جاءت
الانتخابات الأخيرة داخل حركة
حماس في قطاع
غزة؛ لتكشف عن تحولات مهمة داخل الحركة، ويمكن رصد عدد من السلوكيات الظاهرة التي صاحبت هذه الانتخابات، وبالنظر إلى نتائج هذه الانتخابات التي ظهرت، يمكن الوقوف على بعض الملاحظات حول العملية الانتخابية من حيث المظهر والقوانين والنتائج وتداعيات ذلك على الحركة:
- جرت هذه الانتخابات في أجواء شبه علنية أصبحت "حديث المدينة"، فلم تقف عند أبناء الحركة، بل امتدت إلى متابعة شعبية، واهتمام كبيير في الشارع الغزي حتى أصبح الكثير منهم مطلعين على ما يدور من تحركات داخل صفوف الحركة. وهذه أول مرة يتابع الشارع هذه العملية الانتخابية بهذه الصورة، حيث كانت تجرى الانتخابات في السابق خلف أبواب مغلقة لا يعلم بها إلا القليل ومن يرصدون هذا الشأن. كما أن نتائج الانتخابات أصبحت في متناول الشارع، فأسماء الفائزين في المراحل المختلفة للانتخابات في متناول الجميع، بعكس ما كان يجري في الماضي، حيث كانت معرفة النتائج محصورة في المستوى القيادي.
يتضح من حالة العلنية أن الحركة قد تجاوزت حالة السرية وتتحول إلى كيان علني بشكل غير مسبوق؛ لأن الانتخابات لم تعد شأنا داخليا في حركة حماس لوحدها، بل تعدى الأمر لتصبح شأنا عاما لأن النتائج ستؤثر على كل مواطن في قطاع غزة.
- لأول مرة سُمع نقد للوائح الداخلية للحركة وطريقة إجراء العملية الانتخابية، وقد برزت مطالبات بتعديل القوانين لكي تسمح للتنافس العلني بالوصول إلى القيادة من خلال إبراز القدرات والاستعداد لتحمل المسؤولية. بالرغم من أن القوانين واللوائح الداخلية لا تسمح بمثل هذه التحالفات وتفرض عقوبات على من يثبت قيام بذلك.
- بروز ظاهرة التحالفات أو تشكيل تكتلات انتخابية بشكل سري، وهو ما يعرف داخل الحركة بـ"الكولسة" بهدف التنافس على قيادة الحركة من باب "اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم"، بدلا من القاعدة التي سادت طوال الفترة الماضية "لا نولها لمن طلبها"، وهو إقرار بطبيعة رغبات في الوصول للسلطة وحيازتها، والإقرار بالحق للجوء إلى الوسائل السياسية للوصول إلى السلطة، وهذا تحول مهم في حركة لا يستهان به لما له من تأثير كبير في إعادة بناء الشخصية الحمساوية وتعاملها مع الملفات ذات الطابع السياسي.
- لقيت حالة الاستقطاب والتنافس الداخلي في الحركة حالة من الاستياء لدى الكثيرين من أبناء الحركة ومن أنصارها، وقد بدا واضحا من تعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي من أتباع الحركة. وقد تركز هذا النقد ممن يوصفون من "تيار الدعوة"، خاصة مشايخ الحركة الذين يرون أن اختيار القيادة يجب أن يبقى خاضعا لقاعدة "لا نوليها لمن طلبها".
- بروز الجهاز العسكري في مشهد الانتخابات، وتعزيز مكانته في مؤسسات الشورى والقيادة السياسية للحركة؛ مصدرا للقلق الداخلي والخارجي. فعلى الصعيد الداخلي، فإن مفهوم مشاركة العسكر في القيادة السياسية يثير حساسية كبيرة لدى قطاع ولا يستهان به من أتباع الحركة في ظل أجواء الربيع العربي، والقلق من دور العسكر في القيادة، ولذلك فإن الخشية من أن تتجه الحركة إلى العسكرة الكاملة، بالرغم من أن حركة حماس بشكل عام تعد نفسها حركة مقاومة "مجاهدة"، لكن ما يبعث على الاطمئنان أن الحركة قد لا تتجه نحو هذا المسار؛ هو أن المجموعات المتحالفة مع الجهاز العسكري هم ليسوا من العسكر، بل من أصحاب الكفاءات والخبرات الإدارية الذين لم يجدوا فرصتهم في القيادة سابقا.
إلا أن هناك خشية من تغلب النزعة العسكرية وفائض القوة لدى قادة الجهاز العسكري لفرض سطوتهم على من تحالف معها؛ وهو أمر لا يستبعد حدوثه، خاصة أن هناك تجارب سابقة في مناطق أخرى ومع حركات أخرى.
- يمكن تفسير بروز عناصر مقربة من قيادة الجهاز العسكري وغياب عدد من القيادات البارزة في الحركة؛ بأن هناك خلافا بين القيادة العسكرية وقيادة المكتب السياسي القديم؛ حول العديد من الملفات، الأمر الذي دفع الجهاز العسكري، بما يمتلكه من مقدرات هائلة، إلى التحرك لحسم الموقف لصالحه على حساب القيادات السياسية القديمة في الحركة.
- احتفاظ عدد لا يستهان به من القيادات التقليدية بمكانتها في الحركة، خاصة في منطقة غزة؛ ربما يشير إلى مفهوم سياسي ملفت، وهو أن التغيرات الجوهرية وقعت في مناطق بعيدة عن المركز وليس في القلب، وهذ تعد بالمفهوم السياسي ثورة الأطراف على المركز، وهو مؤشر على شعور هذه المناطق بالاستياء على سياسة قيادة الحركة الداخلية.
- توجت هذه الانتخابات بفوز يحيى السنوار قائدا لحركة حماس، وهذا الأمر وحده يحتاج إلى وقفة خاصة؛ لتناول تداعياته الداخلية على الحركة والمحلية والإقليمية والدولية، وعلى النهج الذي يمكن أن تسير به الحركة. لكني هنا أكتفي بتحليل العملية الانتخابية وتداعيات التغيرات المحلية وواقع الحركة السياسي، خاصة قيادتها لمؤسسات الحكم في غزة، على بنية الحركة والتحولات البنيوية، والتصورات السياسية لعملية قيادة الحركة، والبحث عن نمط الذي يمكن أن تسير عليه، وتداعياته على المرحلة القادمة.
كل هذه التغيرات في واقع الحركة وفي صورتها أمام الشارع
الفلسطيني والقوى الإقليمية والدولية؛ تطرح تساؤلات إلى أين تسير حركة حماس، والفرق بين ما جرى من سلوك نهج الأحزاب الليبرالية في العملية الانتخابية وما بين إفراز قيادة أكثر تشددا، فهل تسير الحركة باتجاه التحول إلى حزب سياسي بدلا من حركة مقاومة سرية تعيش حالة من المواجهة المستمرة، وممارسة السياسية بصورة أكثر واقعية مما يجعلها أكثر قبولا إقليميا ودوليا؟ أم أن ما حدث هو ظاهرة عابرة في مسيرة الحركة، وستعاود الحركة السير باتجاه أكثر تشددا طبقا لنتائج الانتخابات؟