كشفت صحيفة "فورين أفيرز" أن بغداد تواجه مخاضا جديدا بعد التوجهات الجديدة للتقارب مع دول الخليج.
وطرح الكاتب اليكس فاتنكا، في مقاله على موقع المجلة، تساؤلا عن نفوذ
إيران في
العراق وتراجع تأثيرها، "أم أنه اختبار جديد في لعبة التأثير على المنطقة".
يشار إلى أن الزعيم العراقي الشيعي مقتدى
الصدر زار الإمارات والسعودية، واجتمع مع ولي العهد محمد
بن سلمان، الذي طلب وساطة بغداد مع طهران، في وقت زار فيه وزير خارجية البحرين بغداد.
وتشير المجلة إلى أنه في الأشهر الماضية كان هناك تنافس بين الجماعات السياسية على التأثير في التحضير للانتخابات البرلمانية العام المقبل، لافتة إلى أن بعض الجماعات الشيعية العراقية تسعى لإبعاد نفسها عن راعيتهم الإيرانية؛ لتعزيز فرصهم السياسية لدى الناخبين العراقيين.
وفي الوقت ذاته، تذكر المجلة خشية إيران عقب الانتهاء من هزيمة تنظيم الدولة من أن تجد نفسها خارج لعبة الحوار الداخلية ما بين طوائف الشعب العراقي السنية والشيعية وبين أعراقه المختلفة حول مستقبل ومسار البلاد، وعملية التشارك بالسلطة فيما بينها.
وقالت الصحيفة إن هناك نقاشا داخل المؤسسة الحاكمة في طهران حول ما إذا كانت التوجهات داخل العراق زوبعة في فنجان، أم أن على طهران التعامل والعيش مع التمظهرات القومية الشيعية العراقية الصاعدة كحالة دائمة.
وأشارت إلى أن نتيجة الصراع الداخلي العراقي ستترك آثارها على دول الجوار والمناطق الأبعد من ذلك.
وقالت الصحيفة إن إيران عبّرت عن قلقها عندما ظهر مقتدى الصدر في 30 تموز/ يوليو بمدينة جدة في
السعودية، التي تعدّ المنافس الأكبر لإيران في المنطقة.
وتلفت الصحيفة إلى أن خسارة إيران تأثيرها على شيعة العراق سيبطّئ من خططها للتوسع ونشر أيديولوجيتها في المنطقة.
وقالت إن إيران ظلت تراقب التحركات والانحرافات في السياسة العراقية؛ لأن نفوذها الذي مارسته على الجماعات الشيعية العراقية يعدّ من أهم إنجازاتها في السياسة الخارجية منذ إنشاء حزب الله عام 1982.
وبينت أن رحلة الصدر إلى جدة، واستقبال ولي العهد له، نظر إليها في طهران على أنها حملة مضادة لإيران. وأصبحت والحالة هذه موضوع تكهنات في طهران، ومركز نقاش بشأن دوافعها.
يشار إلى أن آخر زيارة للصدر إلى السعودية كانت في عام 2006، وبعدها قضى 3 سنوات بالمنفى في إيران، بعدما حاولت القوات الأمريكية اعتقاله؛ لدوره في عملية التمرد. والمفارقة أنه كان من الأصوات المعارضة للدور الإيراني في العراق، إلا أنه وجد فيها ملجأ للاختباء عندما احتاجه.
ووفقا للصحيفة، فلا يعرف المراقبون حجم التأثير الذي مارسته إيران عليه في الماضي أو الحاضر. وبعد عودته من إيران عام 2011، دعم حكومة نوري المالكي.
وتذكر الصحيفة أن الصدر لم يظهر في الفترة ما بين 2011-2016 أي مواقف مؤيدة للسعودية، بل كان ناقدا لسياساتها في كل من اليمن والبحرين. ويعتقد الإيرانيون أن الصدر منذ عودته يحاول إعادة خلق نفسه كرجل ينافح عن الشيعة العراقيين.
وتذكر الصحيفة أن الإيرانيين يعتقدون أن الصدر ربما حاول الحصول على مساعدة السعوديين؛ كي يؤمّنوا له دعم السنة في العراق أو الشيعة الناقدين للدور الإيراني في العراق، مثل رئيس الوزراء العراقي السابق إياد علاوي.
وتقول المجلة إن دهشة إيران من زيارة الصدر للسعودية كانت واضحة؛ ففي البداية قالت إنها قامت بتنسيق الزيارة من أجل القيام بجهود الوساطة بينها والسعودية، إلا أن التبرير هذا انهار حالة عودة الصدر إلى بغداد؛ حيث جدد مطالبه من الحكومة العراقية بالقيام بحل مليشيات الحشد الشعبي، ذراع طهران العسكري في العراق.
وتعتقد طهران أن مطالب الصدر بحل الحشد الشعبي هي تحد لها وللجماعات السياسية العراقية التي تدعم المليشيات، مثل رئيس الوزراء حيدر العبادي، الذي رفض في 5 أغسطس/ آب مطالب الصدر.
وفي إطار مهاجمة الصدر، روّجت إيران فكرة أن المقاتلين التابعين للصدر لم يلعبوا دورا في القتال ضد تنظيم الدولة، وعليه فلا حق له أو مقاتليه في المطالبة بحل الحشد الشعبي.
وتوضح الصحيفة أنه قد تلجأ إيران في المرحلة المقبلة إلى تهميش الصدريين، والحد من مشاركتهم في الحوار الذي سيتبع هزيمة تنظيم الدولة.
وأكدت أن إيران تملك الوسائل لمواجهة أي تصعيد من الصدر في المستقبل.
وتعتقد طهران أن دعوة الصدر لحل الحشد الشعبي هو تجاوز لخط أحمر؛ نظرا لتعاملها مع المليشيات كذراع لتأثيرها في العراق، والسيطرة على مفاصل صنع القرار فيه، كما أنها تعدّ أداة جاهزة لمد الطموحات الإيرانية في المنطقة.
وتشير الصحيفة إلى أن الحشد الشعبي مرتبط بشكل تام بالحرس الثوري؛ ولذلك فإن قادة هذا الأخير لا يريدون تفكيك النموذج العراقي؛ لأن هذا يعني نكسة لهم ولمحاولاتهم مدّ نفوذهم في المنطقة اعتمادا على جماعات وكيلة كهذه، بدلا من التعامل مع بغداد أو دمشق.
وختمت بقولها إن الصدر يعرف أن مطالبه بحل الحشد الشعبي لن تمر دون إجابة من الحرس الثوري. وبالتأكيد فإن محاولة فك الارتباط بين شيعة العراق وإيران تحتاج لوقت طويل، في ضوء العلاقة المتينة التي تربطهما منذ عقود. إلا أن خشية إيران تظل مرتبطة بجرأة الصدر على تحدي وجودها، ولو نجح فستتجرأ عليها بقية الأطراف السياسية في بغداد.