نشر موقع "ميدل ايست آي" مقالا للكاتب كيران كوك تحدث فيه عن المخاطر التي تحدق بسكان حوض النيل، مع التزايد الكبير لعدد السكان خلال العقود الثلاثة القدمة.
وقال الكاتب أنه بينما يتزايد عدد السكان في منطقة
نهر النيل، يحذر العلماء من أن الانحباس الحراري سيولد أنماطاً مناخية شديدة القسوة لا يمكن التنبؤ بها وتساءل: "هل
مصر مستعدة لذلك؟
وأشار الكاتب إلى تقديرات الأمم المتحدة، التي توقعت أن يرتفع عدد سكان البلدان الواقعة في حوض نهر النيل لأكثر من الضعف بحلول عام 2050 ليصل إلى مليار نسمة، مما سيعرض موارد المياه على ندرتها لمزيد من الضغط والإجهاد.
وقال كوك إن تقريرا صدر مؤخراً أشار إلى أن التغيير المناخي سيفاقم من الأزمة التي تتصاعد بسرعة فائقة على امتداد واحد من أعظم الأنهار في العالم، وذلك أن الانحباس الحراري سيكون من عواقبه عدم القدرة على التنبؤ بمستويات المياه في مجرى النهر.
وتوقع التقرير الصادر عن مجموعة من الأكاديميين في معهد ماساشوسيتس للتكنولوجيا، أن ينجم عن الانحباس الحراري فيضانات مدمرة في عام وجفاف مهلك في العام الذي يليه.
ويذكر الكاتب أن تنامي ظاهرة التقلب في مستويات المياه حاصل فعلاً، ففي عام 2015 وفي مطلع عام 2016 ضرب
الجفاف الشديد عدة بلدان في حوض النيل، ثم ما لبثت بعد ذلك أن غشيها الطوفان في كل الأنحاء.
وينقل كوك عن الأستاذ الدكتور الفاتح الطاهر أحد معدي التقرير قوله: "نحن لا نتكلم عن شيء نظري، بل هذا حاصل الآن في أرض الواقع".
تأثير غير محدد المعالم
وبحسب الطاهر وزملائه الباحثين؛ فإن السبب الرئيس لهذا النمو في ظاهرة التقلب في مستويات مياه النيل يوجد على بعد آلاف الأميال، في المحيط الهادي.
ويتسبب الاحتباس الحراري والناجم أساساً عن تلويث الجو بملايين الأطنان من غاز ثاني أكسيد الكربون وغيره من الغازات التي تنبعث كل عام في زيادة حدة ومدة ظاهرة خاصة بالمحيط الهادي تسمى دورة النينو / النينا.
ولهذه الدورة تأثير كبير على أنماط المعدلات السنوية لتساقط الأمطار في مرتفعات إثيوبيا والمناطق المجاورة، وهي الأماكن التي تولد ما يقرب من ثمانين بالمائة من المياه الكلية التي تناسب في مجرى نهر النيل.
يذكر أن الفيضان السنوي لنهر النيل، والذي يأتي بالطمي ويرسبه ليزيد من خصوبة الأراضي الزراعية في دلتا النيل وفي غيرها من الأماكن، ما لبث يشكل جزءاً من إيقاع الحياة في هذه المنطقة منذ آلاف السنين. وكان كبار الكهنة في معابد مصر في الأزمنة القديمة يقيمون سلسلة من أدوات القياس أو ما يسمى نيلوميترات للتنبؤ بمستويات المياه ورصده، إلا أن التغير المناخي الآن بات معيقاً لهذه السبل العتيقة.
وتابع الكاتب نقلا عن معهد ماساشوسيتس للتكنولوجيا أنه لو استمر العالم في نفس الممارسات "وكأن شيئاً لم يحصل"، ودون أن يطرأ خفض كبير في معدلات انبعاث غازات الانحباس الحراري خلال الأعوام القادمة، فمن المحتمل أن يؤدي تغير أنماط تساقط الأمطار إلى زيادة تتراوح ما بين 10 إلى 15 بالمائة في المنسوب السنوي للنيل.
وقد يكون ذلك بمثابة منحة إضافية للبلدان التي تعاني من شح في المياه مثل مصر، والتي يبلغ تعداد سكانها 91 مليون نسمة يعتمدون بشكل أساسي على النيل كمصدر لمياه الشرب، ناهيك عن أن النيل مصدر مهم للمياه المستخدمة في الري وفي القطاعات الصناعية في البلاد.
وتابع الكاتب نقلا عن المعهد أنه ما لم يتم التحكم بشكل سليم في مستويات المياه ويتم كذلك التنسيق بشكل جيد فيما يتعلق بتخزين وتسريح المياه من السدود والخزانات المختلفة المقامة على امتداد النيل، فسوف تحدث فيضانات في أماكن كثيرة.
ما بعد السد
ولفت كوك إلى تحذير المعهد من أن عدد السنين "الطبيعية" التي ينسجم فيها تدفق النيل مع الأنماط التقليدية سيطرأ عليه تقلص كبير، وسوف تزداد وتيرة التقلبات ما بين فيضان وجفاف من عام إلى آخر.
ويأمل الأستاذ الدكتور الطاهر ورفاقه المشاركون معه في البحث في أن يستفاد من نتائج بحثهم في وضع سياسات طويلة المدى لإدارة تدفق المياه في النهر.
إلا أن المعارك التي تستهدف السيطرة على النيل ما لبثت تدور رحاها منذ سنوات طويلة. فهذا النهر الأطول في العالم ينساب عبر عشرة أقطار. ويجري حالياً إنشاء أكبر سد في أفريقيا، وهو سد النهضة الإثيوبي العظيم، الذي يقام قريباً من الحدود الواقعة بين إثيوبيا والسودان.
وأضاف الكاتب أن مشروع السد في احتكاك بين إثيوبيا – التي تبرز حالياً كواحدة من مناطق النمو الاقتصادي الرائدة في أفريقيا – ومصر. وذلك أن المزارعين في مصر يخشون مما ستؤول إليه الأوضاع في المستقبل ويقولون إن السد الإثيوبي سيعني أن كميات المياه المتاحة لهم لري محاصيلهم ستتقلص.
ويختم الكاتب مقاله بالإشارة إلى ما أورده تقرير معهد ماساشوسيتس للتكنولوجيا أنه بدلاً من الانشغال في جدل حول السد، ينبغي أن يتحول التركيز إلى الحديث عن التأثيرات المحتملة للتغير المناخي والنمو السكاني على امتداد النيل.