيجيات جديدة، تحل في العادة محل القديم. ولكن، قد يسأل سائل، ما الذي جرى لخطط إصلاح التعليم التي أعلن عنها قبل عام واحد فقط من استلامه الحكم؟ أو ما الذي حدث للميزانية الضخمة التي كانت قد خصصت لذلك المشروع؟
كان المشروع قد أعلن عنه من قبل الأمير خالد الفيصل الذي كان حينها وزيرا للتعليم، وذلك في مؤتمر صحفي في عام 2014 – مع أن المشروع كان في واقع الأمر يمول بمليارات الدولارات من ميزانيات الدولة السنوية بدءا من العام 2008 وحتى العام 2015.
في مؤتمره الصحفي خصص الفيصل أرقاما ضخمة لكل شريحة في المشروع، ولكن أنى للمرء أن يعرف كيف تم التوصل إلى هذه الأرقام ومن الذي كان سيرصد الطريقة التي كان المال سينفق من خلالها.
في غياب الرقابة الفعلية والمستقلة، وفي ضوء السياسة الرسمية التي تعمل على إسكات المدافعين عن الحقوق، ليس معروفا ما هي الآلية التي من خلالها وزعت المناقصات، أو كيف تم التوصل إلى الأرقام التي أعلن عنها.
لربما توقع البعض الحصول على إجابات من الفيصل، الذي يشغل الآن منصب أمير مكة، ولكن لا يملك أحد صلاحية مساءلته: كل ما حصل هو أنه انتقل إلى منصب جديد، تاركا خلفه كل الأسئلة بلا أجوبة.
وكانت وزارة التعليم تحت إدارته قد تلقت تمويلا ضخما للغاية، كان من المفترض أن ينفق على إصلاح نظام التعليم الحكومي. إلا أن المشروع لم ينجم عنه من النتائج ما يعرف حتى يذكر، ومن خلال تنصيبه أميرا على مكة، تكون الحكومة فعليا قد منحته الحصانة من أن يتحمل أي تبعات أو مسؤوليات.
وقد تسول للمرء نفسه أن يبحث في الهيئة السعودية لمكافحة الفساد، التي تعرف باسم "نزاهة"، لتقصي حقائق ما آلت إليه أمور المشروع. فمن المفترض أن تتمتع هذه الهيئة بالاستقلال المالي والسياسي، وألا تكون مسؤولة إلا أمام ممثلي الشعب. إلا أنها بلا سلطات ولا صلاحيات، ويتم تعيين أعضائها من قبل الحكومة التي لا تمنحهم أي سلطة ذات معنى، ولذلك فهي لا تملك صلاحية التحقيق مع الأشخاص الذين قد يشتبه فيهم، ولا تملك صلاحية فتح أي ملفات، فهي في نهاية المطاف بلا معنى ومجردة من الاستقلالية.
بل من شأن هذه الهيئة، بدلا من ذلك، أن تدلس بوجودها على الجمهور بحيث توهمهم أن الحكومة جادة، بشكل أو بآخر، بشأن مكافحة الفساد. فعليا، وكما هو حالها الآن، لقد أصبحت هذه الهيئة جزءا من المشكلة لم تكن يوما جزءا من الحل.
كان من المفروض أن تمارس الرقابة على خطة عام 2014، وكان ينبغي على الوزراء الذين كانوا جزءا من الاستراتيجية، أن يحضروا جلسات تحقيق واستماع، يحقق معهم فيها وتوجه إليهم الأسئلة من قبل ممثلين عن الجمهور، بدلا من أشخاص تعينهم الحكومة، كما هو حال أعضاء مجلس الشورى.
لم يلمس المدرسون والطلاب على الأرض فوائد تذكر، وكثيرون منهم قالوا إن مشاريع التعليم فشلت فشلا ذريعا. حتى إن وزير التعليم أحمد العيسى عندما غرد شاكرا الحكومة على دعمها للتعليم، انهالت عليه عبارات السخرية وأمطر بالشتائم واللعنات.
مشكلة الترميمات السريعة
نظرا لطبيعة نظامها السياسي، ما فتئت المملكة العربية السعودية تلجأ إلى ما طالما اعتبرته خيارات سهلة.
فعلى سبيل المثال، برنامج وزارة العمل المعروف باسم "نطاقات" يفرض على القطاع الخاص توظيف مواطنين سعوديين، وتواجه المؤسسات الخاصة عواقب وخيمة فيما لو قصرت في توظيف العدد المطلوب منها من السعوديين، وقد تصل إلى تجميد عملياتها التجارية ووقف نشاطاتها مع سحب رخص ممارستها للمهنة.
وهذا مثال تقليدي على قيام الحكومة بتحويل المسؤولية عن إخفاقاتها إلى المجتمع. إن عدم أهلية الطلاب السعوديين للتوظيف إنما هو نتيجة مباشرة لما يعتري نظام التعليم السعودي من خلل ونقص، بل يحظر عليهم الالتحاق بالمدارس الدولية الخاصة التي تعلم المناهج الغربية، بالإضافة إلى مواضيع اللغة العربية والدراسات الإسلامية.
لا تشكل هذه المدارس تهديدا للهوية العربية والإسلامية للطلبة السعوديين لأنها تدرس المواد ذات العلاقة، لكن المشكلة كما تراها السلطات ذات طابع سياسي، فهم يخشون من أن تنمي هذه المناهج ملكة التفكير المستقل في أوساط طلابها.
والنتيجة هي قطاع خاص يدفع ثمن إخفاق الرياض في تحقيق التوازن، بين حاجة الاقتصاد الحديث إلى عاملين مهرة من جهة والمصالح السياسية المركزية من جهة أخرى.
وهذا يعني أن كثيرا من المؤسسات التجارية توظف الشباب السعودي لشغل مواقع وهمية، لا وجود لها، حيث تُدفع للكثيرين منهم أجور مقابل عمل لا شيء، بل إن بعضهم لا يحضر إلا آخر كل شهر ليستلم راتبه، ثم يختفي من جديد.
وبحسب ما نطق به محمد بن سلمان نفسه، فإن "الترميم السريع" هو الأسلوب الذي تدير من خلاله الحكومة السعودية شؤونها.
الملاذ الأخير
أعلن الصندوق السعودي للاستثمارات العامة في آب/ أغسطس 2017 عن مشروع منتجع البحر الأحمر، الذي من المفروض أن يصبح وجهة سياحية دولية على الساحل الغربي للأراضي المقدسة (نعم، لقد تعمدت اختيار هذا التوصيف).
لقد تم الآن تبليغ مجتمع محافظ وتقليدي أن حكومته ترغب في إقامة منتجع لا تطبق فيه القواعد المعمول بها داخل البلاد، بما في ذلك الفصل بين الجنسين والالتزام بالزي الإسلامي، وذلك على بعد بضع مئات الكيلومترات فقط من أقدس الأماكن في الإسلام.
يزعم الكتيب التعريفي بالمشروع أنه سيوفر 35 ألف فرصة عمل، وسيولد دخلا سنويا يصل إلى 15 مليار ريال سعودي (أربعة مليارات دولار أمريكي). ولكن لا يرد في الكتيب أي ذكر لكمية المال الذي سينفق لإنجاز المشروع، ولذلك ليس بإمكاننا معرفة ما إذا كان المشروع ذا جدوى من الناحية الاقتصادية أم لا.
ثانيا، يثير المشروع مشكلة أخلاقية وسياسية، إذ إنه يمثل فرضا تاما لقيم غريبة، من ألفه إلى يائه.
ليس هذا ناجما عن تطور ثقافي طبيعي داخل المجتمع، وإنما يأتي بأمر ملكي، وكأنه يريد انتشال البلاد بين عشية وضحاها من حالة من الهوس الديني المتعصب واللاعقلاني. ما من شك في أن ذلك سيكون بمنزلة إهانة لقطاع كبير من المجتمع السعودي، نشأ على الدعاية الدينية الرسمية على مدى عقود.
هيا بنا نتكلم عن مستقبل السعودية
لا يمكن للمرء إلا أن يخلص إلى أنه من غير الممكن تحقيق أي تنوع اقتصادي حقيقي في ظل النمط الحالي من الحكم السعودي، فما بالك بالوضع في عالم ما بعد النفط. وذلك أن فشل الرياض في تخفيف قبضتها على السلطة لا يتوافق مع هذا الهدف.
يؤدي الفساد باستمرار إلى تضخيم تكاليف جميع المشاريع ويشفط كل الفوائض. إن اللامركزية السياسية وإجراءات مكافحة الفساد هما السبيل الوحيد للتقدم إلى الأمام، إذا ما كانت الحكومة الجديدة لمحمد بن سلمان جادة في رؤية تغيير حقيقي.
إلا أن التغيير الحقيقي لن يتسنى تحقيقه إلا بتحسين جودة التعليم وإتاحة حرية التفكير والتعبير. أما نظام التعليم السعودي بوضعه الحالي فكل ما يفعله هو أنه يزيد من معدلات البطالة في البلاد.
لا مفر من استبدال النظام الحالي بنظام قادر على توفير العقلانية وتطوير المهارات الذهنية والتحليلية الأخرى، وإذا لم يتحقق ذلك فإن الحكومة ستواجه تحديات خطيرة خلال السنوات القادمة.
بالإضافة إلى ذلك، من شأن حماية حرية التفكير والتعبير على المدى البعيد أن توفر سياقا للتحولات الليبرالية في البلاد، الأمر الذي سينشئ إطارا تتكاثر في الأفكار وتتطور ويتوجه المجتمع بشكل عام نحو التسامح.
تتطلب المصلحة العامة السماح بإجراء حوار مفتوح يسبق التحولات المرجوة، بدلا من مباغتة المجتمع وأخذه على حين غرة.