مع فشل حكومة سعد الدين العثماني في معالجة أزمة
حراك الريف بالمغرب الذي انطلق منذ 8 أشهر، ارتفعت أصوات بعض الفاعلين السياسيين والحقوقيين تطالب حزب
العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة بالتحول إلى معسكر
المعارضة وذلك للضغط من أجل إيجاد حل "لأزمة الحراك".
وكان العاهل
المغربي الملك محمد السادس عبّر للحكومة، وللوزراء المعنيين ببرنامج (الحسيمة منارة المتوسط) بصفة خاصة، خلال لقاء وزاري ترأسه، أول أمس الأحد، عن استيائه وانزعاجه وقلقه، بخصوص عدم تنفيذ المشاريع التي يتضمنها هذا البرنامج في الآجال المحددة لها.
اقرأ أيضا: العاهل المغربي ينتقد الحكومة ويعين 13 سفيرا جديدا
حل الأزمة.. التحول للمعارضة
وعلاقة بالموضوع، يرى الباحث الأنثربولوجي عياد أبلال، أنه مع تطورات الوضع السياسي، الذي سيحمل الكثير من التحولات والنتائج المعيقة لسيرورة الانتقال الديمقراطي، فإن "حل أزمة الحراك والمساهمة في تشييد المشهد السياسي على قاعدة شعبية يقتضي من العدالة والتنمية الخروج إلى المعارضة، عبر فعلين محوريين، يتطلبان الكثير من الجرأة السياسية ومن الحذر".
ويكمن المحور الأول، بحسب ما قال الباحث الأنتربولوجي في تصريح لـ"
عربي21"، في "طلب رئيس الحكومة العثماني الإعفاء، والتمهيد لتمديد لولاية ابن كيران الثانية، بولاية تقتضي تغيير القانون الأساسي للحزب الذي ينص على ولايتين كأحد أقصى للأمين العام، خاصة وأنه الشخصية الوحيدة التي تمتلك كاريزما سياسية، قادرة على جعل الحزب يلعب دوراً محورياً في المعارضة السياسية من داخل البرلمان".
جبهة وطنية
وأوضح أبلال أن "خروج العدالة والتنمية للمعارضة معناه أن باقي الفعاليات المدنية من جمعيات وهيئات حقوقية مختلفة المشارب والتوجهات ستكون قادرة على بلورة مشروع جبهة وطنية ديمقراطية كفيلة بصناعة قوة اقتراحية مانعة لتسلط وجبروت بنية المخزن".
وسجل أن "الإصلاح من الداخل كخيار استراتيجي لن يستقيم إلا بفعل معارض من داخل المؤسسات، وخاصة البرلمان باعتبار دوره في التشريع والرقابة، وهما الدوران اللذان تفتقدهما معارضة الشارع، أو ما يمكن تسميتها بالمعارضة الهشة التي تحتاج لسند مؤسساتي يحميها ويوجهها ويقويها. وهذا المستوى في حد ذاته يتطلب جرأة سياسية غير مسبوقة كفيلة بالتأسيس للوحدة التاريخية التي يجب أن تنطلق من قاعدة المشاركة الجماهيرية (اليسار واليمين والوسط) التي وجوبا يجب أن تنحاز إلى خيار دمقرطة الدولة وأنسنة المخزن، طالما أن بنية المخزن الشرسة تفتقد للبعد الإنساني الأخلاقي في التعامل مع الشعب الذي يعتبره مجرد محدد بيروقراطي فقط. وهنا تضيع روح الشعب".
وأكد أن "أهمية هذا التمرين الديمقراطي المؤسس للوحدة التاريخية لن يستقيم حتماً إلا بتحديد كل الهيئات السياسية لموقفها من الديمقراطية نفسها، ومن الحريات العامة، وللتداول حول السلطة، وهو ما يجب على العدالة والتنمية المزيد من الاجتهاد والمراجعة من أجل أن يصبح محوراً نموذجاً يمكن أن يقدم القدوة لباقي تيارات الإسلام السياسي وعلى رأسها العدل والإحسان".
الوحدة التاريخية
ويرى الباحث الأنثربولوجي المغربي أن "الوحدة التاريخية، كفعل مؤسس للتغير السياسي لن يؤسس لدولة الحداثة والديمقراطية إلا في ظل مراجعة جذرية للدين كأساس أيديولوجي للفعل السياسي، على اعتبار أن شعار "الإسلام دين ودولة" هو بالأساس فكرة يوتوبية مؤسسة للفعل الحركي الإسلامي في لحظات انهيار الامبراطوريات والمماليك والدول الإسلامية منذ القرن السادس عشر، وهي فكرة/ أفكار عصر النهضة تحديداً، والذي جاء كرد فعل عاطفي على تخلف العرب والمسلمين في مقابل ازدهار الغرب الذي ما كان له أن يصل إلى ما وصل إليه إلا بفضل علمانية نظامه السياسي، وليبرالية نظامه الاقتصادي، وتنويرية نظامه الثقافي والفكري، وهذه المقتضيات الثلاثة لا يمكن القفز عنها لتأسيس مغرب حداثي ديمقراطي، يستوعب التعدد والاختلاف اللذان يشكلان أحد أسسه الهوياتية..".
العلمانية ضامنة للاختلاف والتعدد
ولفت الباحث إلى "مساهمة مختلف تيارات اليسار في محاولة التوفيق بين تطلعات الشعب وتطلعات الإسلام السياسي التي يجب أن تنحو نحو التأسيس لفعل ديمقراطي يقتضي الالتزام والعمل بالعلمانية كضامن للاختلاف والتعدد، وهو ما لا يبتغيه المخزن نفسه، لأن الوحدة التاريخية الناشئة على أساس الإجماع حول المقتضيات الثلاث هي وحدة مؤسسة للدولة الحديثة، التي لا يمكنها أن تستوعب أية بنية غير بنية المؤسسات التي تشتغل وفق قاعدة فصل السلطات دستوريا ومصادقة الممارسة السياسية على تلاؤم السلطة التنفيذية التي لن تكون بالنهاية سوى سلطة الشعب في احترام القانون، وسلطة القانون في خدمة الشعب"، على حد قوله.
الانتهاكات سياسة ممنهجة
من جانبه، قال المحامي والقيادي بحزب العدالة والتنمية، عبد الصمد الإدريسي، إن الانتهاكات بالريف أصبحت سياسة ممنهجة، مضيفا أن مكان حزب العدالة والتنمية هو المعارضة لأن "اللحظة تقتضي أن تكون في البلد معارضة قوية ذات مصداقية، جريئة، تعارض، تفضح، تكشف، ويمكن بل الأكيد مستعدة لأداء ثمن ذلك".
وأوضح القيادي في الحزب الذي يقود الحكومة من خلال تدوينة له على "فيسبوك"، أنه "لا أنتظر اليوم من حكومة الكل يعرف ظروف تشكيلها وموقف فئات عريضة من السياسيين والحقوقيين ومن عامة الناس منها… لا أنتظر منها اليوم الشيء الكثير.. بل لم يعد يكفي من رئيسها ووزرائها الصمت، رغم ما يعنيه من عدم اتفاق على ما يقع، بل في بعض اللحظات والمواقف نحتاج إلى الكلام الواضح البين.. لكم أيها الأفاضل نقول: رصيدكم النضالي الناصع ملك للوطن، لا نريده أن يتبدد على أيدي بعض الفاشلين في مربع الاستبداد".
ما جدوى وجودنا بالحكومة؟
واعتبر الإدريسي أنه "خلال فترة البلوكاج الحكومي، ولما كان النقاش يحتد حول مآل التجربة الديمقراطية الهشة في المغرب، كان بين الفينة والأخرى يعلو سؤال ربما صادم، أليس مكان العدالة والتنمية اليوم ليقوم بدوره تجاه الوطن والشعب والسياسة، هو المعارضة وليس الحكومة؟"، مضيفا بالقول: "نعم كانت تطوقنا أصوات الناخبين الذين صوتوا لنكون في الحكومة ونكمل مسارا بدأ، لكن لا يجب أن نقف عند لحظة التصويت، لأنه بعدها جرت متغيرات كثيرة، وجب بعدها أن نقرأ نبض الشارع وتوجهاته ونقرر على ضوئها"، ليختتم تدوينته متسائلا: "ما جدوى وجودنا في الحكومة؟ سؤال لم أعد أجد له جوابا".
وتشهد عدد من مدن وقرى منطقة الريف، شمالي المغرب،
احتجاجات متواصلة منذ أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، للمطالبة بالتنمية ومحاربة الفساد، وذلك إثر وفاة تاجر السمك محسن فكري، الذي قتل طحنا داخل شاحنة لجمع النفايات بمدينة الحسيمة (شمال)، خلال محاولته الاعتصام بها، لمنع مصادرة أسماكه من قبل قوات أمنية.
اقرأ أيضا: مواجهات دامية بين الأمن ومحتجين شمال المغرب بعيد الفطر (شاهد)
وسبق للحكومة المغربية، أن أعلنت الخميس الماضي، أن إجمالي عدد الموقوفين بسبب "حراك الريف"، بلغ 107 أشخاص.
وأدانت المحكمة الابتدائية بالحسيمة، الأربعاء الماضي، 32 معتقلا على خلفية الحراك، وذلك بالحبس سنة ونصف السنة نافذة لـ25 منهم، بتهم العصيان المسلح ورشق القوة العمومية بالحجارة وإهانة القوة العمومية، والتظاهر بدون تصريح، والتجمهر المسلح في الطرق العمومية، في حين أدانت الباقين بأحكام سجن ما بين شهرين و6 أشهر حبسا موقوفة التنفيذ.