كتاب عربي 21

من يدعم الإرهاب في الخليج؟

1300x600
لعل أخطر الأسلحة والتهم التي اُستعملت في الأزمة الخليجية الراهنة وفي حصار قطر هي تهمة الإرهاب. فقد سارع المحاصرون منذ البداية إلى اتهام دولة قطر بدعم الإرهاب أو بتمويل الجماعات الإرهابية أو بإيواء عناصر إرهابية أو بالتحريض على الإرهاب. كلها تهم تصب في إناء واحد وهو محاولة إلصاق التهمة الأخطر دوليا اليوم بالخصم وشيطنته بشكل يجعل منه عدوا دوليا خطيرا جدا.

لا نهدف هنا إلى الإجابة عن العنوان السابق لأن الإجابة عنه بكل بساطة لا تتعلق بالدول العربية بل تتعلق أكثر بالدول إقليمية أخرى وبقوى امبراطورية عالمية جعلت من الإرهاب سيفا مسلطا على رقاب الضعفاء من الأمم من أجل ابتزازها ونهب ثرواتها. الإرهاب هي التهمة الجديدة التي صاغها العقل الاستعماري الغربي من أجل أن يستحل دماء العرب والمسلمين وهاهي اليوم تتحول إلى سلاح يشهره ضحاياه فيما بينهم من أجل السلطة وكرسي السلطة لا غير. 

نجح العقل الاستعماري الأمريكي والروسي والأوروبي في الارتفاع بتهمة الإرهاب إلى أعلى مراتب الردع الدولي وصار اللفظ كافيا للقضاء على مدن بأسرها مثل الموصل في العراق أو تدمير حضارات عريقة بكاملها مثل سوريا سواء بيده أو بيد وكلائه وأعوانه في المنطقة. 

الإرهاب هو في الحقيقة أخطر الأسلحة التي تفتق عنها العقل الاستعماري الصهيوني الحديث ليحقق عبرها وظائف استعمارية مختلفة ومتباينة:

لقد نجحت قوى الموت الدولية اليوم في ربط صورة العربي المسلم -السني طبعا -بالإرهاب ربطا لا فكاك له منه إلى درجة يكاد يصبح لفظ الإرهاب والإرهابي ترجمة للعربي المسلم في الخيال الغربي بصورة عامة. فبعد عملية الحادي عشر من سبتمبر صار الإرهاب أعظم الأسلحة التي شرعت تدمير حواضر اسلامية من أفغانستان وصولا إلى العراق. 

مكنت تهمة الإرهاب النظام الاستبدادي العربي بما هو وكيل استعماري للمنطقة ولدويلات سايكس بيكو التي ورثها من قمع كل الأصوات المعارضة ومن سحقها سحقا. بل إن تهمة الإرهاب مكنت من الانقلاب على الثورات العربية الأخيرة ومكنت من ذبح الجماهير في الساحات وفي الإطاحة بالأنظمة التي أفرزتها الانتخابات النزيهة في بلاد الربيع العربي مثلما حدث في مصر. 

الإرهاب يحضر اليوم في معركة الاخوة بالخليج حيث استعمل المحاصرون تهمة الإرهاب في تجلياتها المختلفة من دعم وإيواء وتمويل وخطاب وهو ما يجعل مربع التهمة جاهزا تحضيرا لحبل المشنقة الدولية. قطر لم تنتظر واستحضرت هي الأخرى في إطار الدفاع الشرعي عن النفس تورط دول الحصار وخاصة السعودية والإمارات في الإرهاب المعولم بدءا بهجمات الحادي عشر سبتمبر وصولا إلى الصواريخ الكورية. 

الرئيس الأمريكي بما هو عرّاب أزمة الخليج ومديرها التنفيذي نقل عن قمة الرياض أن الجماعة أشاروا إلى قطر عند الحديث عن الإرهاب وتمويل الجماعات الارهابية. البادئ أظلم كما يقول المثل العربي. لكن السؤال الذي يطرح هو التالي: لماذا استعملت دول الخليج تهمة الإرهاب في صراعها البينيّ ؟

لا شك أن لقانون جاستا الذي طرحه ترامب من أجل ابتزاز السعودية والحصول منها على أضخم صفقات القرن يقف وراء التعجيل بإثارة هذه التهمة بين دول يجمعهم وقوعهم على قائمة المتهمين بالإرهاب بما أنهم دول عربية سنية. عجلت المملكة العربية السعودية باتهام قطر بتهمة الإرهاب كما سارعت إلى اعتبار الاخوان المسلمين تنظيما إرهابيا ثم عجلت بتصنيف حركة حماس تنظيما إرهابيا. 

هذا التخبط في الموقف السعودي مرتبط وثيق الارتباط بآليات انتقال السلطة في المملكة وهو مرتبط كذلك وثيق الارتباط بالتحالفات الجديدة القديمة التي اختارتها المملكة عبر التحالف الوثيق مع مجموعة أبو ظبي التي تقود مذابح الثورات المضادة في كامل الوطن العربي والدول التي عرفت ثورات سلمية. 

إن استعمال تهمة الإرهاب بين الدول العربية المسلمة نفسها يعتبر تطورا خطيرا في التوظيف السياسي لهذه التهمة التي مكنت أعداء هذه الدول نفسها من تدمير المنطقة واحتلالها ونهب ثرواتها. فليس الاحتلال الصهيوني لأرض فلسطين وليس التمدد السرطاني الإيراني في المشرق العربي وليس الحضور العسكري الغربي هناك إلا أبرز أوجه الإرهاب العابر للقارات وللأوطان. وليست الممارسات الاستبدادية القاتلة للنظام الرسمي العربي في مصر وسوريا وبقية مزارع الموت إلا واحدة من أسمى تجليات الإرهاب. 

إن استعمال تهمة الإرهاب في الأزمة الخليجية الأخيرة هي لمن استعملها كمن يطلق النار على قدميه لأنها سترسخ الهدف الاستعماريّ منها والمتمثل أساسا في استنزاف المنطقة ومزيد تقسيمها دون استثناء ولا تمييز.