دأب رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كيليتشدار أوغلو منذ فترة طويلة على اتهام رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان بالدكتاتورية، وجعل هذا الاتهام محور الحملات الدعائية التي نظمها حزبه لدعوة الناخبين إلى رفض التعديلات الدستورية في الاستفتاء الشعبي، قائلا إن أردوغان يسعى إلى التفرد بالسلطة من خلال نقل البلاد من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي.
كيليتشدار أوغلو خسر معركة الاستفتاء الشعبي في السادس عشر من الشهر الماضي، وبدأ يتعرض لانتقادات شديدة، وسط أصوات ترتفع في حزب الشعب الجمهوري وتطالبه بالتنحي، إلا أنه يبدو عازما على قمع معارضيه بأساليب دكتاتورية كي لا يتجرأ أحد في الحزب على منافسته وانتقاد رئاسته. وفي كلمته أمام نواب حزب الشعب الجمهوري، هدد معارضيه بالطرد، وقال إنه سيضع خارج الباب كلَّ من أراد إثارة الصراع الداخلي في الحزب.
النائب فكري ساغلار، أحد القادة المعارضين لكيليتشدار أوغلو، انتقد رئيس حزب الشعب الجمهوري بشدة، وذكر أنه يعلن في تصريحاته الدعائية رفضه لسياسة التفرد بالسطة، إلا أنه يمارس ذات السياسة في حزب الشعب الجمهوري. وشبَّه ساغلار، في حديثه لصحيفة "آكشام" التركية، ما يقوم به كيليتشدار أوغلو كمن يُدين العنف ضد المرأة ثم يذهب إلى بيته ويضرب زوجته. وبعد هذه التصريحات، تقدمت قيادة حزب الشعب الجمهوري إلى اللجنة التأديبية العليا، بطلب طرد النائب فكري ساغلار من الحزب، بحجة أنه انتقد كيليتشدار أوغلو في حديثه إلى صحيفة مقربة من الحكومة.
رئيس حزب الشعب الجمهوري لا يمكن أن يسكت جميع الأصوات التي تنتقده وتطالبه بالتنحي، حتى لو نجح في طرد ساغلار وغيره من الحزب. بل تؤكد هذه السياسة القمعية صحة الانتقادات الموجَّهة إليه حول الديكتاتورية والتفرد بالسلطة. ويحاول كيليتشدار أوغلو أن يتهرب من تحمل مسؤولية الفشل، قائلا إن القصر الرئاسي، في إشارة إلى أردوغان، ضغط على الزر لإثارة الفتن في صفوف حزب الشعب الجمهوري، إلا أن هذا القول يستحيل تصديقه، لأن الأسماء التي تنتقده في الحزب لا يمكن أن تتحرك بأوامر رئيس الجمهورية.
هناك قول آخر بشأن الجهة التي تستهدف رئيس حزب الشعب الجمهوري. وهو ما ذكره النائب أنغين آلطاي، مساعد رئيس الكتلة البرلمانية لحزب الشعب الجمهوري، في مقابلة تلفزيونية، حول استهداف الحزب من قبل "عقل مدبر" و"غرفة عمليات". وإن كان هذا القول صحيحا إلى حد كبير، إلا أن كيليتشدار أوغلو ورفاقه لا يحق لهم أن يشتكوا من ذاك العقل المدبر، لأنه هو الذي سبق أن أسقط دنيز بايكال من رئاسة حزب الشعب الجمهوري وأوصل كيليتشدار أوغلو إلى منصبه الحالي الذي لم يكن يحلم به.
الأسماء التي تتطلع إلى الجلوس على كرسي رئاسة حزب الشعب الجمهوري كثيرة. ولعل أولها زعيم الحزب السابق، دنيز بايكال، الذي دعا كيليتشدار أوغلو إلى إعلان ترشحه لرئاسة الجمهورية في انتخابات 2019 أو التنحي من رئاسة الحزب، كما أن هناك النائب محرم إينجه، الذي طالب بعقد مؤتمر استثنائي لانتخاب رئيس جديد للحزب في مايو / أيار الجاري أو الشهر القادم، قائلا إن رياح التغيير تهب في الحزب والشارع التركي. وكان النائب فكري ساغلار قد أعلن في تصريحاته لصحيفة "آكشام" استعداده لتحمل المسؤولية، فيما انتقد مصطفى صاري غول، مرشح حزب الشعب الجمهوري لرئاسة بلدية إسطنبول في الانتخابات المحلية التي جرت في 2014، جميع التيارات في الحزب، واتهمها بالصراع على الكراسي، وكأنه قال لأعضاء حزب الشعب الجمهوري: "ها أنا ذا لم أمت بعد".
في غضون الأيام الأخيرة، كان التطور اللافت في حزب الشعب الجمهوري استقالة نائبه سلين سايك بوكه، نائبة رئيس الحزب والمتحدثة باسم الحزب من مناصبها، وسط تكهنات بأنها تستعد لمنافسة كيليتشدار أوغلو بدعم خارجي يسعى إلى إخراج مشروع جديد جراء فشل مشروع كيليتشدار أوغلو. وإن صحت هذه التكهنات فيعني ذلك أن كيليتشدار أوغلو سيتعرض لحملات تشويه تقف وراءها ذات القوى التي قامت بتلميعه حتى يصل إلى رئاسة حزب الشعب الجمهوري.
* كاتب تركي